ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين أصحابه عندما قال اعلموا عباد الله أن الله لم يخلقكم عبثًا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} ولم يرسلكم هملًا علم مبلغ نعمه عليكم وأحصى احسانه إليكم فقال: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}
فاستفتحوه واستنجدوه واستمنحوه، فما قطعكم عنه حجاب، ولا أغلق عنكم دونه باب. وإنه لبكل مكان، وفى كل حين وأوان، ومع كل إنس وجان، لا يثلمه العطاء، ولا ينقصه الحباء ولا يلويه شخص عن شخص، ولا يلهيه صوت عن صوت...
هذا هو الله في رحمته في عطائه في احسانه خير سند وخير ظهر وبالاستناد إليه نستطيع أن نواجه التحديّات مهما بلغت.
والبداية من العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان والّذي رغم مرور نحو أربعة أشهر على اتفاق وقف إطلاق النار لازلنا نشهد عمليات الاغتيالات والغارات الجوّيّة التي تستهدف مناطق البقاع والجنوب وتهديده للضاحية وفي منعه للأهالي من العودة إلى قراهم المدمّرة في الشريط الحدودي وهو يستهدف حتى الغرف الجاهزة في البلدات التي وجدت لتكون مأوى يلجأ إليه من تهدّمت بيوتهم كما هيئات الاغاثة والبلديات التي تتولى رعاية الأهالي المتواجدين في القرى الحدوديّة.
في الوقت الّذي تفي الدولة اللبنانيّة ومعها المقاومة بكل الالتزامات التي أخذتها على عاتقها بموجب الاتّفاق مع هذا العدو وحتّى عدم الرّد على اعتداءاته تاركة عهدة ذلك على اللجنة المكلّفة بوقف اطلاق النار والدول الضامنة الّذين عليهم القيام بمسؤولياتهم والالتزام بتعهداتهم تجاه الدولة اللبنانية بمنع الكيان الصهيوني من الاستمرار بخروقاته وازالة احتلاله، وهم قادرون على القيام بذلك ان أرادوا ولكن مع الأسف لا نشهد أي رد فعل على ما يقوم به العدو حتى بتنا لا نرى مجرّد ادانة له فيما نشهد مزيدًا من الضغط على الدولة اللبنانيّة لنزع سلاح المقاومة والذي جاء التعبير عنه من قبل نائبة المبعوث الأميركي المكلّف بالأشراف على تطبيق وقف اطلاق النار التي زارت لبنان مؤخرًا وتأكيد المقاومة بأنها تقف وراء الدولة اللبنانيّة وتراها هي المعنية بهذا الأمر رغم أن الاعتداءات استهدفت وتستهدف كوادرها والبيئة الحاضنة لها.
إنّنا أمام ما يجري لا بدّ أن ننوّه بالموقف الرسمي الموحّد الذي تبلغته نائبة المبعوث الأميركي والمتمسّك بأنّ البحث بسلاح المقاومة يكون، ويحصل بعد ايقاف العدو لاعتداءاته وانسحابه من الأراضي اللبنانيّة وضمان عدم المس بسيادته واستعادة أسراه.
ونحن هنا ندعو كل القوى السياسيّة وكل اللبنانيين إلى مساندة هذا الموقف لتعزيزه والكف عن أيّة تصريحات تسهم في اضعاف هذا الموقف بما يخدم أهداف العدو وأن تتوحّد جهودهم وتتضافر لاستعادة هذا البلد سيادته على أرضه ولمنع العدو من تحقيق أية مكتسبات أمنية وسياسية يريد الحصول عليها في هذه المرحلة.
إنّا نناشد الجميع في هذا البلد أن تنبع قراراتهم ومواقفهم من باب المصلحة الوطنيّة وبعيدًا من المصالح الفئويّة التي مع الأسف تستحضر حتّى في القضايا المصيريّة وأن لا تكون هذه المواقف صدى لرهانات خارجية وأن يكون الهم واحدًا وهو ايقاف العدوان وعدم الرضوخ لمطالب الخارج.
إنّنا نعي حجم الضّغوط التي تمارس على هذا البلد ولا نريد أن نهوّن منها لكن ذلك لا ينبغي أن يجرّد البلد من موقع من مواقع القوّة الّتي يخشاها العدو ليدعو البعض إلى نزع السّلاح من دون أن يكون هناك أي ضمانات لهذا البلد بأنه سيكون آمنًا من هذا العدو ولن يستباح كما يستباح اليوم عندما يفقد القدرة على مواجهة أي عدوان ولن يكون عرضة لما يهدّد أمنه وسيادته واستقراره بل إنّنا نجد اليوم ما يعزّز هذه المخاوف ممّا نراه من تهديدات العدو وممارساته وتحرّكاته.
ونبقى على صعيد الداخل لنؤكد أهمية أي عمل اصلاحي يؤمن للبلد الخروج من أزماته الاقتصادية والماليّة واستعادة عافيته، لاسيما لجهة سد كل الثغر التي نفذ منها من نهبوا الخزينة اللبنانية وودائع اللبنانيين وأوصلوا البلد إلى الانهيار.
وفي ظل السّعي لاستعادة المصارف دورها وعافيتها والثّقة بها، لا بدّ من التّشديد على أنّ أوّل مدخل لاستعادة هذه الثّقة يبدأ بإعادة المصارف لأموال المودعين الّذين ائتمنوها على أرزاقهم وإن لم تفعل، فإنّ أحدًا من اللبنانيين لن يفكر أبدًا بايداع أمواله في مصارف أكّدت بالفعل أنها لا تؤتمن على أموال، ولا تستحق أن يكون لها دور في الحياة الاقتصاديّة للبنان.
ونصل إلى غزّة الّتي يواصل العدو حرب الابادة عليها باستهدافه كل معالم الحياة فيها من حجر وبشر، في الوقت الذي يستمر حصاره المطبق عليها والذي وصل إلى حد التّجويع والتعطيش وهو ما يستكمل في الضّفّة الغربية ومخيّماتها وقد أصبح من الواضح أنه يهدف من وراء ذلك إلى تهجير أهلها وإنهاء القضيّة الفلسطينيّة، ما يستدعي موقفًا عربيًّا واسلاميًّا ومن أحرار العالم لا يكتفي بالبيانات، بل يسهم فعليًّا في دعم أهل القطاع والوقوف معهم والتّصدّي للمشروع الصّهيوني.
وأخيرا تمرّ علينا في الثالث عشر من شهر نيسان ذكرى الحرب المشؤومة التي وقعت على الّلبنانيّين والتي لا زلنا نعاني من تداعياتها إلى الان.
إنّنا لا نريد من استعادة هذه الذكرى أن ننكأ الجراح ونعيد التذكير بما حصل بل نريد من ذلك أن نعي الأسباب التي أدت إلى ما حصل حتى لا نكرر أخطاء الماضي والتي جعلت هذا البلد مستباحًا ممن أراد زرع الفتنة بين مكوّناته لمكاسب أرادوها من وراء ذلك لحسابهم وعلى حساب النّاس.
ومن هنا فإننا ندعو إلى تعزيز لغة الحوار ومد جسور التّواصل ونبذ الخطاب الإلغائي والإقصائي والوعي للمخطّطات التي تريد من أن يكون هذا الوطن ساحة لا وطنًا أو دولة نريدها دولة المواطنة والعدالة بما يزيل الهواجس والمخاوف بين اللّبنانيّين ويعزّز الوحدة الوطنيّة.