
فاطمة زيبارة
حين يطرق شهر رمضان المبارك أبواب القلوب، يحمل معه دفء العائلة وعبق الذكريات، لكن المغتربين يعيشون تجربة مختلفة، تمتزج بها الروحانية مع التحديات الثقافية والاجتماعية التي يواجهونها في مجتمعاتهم. فكيف يعيشون هذا الشهر بعيدًا عن أجواء الوطن؟ وهل يمكن للغربة أن تعزز ارتباطهم بشهر رمضان بدلًا من أن تباعد بينهم وبينه؟
في المجتمعات الغربية، يختلف استقبال شهر رمضان عنه الدول الإسلامية، فبينما تتزين الشوارع في البلدان العربية بالفوانيس والأنوار، يمر الشهر بهدوء في بعض الدول الأوروبية باسثناء بعض المراكز والتجمعات الإسلامية والدينية والثقافية.
تتحدث الإعلامية ضياء جفال جمعة، المقيمة في ألمانيا، عن هذا التحدي، مشيرة إلى أن الأجواء في الخارج مختلفة تمامًا عن تلك التي اعتادت عليها في لبنان او البلدان العربية. "من غير المنصف المقارنة، لأن رمضان في بلادنا يحمل معه زحمة الشوارع والتجمعات العائلية والاحتفالات الاجتماعية". وترى جفال أن المسلمين في أوروبا يفتقدون هذا الدفء الاجتماعي، ما ينعكس على شعورهم بالاغتراب خلال الشهر الفضيل.
المغتربون يعيشون في بيئات قد لا تعترف بشهر رمضان كفترة مميزة، مما يجعلهم مضطرين للتوفيق بين ضغوط العمل أو الدراسة ومقتضيات الصيام والعبادة. بعضهم يعمل لساعات طويلة دون أي مراعاة لخصوصية الصيام، والبعض الآخر يجد نفسه محاطًا بمغريات الحياة اليومية التي قد تؤثر على التزامه الروحي.
يشير سماحة الشيخ وهيب مغنية، مدير مكتب العلامة المرجع فضل الله (رض) في أبيدجان، إلى أن البعد الروحي لشهر رمضان، "فرصة سنوية لتغذية الروح بعد أحد عشر شهرًا من الانشغال بالحياة المادية". ويرى سماحته أن على المغتربين أن استثمار شهر رمضان في تجديد علاقتهم مع الله، خاصة في ظل الضغوط التي قد تؤثر على التزامهم الديني.
إلى جانب ذلك، تواجه بعض العائلات المسلمة في المهجر تحديًا لغويًا، خاصة الجيل الجديد الذي لم ينشأ في بيئة عربية. تلفت جفال إلى أن "هناك أشخاصًا ولدوا هنا أو قضوا سنوات طويلة في الغرب، فلم يعد لديهم إتقان جيد للغة العربية، ومع ذلك، هم يحرصون على الحضور إلى الجوامع لتهجئة القرآن الكريم والمشاركة في الختميات القرآنية والدعاء ، مما يعكس رغبتهم في تعزيز الرابط الروحي رغم التحديات".
على الرغم من هذه الصعوبات، يرى سماحة الشيخ مغنية أن شهر رمضان هو فرصة لتعزيز الروحانية. "نحتاج إلى أن نحيي هذه الروح لكي تتفتح الوردة الإيمانية مجددًا"، بهذه الكلمات يلفت سماحته الانتباه إلى أهمية البحث عن غذاء الروح في أي بيئة، سواء كانت تدعم الشعائر الإسلامية أو لا.
من جهتها، تشير جفال إلى أن المسلمين في أوروبا وجدوا طرقًا لتعويض بسيط عن هذا الفرق الكبير، فالجوامع والمراكز الإسلامية تنظم إفطارات جماعية، والحرص على ختم جزء من القرآن يوميًا، بالإضافة إلى محاضرات دينية تساهم في إعادة إحياء الشعور بأجواء رمضان للأفراد. كما تشير إلى أن العديد من العائلات تحاول خلق أجواء رمضانية داخل منازلها، عبر الزينة والتقاليد الخاصة.
يؤكد الشيخ مغنية على أهمية الحفاظ على روحانية هذا الشهر، خاصة في الدول التي تصل فيها ساعات الصيام إلى 18 ساعة أو أكثر. "يجب أن نزرع الإرادة في الشخص ونحبب له هذه الفريضة بآثارها المعنوية وبما بها من إرتقاء روحاني. من خلالها، يتوصل الإنسان إلى التغلب على نزعات النفس ورغباتها وأهوائها".
وتشير جفال إلى دور الإعلام الرقمي في سد هذه الفجوة، حيث يمكن للمغتربين متابعة المحتوى الديني والتوعوي عبر الإنترنت، لا سيما المحتوى الذي يقدمه المؤثرون المسلمون الذين يملكون القدرة الدينية على الشرح ويستفيدون من خاصية مواقع التواصل فيشرحوا أهمية شهر رمضان بأسلوب قريب من الشباب الذين نشأوا في بيئات غربية.
يبقى شهر رمضان تجربة فريدة للمغتربين، فهو يوقظ فيهم الحنين إلى الوطن، لكنه يمنحهم أيضًا فرصة لإعادة اكتشاف إيمانهم في ظروف جديدة. وبينما يفتقدون بعض المظاهر التقليدية، يجدون في الغربة تحديًا يدفعهم للتمسك أكثر بروح الشهر الفضيل ليبقى نورًا يضيء القلوب، سواء في زحام الشوارع العربية أو في هدوء مدن الاغتراب.