أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فاتو بنسودا، أمس الجمعة، أنها تريد فتح تحقيق شامل في جرائم حرب محتملة في الأراضي الفلسطينية.
وأشارت إلى توافر العلّة القانونية لفتح تحقيق رسمي في جرائم حرب محتملة ارتكبها مسؤولون صهاينة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك قطاع غزة المحاصر والضفة الغربية المحتلة، ومن ضمنها القدس.
وقالت المدعية العامة، يوم الجمعة، خلال مقطع مصوَّر: "بناء على تحليل مستقل وموضوعي لكل المعلومات المتوفرة لدى مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية بشأن الحالة في فلسطين، فقد قررت أن كل المعايير لفتح التحقيق الجنائي قد توافرت، ما يعني أنها جاهزة لفتح تحقيق".
واستدركت قائلةً: "لكن بناء على ميزة الحالة في فلسطين والتعقيدات القانونية الكبيرة المرافقة لها، فقد قررت اللجوء إلى الدائرة التمهيدية الأولى لطلب حكم منها بشأن الولاية الإقليمية على الأراضي الفلسطينية".
وتابعت: "طلبت من الدائرة التمهيدية الأولى تأكيد أنها تمتلك ولاية لممارسة اختصاصها على كل من الضفة الغربية، بما يشمل القدس الشرقية وقطاع غزة. هذا الاستنتاج يأتي لأغراض حصرية من أجل تحديد ولاية المحكمة لممارسة اختصاصها القضائي ونطاق تطبيق ميثاق روما".
وفي تعقيبه على قرار المدعية العامة، قال رئيس الحكومة الصهونية بنيامين نتنياهو: "هذا يوم أسود للحقيقة والعدالة. يحولون محكمة العدل الدولية إلى سلاح سياسي موجه ضد إسرائيل. إنه أمر سخيف. نحن نحارب من أجل حقوقنا وحقيقتنا التاريخية بكل طريقة ممكنة"، واعتبر أن قرار المدعية العامة "قرار مخزٍ ولا أساس له".
في المقابل، رحَّبت الحكومة الفلسطينية بإعلان مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية انتهاء مرحلة الدراسة الأولية في الحالة في فلسطين، وكذلك تأكيدها أنَّ كل الشروط القانونية لفتح التحقيق قد تحقَّقت.
وأشارت وزارة الخارجية والمغتربين، في هذا السياق، إلى أنَّ هذه الخطوة هي الأولى من نوعها التي تتخذها المدعية العامة منذ إعلانها بدء الدراسة الأولية بتاريخ 16 كانون الثاني/ يناير 2015. ورأت أنَّ هذه الخطوة إنما تعكس نية المدعية العامة بفتح التحقيق الجنائي في الحالة في فلسطين فور اختتام الدائرة التمهيدية لمداولاتها وصدور القرار الإيجابي بشأن اختصاصها الإقليمي.
واستبق المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، يوم الجمعة، قرار المدعية العامة الدولية عبر إصدار وجهة نظر قانونية زعم فيها أنَّ الضفة الغربية وقطاع غزة ليسا ضمن صلاحية المحكمة الدولية، وذلك في ظلِّ التخوف الصهيوني من صدور قرار عن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بفتح تحقيق ضد ممارسات الاحتلال بحق الفلسطينيين.
ونقلت القناة 13 التلفزيونية عن مسؤول صهيونية رفيع قوله: "يوجد تخوّف من قرار سيصدر قريباً عن المدعية في المحكمة في لاهاي حول فتح تحقيق ضد إسرائيل. ولذلك تمَّ اليوم نشر وجهة نظر مندلبليت التي تقول إنه لا توجد صلاحية للمحكمة الدولية في الضفة الغربية وقطاع غزة".
وبحسب وسائل إعلام صهيونيَّة، جاء في وجهة النظر التي أصدرها مندلبليت أنَّ مكتب المدعية في محكمة لاهاي يجري منذ عدة سنوات "تدقيقاً أولياً في أعقاب توجّه الفلسطينيين إليها. والموقف القانوني والمبدئي لدولة إسرائيل، غير العضو في المحكمة، هو أنَّ المحكمة لا تملك صلاحية قضائية بالنسبة إلى إسرائيل، وأي نشاط فلسطيني في المحكمة ليس نافذاً قضائياً".
وعدَّد مندلبليت أربعة أسباب لذلك. السبب الأول هو أنَّ دولاً ذات سيادة بإمكانها منح المحكمة صلاحية محاكمة جنائية، "والسلطة الفلسطينية لا تستوفي، بشكل بارز، الشروط لوجود دولة، وفقاً للقانون الدولي ومعاهدة روما". والسبب الثاني هو أنَّ "الادعاء بانضمام الفلسطينيين إلى معاهدة روما لا يمكن أن يشكل بديلاً للامتحان الجوهري بمنح صلاحيات جنائية للمحكمة في دولة ذات سيادة ومنطقة محددة"، علماً بأن الكيان الصهيوني موجود كقوة احتلال في الأراضي المحتلة العام 1967، ولا أحد يعترف بأنه جزء منها.
والسبب الثالث، على حد زعم مندلبليت، هو "وجود ادعاءات قانونية لدى إسرائيل سارية المفعول بالنسبة للمناطق التي يدَّعي الفلسطينيون منح المحكمة صلاحية حيالها. وقد اتفقت إسرائيل والفلسطينيون، بدعم المجتمع الدولي، على حلّ الخلافات بينهم حول مستقبل المناطق في إطار مفاوضات".
والادعاء الرابع هو أنَّ "الفلسطينيين، بتوجّههم إلى المحكمة، يسعون إلى انتهاك التفاهمات بين الجانبين، ودفع المحكمة إلى الحسم في مسائل سياسية ينبغي استيضاحها في المفاوضات، وليس بإجراءات قضائية جنائية. ولم تتأسَّس المحكمة لهذا الغرض، وهي ليست مخوّلة أو قادرة على النظر في هذه المواضيع، وبخاصّة في ظل غياب اتفاق بين الجانبين".
وكان مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية قد قال في تقريره نشره في الخامس من الشهر الجاري: "في حين أنَّ الوضع كان قيد التحقيق الأولي منذ ما يقارب خمس سنوات، واستفاد من المشاركة الهادفة والبنّاءة مع كل من السلطات الفلسطينية والإسرائيلية، وكذلك العديد من الجهات الفاعلة الأخرى، ما ساعد على تعميق فهم وتقييم الوضع بالنسبة للمكتب، فإنَّ المدعية العام تعتقد أيضاً أنَّ الوقت حان لاتخاذ الخطوات اللازمة لتصل التحقيقات الأولية إلى نهايتها".
ووفقاً لـ"ميثاق روما"، فإنَّ انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية يمنح الأخيرة كامل الصلاحية القانونية لملاحقة جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال في الأرض الفلسطينية.
وكانت السلطة الفلسطينية قد طلبت منذ 5 سنوات إطلاق تحقيق رسمي في جرائم حرب يرتكبها مسؤولون صهاينة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقدَّم الجانب الفلسطيني ثلاثة ملفات أساسية قي هذا السياق تتعلَّق بالعدوان الصهيوني على قطاع غزة، والاستيطان في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقضية الأسرى في السجون الصهيونية.
وطيلة هذه الفترة، ذكرت المحكمة في أكثر من مناسبة أنها عكفت على إجراء دراسة أوليَّة حول الحالة في فلسطين، لتقرّر ما إذا كان الوضع يستدعي إطلاق تحقيق رسمي، علماً بأنَّ المحكمة لا تحقّق مع دول، وإنما مع مسؤولين يشتبه بارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.