بسم الله الرّحمن الرّحيم
ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}. صدق الله العظيم.
مرَّت علينا في الثّامن من ربيع الثاني الجاري، ذكرى الولادة المباركة للإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (ع)، وهو الإمام الحسن بن عليّ العسكري. ولقِّب بالعسكري نسبة إلى المدينة التي عاش فيها، وكانت تسمّى بالعسكر، كونها كانت مكاناً لتجمّع الجيش أيّام الخلافة العباسيّة، وتسمى اليوم سامراء.
معاناة مع الحكم العبّاسيّ
ولد هذا الإمام في المدينة المنوَّرة، لكنّه لم يقم فيها سوى سنتين، فقد انتقل منها إلى سامراء، مركز الخلافة العباسيّة، بعد أن فرض الخليفة العباسي المتوكّل على والده الإمام الهادي (ع) الإقامة فيها، ليقيِّد حركته، ويمنعه من التواصل مع شيعته. وقد عاش مع أبيه في سامراء عشرين سنة، واستلم الإمامة وله من العمر اثنان وعشرون عاماً، واستمرّت إمامته لستِّ سنواتٍ فقط.
عانى الإمام (ع) خلال فترة إمامته القصيرة مما عاناه والده في سامرّاء من الحصار والتَّضييق والتّشديد عليه، وقد سجن خلالها مرات عدّة في سجون بني العباس.
وقد أشار الإمام (ع) إلى مدى معاناته، عندما كان يرسل الرسل إلى شيعته ليوجّههم: "ألا لا يسلّمنّ عليّ أحد، ولا يشير إليّ بيده، ولا يومئ، فإنّكم لا تؤمنون على أنفسكم".
وهذا يشير إلى مدى خوف الخلفاء العباسيّين من هذا الإمام الذي بلغ من العلم والعبادة وحسن الخلق والتّواضع والكرم، ما جعله مهبط قلوب النّاس جميعهم.
وهذا ما عبّرت عنه روايتان وردتا في الإشارة إلى ذلك:
الرواية الأولى: ما ورد عن وزير الخليفة العبّاسي المعتمد، أنّه قال لابنه عندما سأله عن سبب تبجيله للإمام الحسن العسكري (ع) واحتفائه به، فقال له: "ذاك إمام الشيعة الحسن بن علي الهادي المعروف بابن الرضا.. اعلم يا بُنيَّ، لَوْ زالَتِ الخِلاَفةُ عَنْ بَني العَبَّاسِ، مَا اسْتَحَقَّها أَحَدٌ مِنْ بَني هاشمٍ غَيْرُهُ، لِفَضْلِهِ وَعَفافِهِ وَهَدْيِهِ وَصِيانَةِ نَفْسِهِ وَزُهْدِهِ وَعِبادَتِهِ وَجَميلِ أَخْلاقِهِ وَصَلاحِهِ".
يقول ابن الوزير: "ازددت بعد حديث أبي رغبة في التعرّف إلى هذا الإمام، فرحت أسأل عنه، فسألت عنه من التقيت من القُوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر النّاس، فما سألت أحداً عنه، إلا وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحلّ الرّفيع والقول الجميل، والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه، فعظم قدره عندي، إذ لم أر له وليّاً ولا عدوّاً، إلا وهو يُحسن القول فيه والثّناء عليه".
الرواية الثانية: عندما جاء العبّاسيون إلى صالح بن وصيف الّذي كان يتولى أمر حبس الإمام العسكري (ع)، قالوا له: "ضيّق عليه ولا توسِّع"، لما رأوا من تهاونه في أمر حبس الإمام العسكريّ، فقال لهم صالح: "ما أصنع به؟! قد وكّلت به رجلين شرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصّلاة والصّيام إلى أمر عظيم".
مواجهة الانحرافات
لكن رغم كلّ الضغط الذي عاناه الإمام (ع)، كان يستفيد من الظروف المؤاتية ليقوم بدوره في التّوجيه والتعليم والتربية، وفي مواجهة الانحرافات الفكريّة والعقديّة والفهم الخاطئ للقرآن، وهو اعتمد في تأدية هذا الدّور على الوكلاء الذين كان يرسلهم إلى شتّى البلدان، وكانوا صلة التّواصل معه (ع)، يحملون من النّاس أسئلتهم، ويبلّغونهم إجاباته عنها وتوجّهاته إليهم.
ونحن اليوم في هذا اللّقاء، سنشير إلى عدة من الموارد التي ردّ فيها الإمام (ع) على الشبهات التي طرحت عليه، وإلى نظرته إلى المجتمع المؤمن.
المورد الأوَّل: عندما علم الإمام (ع) أنّ يعقوب بن إسحاق الكندي، وكان فيلسوفاً، أخذ في تأليف كتاب ادّعى فيه وجود تناقضات في القرآن، قال لبعض تلامذته لما قدموا لزيارته: "أما فيكم رجل رشيد يردع هذا الرّجل عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟"، فقال له أحدهم: لكن لا قدرة لنا على محاورته والاعتراض عليه، وهو من كان في عداد الفلاسفة.. قال له الإمام (ع): "أتؤدّي إليه ما ألقيه إليك؟"، قال: نعم، قال: "فصر إليه، وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله (بأن تدخل إلى قلبه لتستطيع أن تصل إلى عقله وتؤثّر فيه)، فإذا وقعت الأُنسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة، أسألك عنها؟ فإنّه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن (الذي يوحي إليه بهذه الأفكار) هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم به منه غير المعاني التي قد ظننتها أنّك ذهبت إليها؟ فإنه سيقول: إنّه من الجائز، لأنه رجل يفهم إذا سمع (هنا لاحظوا أن الإمام احترم هذا الفيلسوف ولم يتنكّر، رغم ما ورد عنه، للصفات الإيجابية التي يملكها)، فإذا أوجب ذلك، فقل له: فما يدريك، لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه، فتكون واضعاً لغير معانيه!".
وفعلاً، ذهب هذا الرجل إلى الكندي وتلطّف معه كما أمره الإمام (ع)، إلى أن ألقى عليه هذه المسألة، فقال له: أعد عليّ، فأعاد عليه، فتفكَّر في نفسه، ورأى أنّ ما اعتبره تناقضاً يحتمل وجهاً آخر، لكنّه بادر بالقول: أقسمتُ عليكَ، إلّا أخبرتَني مِن أين لكَ هذا؟ قال: أمرني به أبو محمد الحسن العسكري، فقال: الآن جئتَ به، وما كانَ ليَخرُجَ مثلُ هذا إلّا مِن ذلكَ البيت. ثم دعا بالنّار، فأحرق ما ألّفه.
المورد الثّاني: وهو تفسيره للحروف المقطَّعة الواردة في القرآن الكريم، بعد أن تعارضت الأقوال فيها، وبالغ البعض بها إلى حدِّ اعتبارها رموزاً، أو إشارةً إلى أحداثٍ مضت أو سوف تجري في المستقبل... لكنَّ الإمام (سلام الله عليه)، صوَّب آنذاك المسار، عندما قال (ع) عنها: "كَذبَتْ قُريشٌ واليَهودُ بالقرآنِ، وقَالوا سِحْر مبين تقوَّلَه.. فَقَالَ اللهَ كمثل: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}، أي: يَا مُحمَّد، هَذا الكِتَاب الَّذي نزَّلنَاهُ عَليكَ هُوَ الحُروفُ المقطَّعَة الّتي منها (أَلِف)، (لام)، (مِيم)، وهو بلغتكم وحروف هجائكم، فأْتُوا بِمِثْلِهِ إنْ كُنتُم صَادِقِين، واسْتَعينُوا عَلَى ذَلِكَ بِسَائِرِ شُهَدَائِكُم".
ثمّ بيَّن أنَّهُم لا يَقدرُونَ عَلَيه، بِقَولِهِ: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}.
المورد الثالث: كان هناك من يثير الشّكوك لدى المسلمين ويقولون: إنَّكم تقولون في صلواتكم: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}، أولستُم فِيه؟! (أي ألستم على الصّراط المستقيم؟!)، فما معنى هذه الدّعوة؟! أو أنّكم متنكِّبون عنه، فتدعون ليهديكم إليه؟!
ففسَّر الإمام (ع) كلام الله في سورة الفاتحة قاطعاً لِشَغَبِهِم، فقال (ع): "إنَّ معناه هو أَدِمْ لَنَا تَوفِيقَكَ الَّذي بِهِ أطَعْنَاكَ فِي مَاضِي أيَّامِنا، حَتَّى نُطِيعَكَ كَذَلِكَ فِي مُسْتَقبَلِ أعْمَالِنَا".
تعزيز العلاقة بين المؤمنين
وقد حرص الإمام (ع) إلى جانب ذلك كلِّه، على تعزيز علاقة الأخوّة بين المؤمنين داخل المجتمع الإسلامي، فدعا إلى أن يكون المؤمن خيراً للمؤمن، وقائماً بحقوقه.
فقد ورد في الحديث عنه: "خَصْلَتَانِ لَيْسَ فَوْقَهُمَا شَيْءٌ؛ الْإِيمَانُ بِاللهِ، وَنَفْعُ الْإِخْوَانِ".
وقال في حديث آخر: "أعرفُ النّاسِ بحقوقِ إخوانِهِ وأشدُّهم قضاءً لها، أعظمُهم عندَ الله شأناً".
وقد بيَّن نوعيّة هذه الحقوق والالتزامات بقوله: "للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة له من الله عزَّ وجلَّ، والله سائله عمَّا صنع فيها: الإجلال له في عينه، والودّ له في صدره، والمواساة له في ماله، وأن يحبّ له ما يحبّ لنفسه، وأن يحرِّم غيبته، وأن يعوده في مرضه، ويشيع جنازته، ولا يقول فيه بعد موته إلا خيراً".
وقد حذَّر الإمام (ع) من كلّ ما يسيء إلى هذه العلاقة، فدعا إلى أن لا ينتقد المؤمن أو يعظه علانية وعلى أعين النّاس، بل سراً، وإذا تحدّث عنه بين النّاس، أن يذكر حسناته ويتغاضى عن سيّئاته، لذا قال: "من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه، ومن وعظه علانيةً فقد شانه".
وفي الحديث: "ﺧﻴﺮ ﺇﺧﻮﺍﻧﻚ ﻣﻦ ﻧﺴﻲ ﺫﻧﺒﻚ، ﻭﺫﻛﺮ ﺇﺣﺴﺎﻧﻚ ﺇﻟﻴﻪ".
الإخلاص للقيم
إنَّ إخلاصنا لهذا الإمام، أيّها الأحبَّة، لن يقف عند إباء مشاعر الحبّ والولاء، بل بإخلاصنا لكلّ القيم والمعاني التي لأجلها عانى وتألّم وقدّم كلّ التضحيات.
لذا، نتوجَّه إليه في ذكرى ولادته حيث هو، لنقول: السَّلام عليك يوم ولدت، ويوم انتقلت إلى رحاب ربِّك، ويوم تبعث حيّاً.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الخطبة الثّانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام الحسن العسكري (ع)، عندما قال لأحد أصحابه: "أوصيك بتقوى الله، وإقامة الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، فإنّه لا تقبل الصّلاة من مانعي الزّكاة، وأوصيك بمغفرة الذّنب، وكظم الغيظ، وصلة الرّحم، ومواساة الإخوان (في إشارة إلى المؤمنين، لأنّ المؤمن أخو المؤمن)، والسّعي في حوائجهم في العسر واليسر، والحلم عند الجهل، والتفقّه في الدّين، والتثبّت في الأمور، والتعاهد للقرآن، وحسن الخلق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. قال الله عزّ وجلّ: {لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْـلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}، واجتناب الفواحش كلّها، وعليك بصلاة الليل، فإنّ النبيّ (ص) أوصى عليّاً (ع)، فقال: يا عليّ، عليك بصلاة اللّيل، ثلاث مرات، ومن استخفّ بصلاة اللّيل فليس منّا، فاعمل بوصيّتي، ومر شيعتي حتى يعملوا عليه".
هذه هي وصيَّة الإمام الحسن العسكريّ (ع) لنا. لقد أرادها أن تكون منهجاً لشيعته في السّلوك، ويكون إخلاصنا له بمقدار العمل بها، لنكون بذلك أوفياء له، وأكثر قدرةً على مواجهة التحديات.
لبنان: هل من حلول؟!
والبداية من لبنان، الّذي لايزال اللبنانيّون فيه بانتظار الحلول التي تخرجهم من الواقع المزري الَّذي وصلوا إليه، حيث تستمرّ معاناتهم التي لا تقف عند حدود الجانب السّياسيّ أو الهاجس الأمنيّ، بل تمتدّ إلى المستوى الاقتصاديّ والمعيشيّ والحياتيّ، وهو ما نرى تجلياته في استمرار تدني سعر صرف اللّيرة اللبنانيّة، وارتفاع أسعار السِّلع الضروريّة، والإذلال الّذي يشعر به المواطنون وهم يقفون على أبواب المصارف يستجدون منها الحصول على أموالهم الّتي هي من حقّهم، في ظلّ إقفال العديد من الشركات والمؤسّسات والمدارس، وما يترتب على ذلك من فقدان الناس لأعمالهم.
وقد بلغ الوضع أقسى تجلّياته، حيث تكرّرت حالات الانتحار ممن فقد عمله أو لم يجد قوت يومه، مع تحفّظنا الشّديد عن هذا الأسلوب ورفضنا له، وكان آخر ما رأيناه هو السّيول التي تسبّبت بها الأمطار، والتي اجتاحت الشّوارع والبيوت، وعطّلت حركة السيّارات، وأدت هذه المرة إلى قطع الطرقات الرئيسة، وحبس الناس فيها، والتي أشارت إلى حجم الإهمال الذي تعانيه البنية التحتية، وعدم قيام الدولة بمسؤوليّاتها في الوقاية من تداعيات أيّ سيول محتملة.
إنَّ هذا الواقع الصَّعب بكلّ آثاره الكارثيّة على كيان الدولة وإنسانها، بات يستدعي تعاوناً من كلّ القوى السياسية التي من مسؤوليّتها أن تخرج من حساباتها الخاصّة، ومن منطق تقاذف الكرات فيما بينها وبين من يتحرّكون في الشارع، الذي لا بدّ بعد كلّ ما حدث من أن يكون أكثر واقعيّة في ما يطرحه من مطالب، فالمرحلة هي مرحلة تضافر جهود الجميع للخروج من حالة الانهيار التي إن حصلت فستصيب الجميع، والتي يريدها من لا يريد خيراً بهذا البلد.
الواقعيَّة المطلوبة من الحراك
إنّنا نتفهّم جيداً حجم الطّموحات التي يدعو إليها من خرجوا إلى الشّارع، برفض كلّ هذا الواقع السياسيّ الذي أوصل البلد إلى ما وصل إليه، ولكن هذا دونه جهود وعمل طويل ودؤوب، بعدما تجذّر الواقع السياسي وتجذّرت رموزه، وهو يحتاج إلى وقت لبلوغه.
إنَّنا نرى أنَّ هذه المرحلة هي مرحلة إيقاف النزف الذي يكاد يودي بالبلد، لكنَّ هذا لا يعني إغفال متابعة العمل للوصول إلى حلول جذريَّة لا تجعله مجدَّداً عرضة للفساد والنهب والمحاصصات والصفقات، وتجعل إنسانه يشعر بإنسانيّته، بحيث لا يحتاج معها إلى أن يتسكَّع على أبواب الزّعماء والمتنفّذين ليحصل على حقّه.
إنَّنا نأمل أن تؤدّي الاستشارات النيابيّة التي ستجري، إلى الوصول إلى حكومة تحمل هذا الهمّ، وتؤمّن تحقيق التعاون بين الجميع، وتزيل أيّ هواجس يخشاها البعض من حركة الشّارع، والتي ساعدت عليها تصريحات صدرت عن أكثر من مسؤول خارجي، وأشارت إلى أنّ ما يجري في الشارع يأتي لحسابات خارجيّة.
لقد أصبح واضحاً أنّ ما أنجزه الاحتجاج الشعبي بكلّ تنوّعاته، لن يعيد عقارب السّاعة في البلد إلى الوراء، بل سيبقى حاضراً في المسار السياسي وفي الحكومة المرتقبة، وسيبقى صوت الشعب سيفاً مسلطاً على رؤوس كلّ الذين يتحركون في الواقع السياسيّ، وسيحسب له الحساب.
إنَّنا نأمل أن يكون البلد قد دخل مرحلة الحلول، ولكن سيبقى هذا مرهوناً بمدى جدية ما تمّ التوصل إليه من توافقٍ على اسم رئيس الحكومة وتشكيلتها، ولكن يبقى السؤال: هل سيحصل ذلك، أم أنّ ما يجري هو جزء من التّجاذب والمناورات المعهودة بين القوى السياسيّة؟ سنترك الجواب للأيام القادمة، ونأمل أن تأخذ مواقف الجميع بالاعتبار، خطورة الوضع الداخلي وما وصل إليه هذا البلد.
خطر يتهدَّد مؤسّسات الرّعاية
ويبقى أن نشير إلى خطورة تعامل الدولة مع مؤسَّسات الرعاية الاجتماعيّة وعدم وفائها بالالتزامات حيالها، وهو الذي أدّى إلى إعلان الكثير من هذه المؤسّسات إغلاق أبوابها أمام المستفيدين منها من ذوي الحاجات الخاصّة، ما يستدعي تحركاً سريعاً من قبل الدولة لمعالجة هذا الأمر الَّذي يشكّل عبئاً كبيراً على أهالي المعوَّقين، وعلى المجتمع الذي يعيشون فيه.
إنّ المرحلة تحتاج إلى تضافر جهود كلّ اللّبنانيين لمزيد من التكافل والتضامن في ما بينهم للتخفيف من آلام بعضهم البعض.
جشع التجّار
وهنا ندعو التجّار إلى أن يخرجوا من حالة الجشع والاحتكار ورفع الأسعار بطريقة تسيء إلى حاجات النّاس ومتطلّباتهم، وأن يبقى الشعور بالمسؤوليّة هو الحاضر أمامهم، وأن يعوا تداعيات ذلك على النّاس.
إنَّ المطلوب هو استحضار معاني التضحية والشّعور الإنسانيّ وكلّ قيم العطاء، وإلا فالجوع كافر وقاتل، وتداعياته ستنعكس على الجميع.
لتعزيز الوحدة الفلسطينيّة
ونعود إلى فلسطين المحتلَّة، التي لا بدَّ من أن لا ننساها، رغم الظّروف التي نعيشها ويعيشها عالمنا العربي والإسلامي، حيث يستمرّ العدوّ الصّهيوني، وعلى الرّغم من حالة الانقسام السياسي التي يعيشها، والتي انعكست على تشكيل الحكومة عنده بعد الانتخابات، في العمل على استكمال مشروعه الاستيطاني الكبير، والذي تجلَّت خطوته الجديدة في الاستيلاء على أراضٍ وأسواق مأهولة داخل مدينة الخليل.
إنّ هذا الواقع ينبغي أن يكون دافعاً لكلِّ فصائل المقاومة وللسلطة الفلسطينيّة لتعزيز وحدتها، ومواجهة هذا المخطّط الذي يعرف الجميع أنّ السبيل الأفضل لكسره يتمثّل بالوحدة الفلسطينيّة الداخليّة، وإن تخلَّفت الدول العربية والإسلامية عن القيام بواجبها تجاه هذا الشعب وقضيّته.
فوضى العراق!
وإلى العراق، الَّذي لايزال نزيف الدّم فيه مستمراً، حيث الخشية من أن تسود فيه حال الفوضى، ما يستدعي من كلّ القوى السياسية الإسراع في تأليف حكومة قادرة على علاج الأسباب التي أدّت إلى خروج الناس إلى الشّارع، حفظاً لهذا البلد، ولمنع من يستغلون هذا الواقع من العبث بأمنه واستقراره ودوره.