فاطمة زيبارة في عالم البيولوجيا، يُعتبر الحمض النووي (DNA) هو المكون الأساسي الذي يحمل المعلومات الوراثية للكائنات الحية. بينما يتم تحليل الحمض النووي عادة باستخدام التقنيات الجينية التقليدية مثل التسلسل وتحليل الجينات، بدأ العلماء في استكشاف طرق جديدة لتمثيل هذه البيانات. إحدى هذه الطرق المبتكرة هي تمثيل الحمض النووي صوتيًا (DNA Sonification)، التي تحول تسلسلات الحمض النووي إلى أصوات أو موسيقى يمكن للبشر سماعها وتحليلها. تعود فكرة تحويل التسلسل الجيني إلى موسيقى إلى العالم الياباني سوسومو أوهنو في الثمانينيات، الذي لاحظ تشابهًا بين الأنماط المتكررة في تسلسل الحمض النووي والتكرار الموسيقي. قاد هذا الاكتشاف إلى تطوير تقنية تحويل التسلسل الجيني إلى نوتات موسيقية. تتكون الشيفرة الجينية من أربعة قواعد نيتروجينية هي: الأدينين (A)، الثايمين (T)، السيتوزين (C)، والجواني (G). على الرغم من هذا التركيب البسيط، فإن تسلسل هذه القواعد يحدد جميع صفات الكائن الحي ووظائفه الحيوية. تعتمد هذه التقنية على تخصيص نوتة موسيقية لكل قاعدة نيتروجينية. على سبيل المثال، يمكن أن يمثل الأدينين نوتة "دو"، والثايمين "ري"، والسيتوزين "مي"، والجوانين "فا". عندما يتم قراءة تسلسل الحمض النووي، يتم تحويل كل قاعدة إلى النوتة الموسيقية المقابلة لها، ليتم تشكيل مقطوعة موسيقية تعكس التسلسل الفريد لكل جزء من الحمض النووي. التغيرات في التسلسل، مثل الطفرات (Mutations)، تُنتج تغييرات مميزة في الصوت. على سبيل المثال، قد يؤدي حدوث طفرة في تسلسل معين إلى تغيير نغمة معينة في المقطوعة الصوتية، مما يساعد الباحثين على تحديد مكان الطفرة في التسلسل الجيني. من خلال هذه الطريقة، يمكن التعرف على الأمراض الوراثية و السرطانات مما يسهم في تحسين اكتشاف المرض في مراحله الأولى. بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم هذه التقنية في دراسة تعبير الجينات، وهي العملية التي تنظم إنتاج البروتينات الأساسية في الجسم. إذا حدث خلل في هذا النشاط، فإن الموسيقى الناتجة تعكس هذه التغيرات، مما يساعد في تحديد أمراض مثل اضطرابات المناعة الذاتية. إحدى التطبيقات الواعدة الأخرى لهذه التقنية اكتشفها الباحث والمطورفي مجال تمثيل الحمض النووي صوتيا الدكتور مارك تمبل لتسليط الضوء على الاختلافات في التسلسل الجيني للفيروسات في ورقته البحثية بعنوان "تمثيل الحمض النووي الصوتي لفيروس كورونا" التي نُشرت في مجلة BMC Bioinformatics، طور أداة تسمح بتحويل تسلسل الحمض النووي لفيروس كورونا إلى موسيقى، مما اتاح للباحثين الاستماع إلى التغيرات في التسلسل الجيني لهذا الفيروس وساهمت هذه الطريقة في تتبع تطور الفايروس بشكل دقيق، مما وفر رؤى علمية مهمة حول طبيعته. الحمض النووي صوتيًا يعد ثورة علمية تُظهر كيف يمكن للتكنولوجيا أن تفتح أبوابًا جديدة لفهم الجينات وعلاج الأمراض. من خلال هذه الألحان، يمكننا سماع لغة الحياة وفهم تعقيداتها بطرق لم تكن ممكنة من قبل. هذه التقنية تمهد الطريق لتحسين الرعاية الطبية وتحقيق اختراقات علمية قد تُحدث تغييرًا جوهريًا في المستقبل.