فاطمة زيبارة - موقع قناة الإيمان الفضائية
لم تكن أم علي تعلم أن هوس ابنها البكر بشخصية "سبايدرمان" الكرتونية يمثل مؤشرًا سلبيًّا. بل على العكس، كافأته بشراء زي بطله المفضل كهدية لنجاحه في امتحانات نصف السنة. لكن فرحتها لم تكتمل، إذ حاول علي تقليد البطل والقفز من مكان مرتفع، مما تسبب في كسر يده وتعرضه لعدة رضوض في أنحاء جسمه. مأساة علي تمثل واحدة من عشرات المآسي التي يتعرض لها الأطفال جسديًّا بسبب تأثرهم بالأفلام الكرتونية التي يشاهدونها دون رقابة. أما التأثيرات النفسية السلبية التي تنغرس في نفوسهم في هذه السن المبكرة، فحدث ولا حرج.
وفي هذا الاطار توضح الإعلامية والاختصاصية التربوية ايمان عسيلي أن الأفلام الكرتونية تجذب الأطفال بشكل كبير، خاصة في المراحل العمرية المبكرة، حيث يتعلق الطفل بالشخصيات الكرتونية بسرعة، مما يجعلها تؤثر بشكل كبير على قيمه وسلوكياته.
معظم الأفلام الكرتونية اليوم لا تتناسب مع القيم الإسلامية والمجتمعات العربية. تشير عسيلي إلى أن غالبية هذه الأفلام تأتي من الغرب، مما يجعلها منافسًا قويًّا لدور الأسرة في التنشئة الاجتماعية. ومن أبرز التأثيرات السلبية تعزيز القدوة السيئة، حيث يقلد الأطفال الشخصيات الكرتونية. كما أن بعض الأفلام تعرض مفاهيم غير مناسبة لعمر الطفل، مما يؤدي إلى تحطيم براءته.
ووفقًا لـ منظمة الصحة العالمية، يقضي الأطفال تحت 12 سنة أكثر من ساعات يوميًّا في مشاهدة الأفلام الكرتونية. دراسة في جامعة هارفارد أظهرت أن 68% من الأفلام الكرتونية تحتوي على مشاهد عنف غير مباشر. كما أن 70% من الآباء يعترفون بأن أطفالهم يقلدون سلوكيات شاهدوها في الكرتون، وفقًا لاستطلاع أجرته اليونيسف.
بدورها تؤكد المعالجة النفسية ربى جمول أن العمر الأنسب للبدء بمشاهدة الكرتون هو من سنتين إلى خمس سنوات، مع توجيه الأهل. وتنصح بعدم تعريض الأطفال دون السنتين للكرتون، لأنه قد يترك آثارًا سلبية على عقولهم. كما تحذر من مشاهد العنف في الكرتون، حيث تقلل من تعاطف الطفل مع الآخرين، وتجعله أكثر عنفًا.
وتشير جمول الى أن الأفلام الكرتونية يمكن أن تؤثر على نمو الطفل النفسي والاجتماعي بشكل إيجابي إذا تم اختيارها بعناية. وتوضح أن الكرتون يعزز الخيال والإبداع لدى الطفل من خلال الصور والحبكة الدرامية التي تشغل تفكيره وتنمي قدراته الفنية. على سبيل المثال، مشاهد مثل شخصية نائمة على غيمة يمكن أن تحفز الجانب الفني لدى الطفل.
وتضيف الاخصائية النفسية أن الأفلام الكرتونية يمكن أن تكون أداة تعليمية فعالة إذا استغلها الأهل بشكل صحيح. فمن خلال الرسوم المتحركة، يمكن تعليم الأطفال عادات النظافة مثل تنظيف الأسنان، أو تعريفهم بثقافات مختلفة حول العالم. لكنها تشدد على أهمية اختيار أفلام هادفة وتعليمية تعزز شخصية الطفل بشكل إيجابي، مع ضرورة مراقبة ما يشاهده الطفل لتجنب التأثيرات السلبية.
في السنوات الأخيرة، أصبحت بعض الأفلام الكرتونية تتضمن رسائل خفية أو صريحة تتعلق بالجنس أو الشذوذ، مما يشكل تحديًا إضافيًا للآباء في حماية أطفالهم من التأثيرات غير المناسبة. وفي هذا الاطار توضح جمول أن تعرض الأطفال لمثل هذه المحتويات في سن مبكرة يمكن أن يؤدي إلى تشويش في فهمهم للهوية الجنسية والعلاقات الاجتماعية.
على سبيل المثال، بعض الأفلام الكرتونية الحديثة تقدم شخصيات ذات توجهات جنسية مختلفة أو تروّج لأفكار غير متوافقة مع القيم الأسرية التقليدية. هذه الرسائل قد تؤدي إلى تساؤلات مبكرة لدى الأطفال حول مفاهيم مثل الجنس والهوية، مما قد يسبب ارتباكًا في فهمهم لذواتهم ودورهم في المجتمع.
وهو ما تشير اليه جمول إلى أن الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة لا يمتلكون القدرة العقلية لفهم هذه المفاهيم المعقدة، مما يجعلهم عرضة لتقبلها دون تمحيص. لذلك، تؤكد على ضرورة مراقبة الأهل للمحتوى الذي يشاهده أطفالهم، واختيار أفلام كرتونية تعزز القيم الأخلاقية والاجتماعية التي تتناسب مع ثقافتهم ودينهم.
وفي هذا الاطار تقترح التربوية عسيلي عدة حلول للأهل للحد من التأثيرات السلبية لبرامج الكرتون على أطفالهم، منها تحديد وقت المشاهدة بحيث ألا يتجاوز ساعة يوميًّا للأطفال دون السادسة، واختيار أفلام تعليمية مثل تلك التي تعلم اللغات أو العلوم. كما تنصح بالمشاركة في المشاهدة، حيث يمكن مناقشة الطفل حول ما يشاهده وتعزيز مهارات التحليل لديه. وتشير إلى أهمية تقديم بدائل جذابة مثل القصص التفاعلية أو الأنشطة الإبداعية.
فيما تنصح الاختصاصية النفسية ربى جمول الأهل بمناقشة أي مشاهد أو رسائل غير واضحة مع أطفالهم، وتوضيح المفاهيم بشكل بسيط يتناسب مع عمرهم. كما تشدد على أهمية تعزيز الحوار المفتوح داخل الأسرة، بحيث يشعر الأطفال بالراحة في طرح أسئلتهم دون خوف أو ارتباك.
في الخلاصة قبل الضغط على زر «التشغيل»، يجب التذكر أن كل فيلم كرتوني يزرع بذرة في عقل الطفل. لذا علينا أن نختار البذور التي تُزهر قيمًا، لا أشواكًا.