اشتهرت روسيا على مدار السنوات الأخيرة، بتعاظم قوّة عمليات قرصنة المعلومات الحكومية وغير الحكومية، ما يشير إلى ارتفاع في القوة التقنية الروسية في مجال الشبكة، والذي قد يشكل قاعدة أساس لشبكة روسية مُنعزلة عن الإنترنت.
وأعدت مجلة "ذي أوبزرفر" التابعة لصحيفة "ذي غارديان" البريطانية، تقريرا مطولا حول السيرورة الروسية في هذا المجال، والتي انتهت مؤخرا بمقترح قانون إنشاء "شبكة إنترنت مستقلة" في روسيا تضمن عزلتها عن الخوادم العالمية الرئيسية، والذي قد يكون تحت مساعي السلطات لتشديد رقابتها على الشبكة الإلكترونية.
متى بدأت روسيا بطرح الموضوع؟
ذكرت "ذي أوبزرفر"، أن مسؤولين أميركيين، أفادوا في وقت سابق من العام الحالي، بأن الولايات المتحدة شنت هجوما إلكترونيا ضد روسيا للحفاظ على نزاهة الانتخابات النصفية التي أُجريت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وللحيلولة ضد التلاعب بها.
ورغم أن روسيا لم تعترف بهذا الهجوم، إلا أنه لم يُفاجئ السلطات، فعلى مدار سنوات طويلة، اعتبر الروس أساليب الاتصال العالمي، وخصوصا شبكة الإنترنت، "نقطة ضعف" خطيرة في الصراع المتصاعد بينهم وبين الغرب.
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد أعلن قبل أيام من الهجوم الأميركي المزعوم، أن عملاء وكالات الاستخبارات الغربية "يجلسون على الإنترنت، وهو صنيعتهم. ويسمعون ويرون ويقرؤون كل ما يُقال، ويقومون بجمع معلومات أمنية. لكن كل شيء ممكن نظريا، لذلك يجب علينا إنشاء تفريعة [من الإنترنت] لا تعتمد على أحد".
وتبنى النواب الروس، قبل نحو ثلاثة أسابيع، مقترح بوتين، مقرين بذلك، مشروع قانون "الرقابة" الذي يعبر عن طموح السلطات للسيطرة على "تفريعة" الإنترنت الروسية، وعلى اتصالها بباقي العالم.
وينتظر القانون توقيع بوتين في المستقبل القريب.
كيف يعمل القانون الجديد؟
يفرض مشروع قانون "الإنترنت السيادي"، الذي تم طرحه من قبل نواب مقربين من الأجهزة الأمنية، على شركات الاتصالات، مراقبة حركة المستخدمين على الإنترنت عن كثب باستخدام تقنية التصفية، بالإضافة إلى إنشاء إطار لمفتاح "تشغيل" يمنح للسلطات إمكانية قطع أو وصل شبكتها بالإنترنت العالمي في حالة أي هجوم (أو متى ترغب ذلك).
هل تستطيع روسيا الانفصال عن الإنترنت كليا؟
قل الباحث في معهد "تشاتام هاوس" للسياسات، إن انفصال روسيا عن الإنترنت العالمي كليا، عبر استخدام شبكة أخرى "لا يُفترض أن يكون ممكنًا. ومع ذلك، فإن روسيا استعدت للحظة مماثلة بشكل مكثف وطويل الأمد لدرجة أنه إذا كانت قدرة لأحد ما على اتخاذ التدابير التقنية المطلوبة، فلن يكون سواها".
لكن مختصين آخرين في المحال، يشككون في مدى قابلية روسيا على إجراء تعديل بهذه الضخامة على الشبكة، ففي المقارنة مع الصين، فإن الأخيرة طورت شبكتها بالتوازي مع التركيز على التحكم في المحتوى الخارجي، من خلال استثمار ثرواتها في تصفية التكنولوجيا والحد من نقاط الدخول إلى البلاد، بينما نمت الشبكة الروسية من خلال نقاط الدخول المصممة لتعزيز التدفق الفعال للمعلومات والتكامل مع الغرب.
وأكد محللون أن تكلفة تنفيذ مشروع بهذه الضخامة، تُقدر بأكثر من 300 مليون دولا على أقل تقدري، وهو رقم سيواصل الارتفاع على الأرجح.
وأشارت المجلة إلى أنه تم تأجيل اختبار "التفريعة" لإدراك المشرعين أن هناك احتمالا كبيرا لحدوث خلل محتمل، وسط احتجاجات من شركات التكنولوجيا.
ما هي النتائج المحتملة للتفريعة الشبكية؟
يرى النقاد أن السلطات وضعت أمام نفسها مهمة "مستحيلة" لن تجني منها سوى زيادة الرقابة على المواطنين دون توفير حماية للمنظومة.
وقال الناشط الروسي ألكساندر إيسافنين، من حركة "روس كوم سفوبودا" المؤيدة للحريات على الإنترنت، إن ما تريده السلطات هو بمثابة "خرق للطبيعة"، مضيفا أن "معظم الرقابة التي لدينا (الروس) على الإنترنت، وحجب المحتوى، وفلترة المعلومات، ما هي إلا طريقة للسلطات من أجل زيادة سيطرتها (على المواطنين) والحصول على قدر أكبر من المعلومات".
وحول قدرة السلطات على تنفيذ عملية في غاية التعقيد كفصل نفسها عن الشبكة، أشار إسافينين إلى فشل الأجهزة السيداية في حظر تطبيق التراسل الآمن "تليغرام" على مدار العامين الماضيين، مؤكدا ضعفها تقنيا.
وتساءل بسخرية "إذا لم يتمكنوا من حظر تليغرام، فكيف سينشئون إن شبكة سيادية؟