أعلنت شركة "جوجل" الأميركية أنها حققت فتحاً جديداً في أبحاث الكمبيوتر باستخدام حاسوب "كمومي" استطاع أن يحل في دقائق مسألة معقدة كان أقوى حاسوب خارق متوافر حالياً سيستغرق آلاف السنين لحلها.
ويتوقع الباحثون في جوجل أن تقود الحواسيب الكمومية خلال سنوات قليلة إلى تقدم في حقول مثل الذكاء الصناعي وعلوم المواد والكيمياء. وتخوض الشركة سباقاً مع منافسين مثل "آي بي إم" و"مايكروسوفت" على الاستغلال التجاري للتكنولوجيا وبيعها من خلال وحدات للحوسبة السحابية.
وقال كبير علماء أجهزة ميكانيكا الكم في الشركة، جون مارتينيس، متحدثاً للصحافيين "نأمل عندما يبدأ الناس في استخدامها وتفقد استقرار الأداء والواجهة السحابية، أن يتحمسوا لما نقدمه في جوجل".
جاء التأكيد الرسمي للإنجاز في بحث نشرته دورية "نيتشر" العلمية، بعد جدل لأسابيع عقب تسرب مسودة للبحث، بخصوص ما إذا كان "التفوق الكمومي" الذي أعلنته غوغل حقيقيا.
ويسعى علماء الكمبيوتر منذ عقود لاستغلال مبادئ ميكانيكا الكم، التي تحكم سلوك الجسيمات دون الذرية، التي يمكن أن توجد في حالات مختلفة على نحو متزامن، بخلاف عالم الحياة اليومية الذي يدركه الناس.
لذا، وفي حين تعتمد الحوسبة التقليدية على وحدات البِت، أوالآحاد والأصفار، فإن الحوسبة الكمومية تستخدم وحدات الـ"بِت" الكمومي، أو الـ"كيوبِت"، التي يمكن أن تكون واحدا أو صفرا في ذات الوقت.
تتضاعف هذه الخاصية، المسماة بالتراكب، أضعافا مضاعفة مع تشابك وحدات الـ"كيوبِت" بعضها مع بعض. وكلما زاد عدد وحدات الـ"كيوبِت"، التي يمكن نظمها معا، أصبحت قدرة الحواسب الكمومية أكبر بكثير.
لكن ثمة معضلة؛ فالباحثون في ميكانيكا الكم بحاجة إلى تبريد الـ"كيوبِت" إلى ما يقرب من الصفر المطلق من أجل الحد من التذبذب أو"الضوضاء"، الذي يتسبب في تسرب الأخطاء إلى حساباتهم. وفي هذه المهمة بالغة الصعوبة استطاعت جوجل، بمساعدة الهيليوم السائل من أجل التبريد، أن تحرز تقدماً كبيراً.
قارن الرئيس التنفيذي، سوندار بيتشاي، الإنجاز ببناء أول صاروخ يغادر المجال الجوي للأرض ويلامس أطراف الفضاء، وهو التقدم الذي جعل السفر إلى الفضاء الخارجي ممكنا. وكتب بيتشاي في مدونة "بالنسبة لمن يعملون في العلوم والتكنولوجيا مثلنا، إنها لحظة "أول تطبيق ناجح" التي كنا ننتظرها، أهم إنجاز حتى الآن في مهمة جعل الحوسبة الكمومية حقيقة واقعة".
ابتكرت جوجل معالجا دقيقا، اسمه سيكامور، يحوي 54 وحدة "كيوبِت". يبلغ سمك المعالج الجديد نحو عشرة مليمترات، وهو مصنوع من أجزاء من الألومنيوم والإنديوم بين شريحتين من السيليكون.
واستطاع الباحثون في تجربتهم جعل 53 وحدة "كيوبِت"، متصلة بعضها مع بعض على شكل شبكة متداخلة، تتفاعل في وضع كمومي.
وأعطوا الحاسوب الكمومي مهمة معقدة تتمثل في التعرف على الأنماط المتكررة في سلسلة من الأرقام التي تبدو عشوائية. وقد حل الكمبيوتر المشكلة في ثلاث دقائق و20 ثانية. وتفيد تقديراتهم بأن المسألة ذاتها ستستغرق عشرة آلاف سنة لكي يحلها الكمبيوتر الخارق "ساميت"، الأقوى من نوعه في العالم اليوم.
وكتب فريق الباحثين، بقيادة فرانك أروت من قسم الذكاء الصناعي في جوجل، "هذه الزيادة الجذرية في السرعة مقارنة مع جميع الخوارزميات التقليدية المعروفة هي تحقق اختباري للتفوق الكمومي لهذه المهمة الحوسبية المحددة، مما يبشر بإطلاق نموذج حوسبي ترقبناه بشدة".
وفي حين لاقى البحث الخاضع لمراجعة النظراء استحسانا، مع مقارنة د. وليام أوليفر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نتائجه المنشورة في نيتشر برحلة الطيران الأولى، التي قام بها الأخوان رايت، فإن مشككين يقولون إن جوجل تضخم من شأن الإنجاز.
فقد قال الباحثون في "آي بي إم"، منافس جوجل الرئيسي في مجال الحوسبة الكمومية، إن حاسوبا خارقا مزودا بقرص تخزين إضافي يمكنه حل مشكلة الأعداد العشوائية في نحو يومين ونصف، وبدقة أعلى. وأضافوا أن جوجل ربما تجازف بتضليل الرأي العام بالتلميح إلى أن أجهزة الكمبيوتر الجديدة ستحل محل القائمة حاليا.
وقال مدير الأبحاث لدى "آي بي إم"، داريو جل، في مدونة "الحواسيب الكمومية لن "تسود" على التقليدية، بل ستعمل معها، لأن لكل مزاياه الخاصة".
وقال مدير برنامج أبحاث الحوسبة الكمومية في جمعية فراونهوفر للأبحاث التطبيقية في ألمانيا، تورستن سيبيرت، إن جوجل حققت دقة مثيرة للإعجاب في تجربتها، التي حوت عددا ضخما من وحدات الـ"كيوبِت". وتابع أنه في نهاية المطاف ستعمل الحواسيب الكمومية جنبا إلى جنب مع أجهزة الكمبيوتر التقليدية، مع استفادة كل منها بنقاط قوته.
وقال "نتفق بلا ريب مع بواعث قلق ‘آي بي إم’ بشأن المفهوم العام "للتفوق الكمومي" فيما يتعلق بتقدم في هذا الحقل يكون موجها نحو التطبيقات العملية حقا"، مضيفاً أن من المرجح أن يتحقق التقدم من خلال مثل هذا المزج الهجين.