بسم الله الرحمن الرحيم
المكتب الإعلامي لسماحة العلامة التاريخ: 2 جمادى الثانية 1442هـ
السيد علي فضل الله الموافق: 15كانون الثاني 2021 م
كلمة سماحة العلامة السيد علي فضل الله في "حديث الجمعة" التي جاء فيها:
عباد الله عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به رسول الله(ص) ابنته الزهراء(ع)، والتي نستعيد ذكرى وفاتها في الثالث من جمادى الثانية حين قالت: "دخل عليَّ رسولُ الله(ص)، وقد افترشتُ فراشي للنّوم، فقال: يا فاطمة، لا تنامي إلا وقد عملتِ أربعة أشياء: ختمتِ القرآنَ، وجعلتِ الأنبياء شفعاءَكِ، وأرضيتِ المؤمنين عن نفسك، وحججتِ واعتمرتِ. قال هذا، وأخذ في الصّلاة، فصبرتُ حتى أتمَّ صلاتَهُ، قلتُ: "يا رسول الله، أمرتَ بأربعةٍ لا أقدر عليها في هذا الحال! فتبسَّم(ص) وقال: إذا قرأتِ (قل هو الله أحد) ثلاث مرّات بعد الفاتحة، فكأنَّك ختمتِ القرآنَ، وإذا صلَّيتِ عليَّ وعلى الأنبياء قبلي، كُنّا شفعاءك يوم القيامة، وإذا استغفرتِ للمؤمنين، رضوا كلّهم عنك، وإذا قلتِ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فكانك حججتِ واعتمرتِ".
هذه هي وصيَّة رسول الله(ص) للزهراء(ع)، وهي وصيّة لنا، بأن لا ننام إلا بعد أن نأتي بها لنحظى بكرم الله وبالأجر الجزيل منه، وبذلك نعبر عن حقيقة ولائنا للزهراء(ع) حيث لا يكفي الولاء بذرف الدموع فحسب بل بالاقتداء والعمل بسيرتها وهذا بعض سيرتها، وبذلك نصبح أكثر قدرةً على مواجهة التحدّيات..
يدخل لبنان في تجربة جديدة من الإقفال نأمل لها النجاح، بعدما لم يعد بالإمكان تحمل تداعيات هذه الجائحة ولا آثارها الكارثية من ناحية عدد الإصابات أو الوفيات أو على صعيد المستشفيات والطاقم الطبي..
لكن هذا النجاح يتوقف على مدى التزام المواطنين التام بقرار الإقفال وتشدد الأجهزة الأمنية في إجراءات الرقابة والسهر لضمان تقيد المواطنين به.
ونحن في هذا المجال، كنا نأمل أن لا نصل إلى هذا القرار لمعرفتنا بتبعاته على مصالح الناس وأعمالهم ولا سيما في هذا الظرف الاقتصادي الصعب لكن التفلت الذي حصل خلال فترة الأعياد وتوسع دائرة الإصابات وحجمها بات يلح إلى ضرورة الأخذ بهذا القرار والتقيد به لعدم الوصول إلى كارثة صحية لا يستطيع هذا البلد تحمل اعباءها. ومن هنا فإننا نجدّد دعوتنا إلى المواطنين إلى ضرورة التقيد بقرار الإقفال وبأية إجراءات من قبلهم تضمن عدم تعرضهم للإصابة بهذا الوباء... فلا ينبغي التهاون في هذا المجال تحت أية ظروف فهم معنيون بصحتهم وصحة من هم حولهم، وحياتهم وحياة من حولهم، ونقول لهم اصبروا أياماً قصيرة لتحصلوا بعدها على راحة طويلة نريدها لكم. في الوقت الذي ندعو فيه الدولة إلى عدم العودة إلى توسعة دائرة الاستثناءات والتشدد في هذا المجال.
ونبقى أن نشير وفي ظل الإقفال الجاري إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار من يعتمدون في قوتهم على عملهم اليومي، والطبقات الفقيرة للقيام بواجب تقديم العون لهم..
ونحن لذلك ندعو الدولة والبلديات والجمعيات الأهلية والميسورين إلى العمل معاً لرعاية هؤلاء خلال فترة الإقفال هذه، وتوفير احتياجاتهم الضرورية..
وهنا ننوه بقرار وزارة المالية بصرف مساعدات لدعم اللبنانيين الذين يرزحون تخت خط الفقر المدقع ونأمل ان تصل هذه المساعدات إلى مستحقيها ولا تضيع في متاهات السياسة والمصالح الفئوية والحسابات الخاصة كما ضاع الكثير منها.
في هذا الوقت، ينتظر اللبنانيون وبفارغ الصبر قيام الدولة بكل ما يلزم للإسراع في الإجراءات بتأمين اللقاح الأفضل الكافي لكل اللبنانيين، وإزالة أية عقبات إدارية ومالية وتشريعية تؤخر وصوله وعدم الاكتفاء في ذلك على مصدر واحد كما يجري، بعدما أصبح واضحاً أن العدد الذي يتم الحديث عن تأمينه لن يوفر حاجة اللبنانيين منه.
وإذا كان ما يجري من تباطؤ لأن الدولة غير قادرة على تأمين أعباء هذا اللقاح، فليفتح الباب لمشاركة القطاع الخاص.. حتى لا تكرر تهاونها مع مواطنيها في صحتهم وحياتهم..
ونقف عند ما شهدته الأسواق اللبنانية في الأيام السابقة لفترة الأقفال من استغلال جرى لحاجة المواطنين إلى المواد الغذائية والطبية خلال فترة الإغلاق حيث شهدنا ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار هذه السلع تجاوز حتى ارتفاع سعر الدولار ونخشى أن يحصل ذلك خلال هذه الفترة مما يدعو إلى ضرورة تعزيز رقابة وزارة الاقتصاد ومزيداً من الإنسانية من التجار الذين يستغلون حاجات الناس إليهم ومن دون الأخذ بعين الاعتبار معاناتهم.
ونبقى على الصعيد السياسي الذي شهد في الأسبوع الماضي ارتفاعاً في السجالات والتي وصلت في الأيام السابقة إلى حد غير مسبوق وحتى غير لائق، بحيث بات معها تأليف الحكومة التي يريدها اللبنانيون لتخرجهم من هذا النفق المظلم أمراً أكثر تعقيداً وصعوبة!!.. وبات الحديث عن أزمة حكم لا أزمة حكومة.
ونحن أمام هذا الواقع، نجدد دعوتنا القوى السياسية إلى الرأفة بهذا البلد وإنسانه الذي تزداد معاناته يوما بعد يوم والخروج من حساباتها الخاصة ومصالحها وصراعاتها، والإسراع بأداء مسؤوليتها التي عهدت إليها بتأليف الحكومة قادرة على إخراج البلد من معاناته. في الوقت الذي نجدد دعوتنا اللبنانيين إلى الخروج عن صمتهم وسكوتهم لمواجهة حالة الاستهتار بهم، والذي أغرى هؤلاء بالتمادي في إدارة الظهر لمصلحة هذا الوطن ومصلحة إنسانه..
بعدما اطمأن هؤلاء بأن الناس استكانوا ووهنوا، وعادوا لقواعدهم الطائفية والمذهبية، ولذلك عادوا إلى النغمة القديمة ــ الجديدة بأننا لن نرضى باستهداف هذه الطائفة أو تلك أو الاستهانة بهذا المذهب أو ذاك.. في الوقت الذي هم بعيدين عن كل البعد عن مصالح طوائفهم ومذاهبهم..
إن على اللبنانيين أن يكونوا واعين تماماً، وأن لا يسمحوا لهؤلاء أن يتلاعبوا مجدداً بغرائزهم المذهبية والطائفية، التي لن تكون لحسابهم هذه المرة، بل على حسابهم، وأن لا يلدغوا من حجر لدغوا منه مراراً وان لا يجربوا ما جربوه، لسنوات الذي أوصل البلد إلى ما وصل إليه..
وأخيراً لا بدّ من الوقوف جميعاً أمام تصعيد العدو المتكرر في خروقاته للأجواء اللبنانية، واعتداءاته المستمرة على السيادة اللبنانية، والتي تتلازم مع التصعيد الجاري في سوريا والذي نخشى أن يعم المنطقة.
إن على اللبنانيين التنبه إلى ما وراء هذا التصعيد، وإلى مواجهته بالوحدة، فالعدو يغريه هذا الانقسام ويستفيد منه للقيام بأية مغامرة يسعى إليها..
فالوحدة الداخلية بكل عناصرها المدعومة بالقوة كانت وستبقى هي السلاح الأمضى في مواجهة هذا العدو الذي لا يعي إلا بهذه اللغة.