12 كانون الثاني 24 - 14:00
ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
"عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الباقر(ع)، هذا الإمام الذي نعيش ذكرى ولادته عندما قال لأحد أصحابه؛ وهو خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي: "يا خيثمة أبلغ من ترى من موالينا (أي من يلتزمون أمرنا) السلام، وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأن يعود غنيهم على فقيرهم وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فان لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا... يا خيثمة أبلغ موالينا أنا لا نغني عنهم من الله شيئاً إلا بالعمل، وأنهم لن ينالوا ولايتنا إلا بالورع، وإن أشد الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره".
أيها الأحبة: إننا أحوج ما نكون إلى هذه الوصايا التي تدعونا إلى التكافل والتعاون، وأن يسند بعضنا بعضا، ويقوي بعضنا بعضا، ويشد بعضنا أزر بعض على الحق، وأن نكون الورعين وأن نصدق في الالتزام بالعدل ولا ندعو إلى ما يخالفه بأعمالنا وسلوكنا ومواقفنا.
وبذلك نخلص لهذا الإمام عملا لا قولا ونكون أكثر مسؤولية وعدلا وأكثر قدرة على مواجهة التحديات...
والبداية من غزة التي يستمر العدو الصهيوني فيها بارتكاب مجازره بحق المدنيين والتي يستكملها في الضفة الغربية، ولعل أبرز ما بتنا نشهده في هذه المرحلة هو استهدافه للصحافيين وعائلاتهم والتي يهدف من ورائها تعمية الرأي العام عن مشاهد جرائم هذا الكيان.
وهنا لا بد أن ننوه بكل الذين يصرون على أن يؤدوا رسالتهم الإعلامية رغم ما أصابهم وما أصاب عائلاتهم ورغم وعيهم بأن هذا قد يكلفهم حياتهم أو حياة عائلاتهم.
يأتي هذا التمادي من العدو في ممارساته العدوانية رغم إعلانه الانتقال إلى المرحلة الثالثة التي توحي بعدم المس بالمدنيين واقتصار عمله على العملية العسكرية وإفساح المجال لدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ما يشير إلى عدم صدقيته في إعلانه هذا وأن ما صدر عنه لم يكن إلا ذراً للرماد في العيون ورغبة منه بالتخفيف من الضغوط التي تمارس عليه حتى من الداعمين له بعدما أحرجتهم مشاهد المجازر التي يرتكبها في العالم وأمام شعوبهم والأصوات التي باتت ترتفع في أرجاء العالم لتدعوه إلى إيقاف نزيف الدم، والتي عبرت عنها المواقف والتصريحات والمظاهرات والمسيرات التي راحت تجوب شوارع العالم والتي وصلت إلى ما تجرأت عليه جنوب أفريقيا برفع دعوى في محكمة العدل الدولية واتهامها هذا الكيان بالإبادة الجماعية عبر الوقائع الميدانية والوثائق والصور والتصريحات الصادرة من قادة هذا العدو الأمنيين والعسكريين والسياسيين.
في هذا الوقت يستمر الشعب الفلسطيني بالتصدي لآلة العدو العسكرية، وهو يقدم في ذلك أروع صور الصبر والبطولة والإقدام والتضحية حتى الاستشهاد، لمنع العدة من تحقيق أهدافه وجعلها باهظة الثمن.
إننا نحيي مجدداً بطولات هذا الشعب وصموده وتضحياته، التي باتت أمثولة لكل الشعوب التواقة إلى الحرية وأنه جدير بالحياة، ونحيي كل الدول والجهات التي وقفت مع هذا الشعب وساندته بكل سبل الدعم العسكري والسياسي والمادي والقانوني، أو في رفض سياسة التهجير التي يمارسها العدو ويدعو إليها.
إن من المؤسف أن نشهد في هذه المرحلة مشاورات تجري في السر والعلن تهدف إلى ترتيب عملية سياسية ترسم صورة ما ستكون عليه الأمور بعد الانتهاء من العملية العسكرية في غزة، والتي ترمي إلى تأمين أمن الكيان الصهيوني وفرض وصاية على هذا الشعب من دون الأخذ في الاعتبار خياره وحقه في تقرير مصيره بنفسه وبإدارة شؤونه وبالحرية وبالحياة الكريمة.
وليس بعيداً مما يجري في غزة، نتوقف عند اليمن لندين الاعتداء الآثم الذي تعرض له، والذي جاء مخالفاً لقرار مجلس الأمن الأخير الذي لم يفوض أحداً باستعمال القوة، وبسبب مساندته الشعب الفلسطيني، ورفضه حرب الإبادة على قطاع غزة والحصار المفروض عليه ورغم التأكيد اليمني بعدم التعرض، إلا للسفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني.
إننا على ثقة بأن الشعب اليمني الذي عودنا أنه لا ينام لا على ضيم ولا يرضى بالهوان، لن يقف مكتوف اليدين أمام هذا الاعتداء.
ونصل إلى لبنان الذي تستمر فيه المقاومة بتقديم التضحيات التزاماً منها بنصرة الشعب الفلسطيني، وإيماناً منها بأن انتصار هذا العدو في غزة سيغريه بالعدوان على هذا البلد ثأراً لهزائمه، في الوقت الذي يتمادى فيه العدو في اعتداءاته وتجاوزه قواعد الاشتباك والتي لم تعد تقتصر اعتداءاته عند حدود المواجهة العسكرية، بل وصلت إلى استهدافه للقرى الآمنة والبيوت والمؤسسات الصحية والإنسانية.
إننا في الوقت الذي نحيي كل هذه التضحيات التي تقدم في هذا الطريق، ندعو اللبنانيين إلى التنبه لخطورة ما يقوم به العدو وتهديداته وإن كنا لا نزال على ثقة بأن هذا العدو يخشى الدخول في مغامرة مع هذا البلد لمعرفته مدى القدرات التي يمتلكها، ويكفي دليلاً على ذلك تأكيد وزير الخارجية الأميركي أن الإسرائيليين طلبوا منه التدخل لدى لبنان لمنع وقوع الحرب.. وهو ما جاء لأجله الموفدون وإن كان المطلوب دوماً الحذر من نيات هذا العدو الذي خبرنا غدره ومغامراته غير المحسوبة.
ونحن في الوقت نفسه، نثمن الموقف اللبناني الموحد الذي أبلغ الموفدين الدوليين، بأن الطريق الوحيد لإيقاف ما يجري على حدود لبنان مع فلسطين هو إيقافه عدوانه على الشعب الفلسطيني، وبذلك ستتوقف حتماً طواحين الحرب.