لا نعرف من أين نبدأ، وأي الكلمات يمكن أن تفي هذا القائد الصنديد ولو بعضًا من مسيرة جهاده المليئة بالعطاء، كانت عيونه ترنو كل يوم لقباب المسجد الأقصى.. أنبدأ من قصة ثائر أذاق المحتل الويلات بصواريخ العز والفخار، أم من حكاية مجاهد جعل من ساعة البهاء جحيمًا على بني صهيون، أم من رواية إنسان بكاه الأطفال والكبار عند رحيله.
ابن السابعة والثلاثون ربيعًا، الشهيد حسام أبو هربيد قائد لواء الشمال في سرايا القدس، القائد الذي مرغ أنف الجيش الذي يدعي أنه لا يقهر في التراب، وصاحب الضربة الأولى في معركة سيف القدس.
"حسام أبو هربيد".. قائد نسج بدمه القاني حدود فلسطين، وتمرد بعنفوانه على الخنوع والانكسار، صنع مجدًا لجيل التحرير وإرادةً لا تعرف الانكسار.
ميلاد قائد
في كنف أسرة مجاهدة عشقت فلسطين فكانت بوصلتها واحتضنت المقاومة فقدمت الشهيد والجريح والأسير فداءً لأرض الرباط، وبالتحديد في البوابة الشمالية لقطاع غزة "بيت حانون" ولد الشهيد القائد حسام محمد عثمان أبو هربيد "أبو عبيدة" في التاسع من أغسطس للعام ألف وتسعمئة وأربعة وثمانين.
نشأ الشهيد "أبو عبيدة" وترعرع في بلدة بيت حانون، ودرس المراحل التعليمية في مدارس البلدة بجانب عمله وهو صغير لكسب قوت يومه وإعالة أسرته لتعيش بكرامة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه أهالي قطاع غزة؛ فدرس وكدح واجتهد حتى أنهى دراسة الدبلوم في تخصص الشريعة الإسلامية.
حريصٌ على العلم
بدوره قال الدكتور "محمد أبو هربيد" ابن شقيق الشهيد حسام أبو هربيد لموقع السرايا:" إن الشهيد القائد حسام تفتحت عيناه على ظلم الاحتلال من اعتقال وملاحقة لأفراد العائلة، فضلاً عن كدح الحياة ومشتقها، حيث عمل منذ سن الخامسة في بيع الشاي والقهوة والمعجنات للعمال الفلسطينيين على حاجز بيت حانون شمال غزة، مضيفًا أن القائد أبو عبيدة كان حريصًا على العلم فواصل دراسته رغم الظروف الصعبة التي يعيشها أهالي قطاع غزة نتيجة الاحتلال الصهيوني".
وتابع قائلاً:" تميز الشهيد القائد حسام منذ طفولته بحبه لأخواته، والحرص الشديد على صلة الأرحام لأخواته وأقاربه، كما تميز بالشجاعة والإصرار والتصميم على تحقيق ما يريد، وأحب الجهاد والمقاومة منذ الصغر، فكافح وعمل حتى حقق ما تمنى وهو الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي وجناحها العسكري سرايا القدس منذ ريعان شبابه بعد تعرفه على الشهيد القائد الميداني فادي أبو مصطفى.
الزوج المثالي
من جانبها قالت "أم عبيدة" الزوجة الصابرة المحتسبة: "إن الشهيد أبو عبيدة كان إنساناً بمعنى الكلمة، ولم يكن متكبراً بل كان عطوفًا باراً بوالديه حتى بعد وفاتهما، فكان دائمًا يخرج الصدقات لروح والدته، كما كان زوجاً حنونًا يخاف الله في عائلته، ويعطف على أهالي الحي وخاصة الأشخاص من ذوي الإعاقة، كما كانت علاقته مميزة مع أحد أبنائه من ذوي الإعاقة".
وتضيف "أم عبيدة" خلال حديثها لموقع السرايا أن زوجها لم يكن يومًا يحب المظاهر والجاه بل كان يحمل همًا كبيرًا اسمه فلسطين، كما كان يحث الجميع على تعلم الدين الإسلامي، وأيضًا مواصلة التعليم والحصول على أعلى الدرجات، وكان يُحب رفاقه في ميدان الجهاد والتضحية فسمى أبناءه الـ9 بأسماء رفاقه الشهداء.
وفيما يتعلق بعمله العسكري، أردفت أن الشهيد أبو عبيدة كان كتومًا لأسرار عمله الجهادي، وكان يتحدث فقط عن حبه لفلسطين والقدس، ويوصي أفراد عائلته بالانتماء الصادق لفلسطين والعلم، والعزوف عن مواقع التواصل الاجتماعي التي وجدت لتغييب عقول الشباب عن القضية المركزية للأمة وهي فلسطين.
مواقف لا تُنسى
وعن الأيام الأخيرة في حياة الشهيد القائد أبو عبيدة، أوضحت "أم عبيدة" زوجة الشهيد حسام أبو هربيد أن زوجها القائد حمل في آخر أيامه هماً كبيراً، وعند خروجه من البيت قبل بداية معركة سيف القدس خرج بصمت وكان يشعر أنه لن يعود، مردداً "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
وتابعت: "برحيل أبي عبيدة خسرنا وتد البيت والسند لعائلة أبو هربيد كافة، فهو الزوج والأخ والأب والابن والحبيب، ففراقه أوجعنا ووداعه كسر ظهورنا، لكنه نال ما تمنى بصدق فصدق الله فصدقه الله".
صبر واحتساب
وعن استقبال العائلة لنبأ استشهاد القائد أبو عبيدة، أوضحت أنهم سمعوا خبر الاستشهاد من الإعلام ومآذن المساجد التي بدأت تصدح نعياً للقائد الجهادي الكبير، مشيرةً إلى أنهم كانوا يتوقعون استشهاده في أي لحظة، فالشهيد كان يهيئنا لهذا اليوم المرتقب، مضيفةً أنها بعد سماع خبر استشهاده أطلقت الزغاريد كما أوصاها زوجها الشهيد أبو عبيدة، وقالت ما يرضي الله "إنا لله وإنا إليه راجعون، "ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم".
وأضافت: اليوم أنا افتخر بأنني زوجة الشهيد الذي أرعب بني صهيون ودكهم في مضاجعهم ولم يجعل العدو ينام الليل، وهو من أشفى صدرونا وأفرحنا بساعة البهاء، فنحتسبه عن الله شهيداً ولا نزكي على الله أحداً، ونحن كلنا على عهد وطريق القائد أبو عبيدة.
سجل جهادي مشرف
منذ صغره كان الشهيد القائد حسام أبو هربيد سيفاً على رقاب بني صهيون، فمنذ طفولته شارك أشبال شمال قطاع غزة في انتفاضة الحجارة، ضارباً بيده الحجارة على جنود الاحتلال الذين أوغلوا في الدم الفلسطيني، وفي ريعان شبابه وبالتحديد عام 2002م، انتمى لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، ونظراً لالتزامه الديني والأخلاقي ألح على إخوانه في قيادة سرايا القدس للانضمام إلى صفوفها وبعد إلحاح شديد كان له ما تمنى وذلك في العام 2003م، فكان ناشطاً بكافة المجالات ومشاركاً إخوانه الفعاليات والنشاطات الحركية.
من جانبه تحدث أبو البراء أحد قادة سرايا القدس في لواء الشمال عن المهمات الجهادية التي أوكلت للشهيد حسام أبو هربيد خلال مشواره الجهادي، فقال: "تدرج القائد أبو عبيدة في العمل العسكري وتنقل بين الوحدات والتشكيلات العسكرية بسرايا القدس، فخاض أول اشتباك مسلح عام 2003م، من نقطة صفر مع قوات الاحتلال بشارع السكة في بيت حانون، وفي عام 2008م، كلف بقيادة كتيبة الشهيد عبد الله السبع في بيت حانون، فيما تعرض الشهيد لمحاولة اغتيال في حرب 2008-2009م بعد قصف منزله ببيت حانون شمال قطاع غزة".
وأضاف القائد أبو البراء خلال حديثه لموقع السرايا: يعد الشهيد القائد أبو عبيدة من المجاهدين الذين أشرفوا تربيض صواريخ الفجر والبراق التي دكت بها السرايا مدينة تل أبيب المحتلة، وكان أبو عبيدة مسؤول العمل الخاص بالاستشهاديين فأشرف على متابعة وتجهيز العديد من العمليات الاستشهادية.
وتابع حديثه: "يشهد الجميع للشهيد القائد حسام أبو هربيد بتعاونه الوثيق مع الأجنحة العسكرية للمقاومة الفلسطينية وإدامة التواصل والتنسيق على أعلى المستويات لتحقيق أهداف المقاومة وإبقاء جذوة الصراع مشتعلة مع العدو الصهيوني".
التاسعة بتوقيت البهاء
وتابع القائد في سرايا القدس بالقول: "كلف الشهيد القائد حسام أبو هربيد بقيادة لواء الشمال عام 2019م، فكان نعم القائد الذي أكمل مسيرة قائده ومعلمه الشهيد القائد بهاء أبو العطا قائد أركان المقاومة، وحافظ على تاسعة البهاء وبقائها حيث أشرف على إطلاق الصواريخ في توقيت التاسعة في حياة القائد الكبير بهاء أبو العطا وكان يأخذ القرار منه مباشرة واستمر بالمحافظة على تاسعة البهاء حتى بعد استشهاد البهاء بقرار من إخوان البهاء، وكان المسؤول المباشر عن إطلاق عدد من الصواريخ تجاه مدينة أسدود المحتلة وإنزال رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو عن منصة الاحتفال هرباً من صواريخ السرايا".
صاحب الضربة الأولى
وأوضح القائد في سرايا القدس أبو البراء أن الشهيد القائد حسام أبو هربيد هو المسؤول المباشر عن إطلاق صاروخ الكورنيت تجاه جيب قيادة للعدو كان يضم وفداً عسكرياً يرأسه مسؤول وحدة المعلومات في فرقة غزة شرق بيت حانون شمال قطاع غزة، وذلك بقرار من قيادة السرايا التي أبت إلا أن تكون الكلمة الأولى لها في معركة سيف القدس، مؤذنًا ببدء المعركة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها سرايا القدس رداً على الجرائم الصهيونية في المسجد الأقصى ونصرةً لأهلنا في القدس وحي الشيخ جراح.
موعده مع الرحيل
ارتحل الشهيد القائد حسام أبو هربيد "أبو عبيدة" قائد لواء الشمال في سرايا القدس بتاريخ 17/5/2021م، في عملية اغتيال صهيونية جبانة استهدفته شمال قطاع غزة خلال معركة سيف القدس.
ونعت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وجناحها العسكري سرايا القدس القائد حسام أبو هربيد الذي استشهد وهو في معركة سيف القدس يتنقل بين ميادين الجهاد وثغور المواجهة ويتابع سير عمليات المقاومة في محافظة شمال قطاع غزة.
ارتقى شهيدنا المبارك أبو عبيدة مقبلاً غير مدبر، وهو الذي عرفه المجاهدون بصلابته في الدفاع عن أرضه وشعبه متمسكاً بسلاحه محباً لأهله وإخوانه متوحداً ومتعاوناً مع رفاق الدرب والسلاح في فصائل المقاومة، وقد كان الشهيد حسام نموذجاً في القيادة والجندية وفي أداء مهامه وواجباته.