ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام الكاظم(ع) لأصحابه، التي مرت علينا ذكرى ولادته في السابع من شهر صفر، عندما قال: "أوصيكم بالخشية من الله في السرّ والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والاكتساب في الفقر والغنى، وأن تصلوا من قطعكم، وتعفوا عمّن ظلمكم، وتعطوا من حرمكم، وليكن نظركم عبراً، وصمتكم فكراً، وقولكم ذكراً، وطبيعتكم السخاء، فإنه لا يدخل الجنّة بخيل، ولا يدخل النار سخي".
أيٌّها الأحبّة: نحن أحوج ما نكون إلى وصايا الإمام الكاظم(ع)، لنجعل حياتنا أكثر وعياً ومسؤولية وانفتاحاً، وبذلك نكون قادرين على مواجهة التحديات...
والبداية من المفاوضات التي تجري في الدوحة، والتي نأمل أن تفضي إلى اتفاق ينهي مسلسل المجازر اليومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وأدت إلى سقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعوقين، والتدمير للمباني السكنية والمدارس والجامعات والمستشفيات والمؤسسات العامة والخاصة وكل معالم الحياة في القطاع.
وقد أصبح واضحاً أن هناك رغبة بإنجاح هذه المفاوضات عبرت عنها المقاومة الفلسطينية وأبدت كل الإيجابية والمرونة لإنجاحها وكذلك الدول الداعية لها.
لكن الخشية تبقى من رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، فهو إن سار بها فللتخفف من الضغوط التي تتعرض لها الحكومة الصهيونية، سواء من الداخل والتي تقوم بها قيادات سياسية وعسكرية وأمنية وفئات شعبية واسعة تريد وقف الحرب على خلفية انسداد الأفق أمام تحقيق الأهداف التي لأجلها أوقدت هذه الحرب، أو من الخارج من الدول التي باتت محرجة أمام شعوبها التي خرجت إلى الشوارع تدعوها إلى إيقاف نزيف الحرب، لكن نتنياهو لا يريد أن يمنح الشعب الفلسطيني أبسط حقوقه المشروعة، بإيقاف دائم لإطلاق النار وفتح المعابر لرفع الحصار عن قطاع غزة والسماح له بحرية التنقل داخله، فهو يريد أن يحقق بالمفاوضات ما لم يستطع أن يحققه في الميدان باستعادة أسراه ومن دون أن يقدم أي ضمانات لوقف حرب الإبادة. ولعل من المفارقة هنا أن نشهد دعوة الإدارة الأمريكية إلى هذه المفاوضات وإبداء حرصها على إنجاحها تجنباً لحرب إقليمية واسعة لا ترى مصلحة لها في اندلاعها ولحسابات انتخابية، بعدما ارتفعت الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية في الداخل الأمريكي، وعبرت عنها الجامعات فيها. ولكنها في الوقت نفسه تعلن دعمها لهذا الكيان في أي حرب يخوضها، ولذلك تنشر بوارجها في البحر، وفي الوقت نفسه تعلن عن إمدادها له بصفقة أسلحة جديدة تقدر بعشرين مليار دولار، والتي من الطبيعي أن تجعل هذا الكيان يتشدد في المفاوضات وقد يتنصل منها، ليستكمل مشروعه مستفيداً من هذا الدعم.
وعلى هذا الصعيد، فإننا نجدد دعوتنا للدول العربية والإسلامية، بأن يكون دورها فاعلاً ومؤثراً وحاسماً لخيارات الشعب الفلسطيني في المفاوضات الجارية وعدم تركه وحيداً في معركته هذه لتحصين موقعه ودعمه وعدم الوقوف على الحياد خلالها، ونحن على ثقة أن الدول العربية والإسلامية قادرة على ذلك إن هي توحدت وقررت أن تقوم بهذا الدور تجاه الشعب الفلسطيني.
وكما قلنا سابقاً نؤكد اليوم، أن السماح للكيان الصهيوني أن يحقق أهدافه، سيؤدي لجعل هذا الكيان يزداد طغياناً وعدوانية، وهو لن يوفر أي بلد عربي أو إسلامي عندما تقتضي مصالحه ذلك.
في هذه الأثناء تستمر الضغوط الدولية على الجمهورية الإسلامية والمقاومة في لبنان لمنعهم من الرد على العدوان الصهيوني، وهي لذلك تحشد الأساطيل التي تهدف من ورائها إلى دعم هذا الكيان، ولمنع ممارسة الحق الطبيعي برد الاعتداء الذي مس بأمنها وسيادتها.
ونعود إلى لبنان حيث يستمر العدو الصهيوني بتصعيد اعتداءاته والتي تتصاعد وتيرة استهدافه للمدنيين، وهو يستعمل في ذلك أسلحة جديدة ونوعية ليحاول من خلالها ترويع اللبنانيين وللضغط على المقاومة لتقديم تنازلات لحسابه وعلى حساب السيادة اللبنانية، في وقت لا تزال المقاومة تواجه العدو بالمثل وتعده بمفاجآت نوعية إن هو أقدم على أي مغامرات تجاه أمن هذا البلد وسيادته، ما يدعو اللبنانيين إلى التكاتف والوقوف معاً في مواجهة اعتداءات هذا الكيان ومغامراته، والذي يثبت الواقع أنه لا يفرق فيها بين بلدة وأخرى أو بين طائفة وطائفة أوبين مذهب ومذهب.
وهنا نقدر كل الأصوات التي انطلقت لتمنع هذا العدو من تحقيق أهدافه في إحداث شرح بين اللبنانيين إن على الصعيد الطائفي أو السياسي.
وندعو مجدداً إلى مزيد من التكافل لمواجهة أعباء النزوح، ونشيد بكل الذين فتحوا قلوبهم وبيوتهم لأخوتهم في الوطن دونما حسابات ليؤكدوا بأن الوطن لا يزال بخير من خلال هذه المبادرات الحية والتي ترتقي إلى مستوى الأصالة الوطنية الحقيقية التي نراها القاعدة الكبرى التي تبني الوطن وتنهض به مجدداً لنواجه العدو من خلالها بالوقوف على أرض صلبة وثابتة.
وأخيراً مر علينا الرابع عشر من آب، الذّكرى الثامنة عشرة للانتصار الّذي تحقق في العام 2006، والذي استطاع اللبنانيون من خلاله أن يفشلوا الأهداف التي سعى العدوّ الصّهيوني لتحقيقها.
ونحن في هذا اليوم، نجدِّد دعوتنا إلى اللّبنانيين لإنعاش ذاكرتهم بكلِّ صور البطولة والإقدام والتضحية التي نقلتها الشاشات والإذاعات ووسائل التواصل التي عاشوها في ذلك الوقت، لا لكي نزهو بتلك الإنجازات، أو لنعيش عليها، أو لندخلها في بازار الصّراع الداخلي، بل لتعزّز فينا الأمل، بإمكان الانتصار على العدوّ في مواجهة أي عدوان جديد، ولتزيدنا وعياً وإحساساً بضرورة الحفاظ على ما صنع من إنجازات، بأن لا نفرّط فيها، ولتكون سبيلاً لتحقيق إنجازات أخرى.