ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الرضا(ع) حين قال: "لا يستكملُ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتّى تكونَ فيهِ خصالٌ ثلاث: التفقّهُ في الدين، وحسنُ التقديرِ في المعيشة، والصبرُ على الرزايا".
لقد أراد الإمام(ع) من خلال وصيته هذه، أن يشير إلى عناصر ثلاث لا بد أن تتوافر في شخصية المؤمن، فدعاه أن يكون عارفاً بأمور دينه واعياً لها، وأن يكون حسن التدبير لمعيشته مقتصداً فيها، ويصبر على البلاء عندما تواجهه التحديات، لا يجزع ولا يتراجع عن مواقفه وإيمانه حين يواجهها...
إننا أحوج ما نكون إلى هذه الوصية لنستكمل إيماننا ونكون بذلك أكثر قدرة على مواجهة صعوبات الحياة وتحدياتها الكثيرة...
والبداية من غزة التي يستمر العدو الصهيوني بارتكاب مجازره فيها، واستهداف الحجر والبشر رغبة منه بالسيطرة عليها وإن أمكنه تهجير أهلها ممن يبقى منهم، من دون أن يأخذ في الاعتبار تزايد الأصوات التي تدعوه إلى إيقاف حربه المجنونة هذه، إن من داخل الكيان والتي وصلت إلى قياداته الأمنية وحتى داخل مجلس حربه أو من خارج الكيان من الدول الداعمة له، أو الاحتجاجات الطلابية والمسيرات الشعبية التي تجوب العالم.
وقد شهدنا ما حصل ويحصل في الجامعات الأميركية والأوروبية، وذلك بعد المجازر التي ارتكبها هذا العدو وحجم الدمار الذي خلفه وراءه مما يندى لها جبين الإنسانية، وبعد أن لم يستطع هذا الكيان أن يحقق أياً من أهدافه التي أعلن عنها في بداية حربه بل نرى مأزقه يزداد يوماً بعد يوم، والذي تشهد به الأعداد الكبيرة من المصابين من جنوده، وبفعل صمود الشعب الفلسطيني الذي يثبت في كل يوم عن مدى صبره وثباته رغم عمق الجراح والآلام والحصار الذي يتعرض له، والتصدي البطولي لمقاومة هذا الشعب الذي بات معها كل القطاع بشماله ووسطه وجنوبه ساحة لعملياته، وحتى في الأماكن التي سبق أن دخلها العدو واعتبر نفسه مسيطراً عليها...
إننا لن نهون من قدرات هذا العدو ومن الدعم الذي يحصل عليه من الدول الداعمة له والتي تريد له أن يخرج من هذه المعركة منتصراً وأن يستعيد قوة الردع ليبقى هو الأقوى في هذه المنطقة، ولكننا نثق بأن شعباً بهذه الإرادة وهذا الصمود والاستعداد للتضحية لا يمكن له إلا أن يحبط أهداف العدو ويسقطها.
إننا أزاء هذا الصمود والتصدي البطولي، لا نملك إلا أن نحيي الشعب الفلسطيني، ومعه كل الأصوات التي لا تزال ترفع صوتها بالإدانة لهذا العدو وتظهر جرائمه، وممن يقفون معه في الميدان ويقدمون التضحيات في هذا السبيل، ولا يسمحون لهذا الكيان ومن منطلقهم الإيماني والقومي والإنساني أن يستفرد به ويحقق غاياته فيه.
ووسط كل ذلك، اجتمعت جامعة الدول العربية في البحرين، والتي كان ينتظر منها الشعب الفلسطيني أن تتخذ مواقف عملية داعمة للشعب، وأن يكون صوتها صارخاً بوجه هذا الكيان الصهيوني وبمستوى صموده البطولي والتضحيات التي يقدمها...
إننا لم نكن ننتظر من هذه القمة أن تعلن حرباً على هذا العدو وأن تقف في موقع المساندة له كالذين وقفوا معه، ولكننا كنا ننتظر منها موقفاً حاسماً تجاهه وتجاه داعميه من خلال القدرات التي تمتلكها ووسائل الضغط القادرة عليها إن هي تعاونت وشد بعضها أزر البعض، أو على الأقل أن تسمح لشعوبها بالتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني ومد يد العون إليه.
إن من المؤسف أن لا يخرج المؤتمر وفي هذه المرحلة التي تواجه القضية الفلسطينية أصعب مراحلها سوى ببيان إدانة لهذا الكيان، بل نجد هناك من يسعى إلى توسعة دائرة التطبيع معه أو من يضع اللوم في كل ما جرى على المقاومة فيها، ما قد يشجع هذا الكيان على التمادي في حربه.
ونصل إلى لبنان الذي تستمر فيه المقاومة على خيارها، في نصرة الشعب الفلسطيني وحضورها الفاعل في مواجهة آلة العدو العسكرية، وهي قدمت ولا تزال التضحيات الجسام من قادتها الميدانيين وكوادرها والتدمير الممنهج الذي يمارسه هذا العدو على القرى الحدودية، وتقدم في كل يوم درساً جديداً لهذا العدو الذي يمني نفسه باجتياح جديد للبنان، بأن لبنان لم يكن ولن يكون لقمة سائغة لهذا الكيان، وأن على العدو أن يفكر ملياً قبل أن يقدم على ذلك.
إننا أمام ما يجري، نجدد دعوتنا للبنانيين بكل طوائفهم ومذاهبهم ومواقعهم السياسية، أن ترى في كل ما يجري حماية لهذا الوطن من كيد العدو الآن وفي المستقبل، وأن أي تصويب على المقاومة في هذه المرحلة هو خدمة مجانية لهذا العدو ويساعده على تحقيق أهدافه في هذا البلد.
وفي الوقت نفسه نعيد التأكيد على ضرورة العمل بكل جدية لإيقاف النزيف السياسي والاقتصادي والأمني، بفعل عدم التوصل لملء الفراغات فيه إن على صعيد رئاسة الجمهورية أو معالجة الملفات التي لن تعالج في ظل عدم وجود دولة مكتملة الأركان، وعلى رأسها ملف النازحين السوريين، ولمواجهة المرحلة القادمة عندما تنضج الحلول في المنطقة...
وهنا ننوه بالموقف الجامع الذي حصل في المجلس النيابي إزاء قضية النازحين السوريين، لكن لن يكون لذلك أي مردود إيجابي إن لم يتم التوافق على القيام بمبادرات عملية تجاه أصحاب القرار سواء في سوريا أو الدول المؤثرة في الواقع السوري والداعمة لبقاء النازحين السوريين...
وإلى الصعيد الأمني، حيث نقدر أهمية الإجراءات الأمنية التي تقوم بها القوى الأمنية، لكن ذلك لن يتم إلا بتعزيز الأمن الاجتماعي حيث لا أمن للإنسان بلا أمن معيشي.
وفي هذا الأسبوع التقينا في الخامس عشر من أيار، بذكرى النكبة التي حصلت في فلسطين، والتي تعيدنا الذاكرة بها إلى آلامها ومآسيها والأسباب التي أدت إليها.
وهنا ندعو إلى عدم الاكتفاء بالتحسر على ما جرى، بل باستخدام كل عناصر القوة والصمود لمنع العدو من أن يكرر النكبة في عصرنا الحالي.
وأخيرا نلتقي بمناسبة أخرى، هي اتفاق السابع عشر من أيار، هذا الاتفاق الذي كان يراد منه أن يرهن البلد، ولكن سواعد المقاومين كتبت للبلد فجراً جديداً أسقط هذا الاتفاق، والتي كنت محطتها الأولى لإسقاطه من خلال الاعتصام الرافض له والذي أقيم مسجد الإمام الرضا(ع) في بئر العبد بإمامة السيد فضل الله(رض)..