ثماني سنوات وحضوره لا يخبو ولا ينطفئ
ثماني سنوات وحضوره لا يخبو ولا ينطفئ بل يزداد تألقاً وتوهجاً في العقول وفي القلوب وفي كل الميادين التي طرق أبوابها؛ ميادين الفكر والفقه والعقيدة والقرآن والحديث والحوار وفي السياسة وفي دنيا الطفل والمرأة والشباب وفي الشعر والأدب وفي التخفيف عن آلام الناس الفقراء والأيتام والمعوقين والمرضى وفي موقفه الثابت والصلب في مواجهة الاستكبار والاحتلال ولإزالة التخلف والجهل والتعصب والعبودية للأشخاص والجهات وفي بنائه الروحي والإيماني والتربوي الذي أعطى له منهجاً خاصاً. لقد بقي كل هذا الحضور رغم الصعوبات والتحديات والعراقيل ومن لا يريد لهذه السيرة أن تؤتى أكلها في كل حين بإذن الله.
لقد صدق معه الأوفياء والطيبون، وهم كثر، الذين راحوا يبشرون بكلماته ومواقفه وعمله، ويدافعون عن نهجه أمام الذين لم يعوا جيداً ما أتى به ومن لم يفهمه أو من أساء فهم منطلقاته وتعمد تشويه صورته.
هؤلاء الأوفياء عندما ارتبطوا به وبنهجه لم يرتبطوا به كشخص وهو الذي علمهم أن لا يرتبطوا بالأشخاص مهما علا الأشخاص، بل بالمبادئ والقيم التي يحملونها..
أول العاملين بما يدعو إليه
هم ارتبطوا به لأنهم وجدوا فيه قدوة، هو ما كان يفصل بين القول والعمل ولا بين النظرية والتطبيق، ما يقوله في السر هو ما يقوله في العلن وهو الذي قال لأحدهم جاء يعرض عليه ما لا يمكنه أن يعلنه، أني لا أفعل شيئاً في السر أستحي منه في العلن..
فكان السيد عندما يدعو إلى أمر فهو أول المبادرين إليه وكان عندما ينهى عن أمر أول من ينتهي عنه، وعندما يدعو إلى البذل والعطاء كان أول الباذلين وعندما يدعو إلى الجهاد في مقدم المجاهدين وعلى رأسهم، وعندما يدعو إلى العفو كان أول من يعفو، وإلى الوحدة كان من الصادقين في العمل لها.. وكان مثالاً يحتذى في الصبر والثبات، لم يترك الناس لحظة بل كان معهم في اللحظات الصعبة أيام الحصار وفي المعارك التي جرت حتى في أشدها، وكان للفقير معيناً ولليتيم أباً وللكفيف عيناً وللأصم أذناً وكان لكل محتاج ساعداً.
التلازم والتواؤم ما بين الإيمان وعمل الصالحات كان العلامة الفارقة في سيرة السيد وهو ما نستلهمه في ذكراه وكل يوم.
نهج المشاركة والرحمة والعدل
لقد أرسى السيد نهجاً لم يُترك ولن يُترك، هو ليس في عهدة شخص بل في عهدة كل الأمة، وهو نما ولا يزال ينمو ويتجدد لأنه لم يدخل في الحسابات الخاصة والعائلية، هو عصي على أن يدخل فيها.. لقد ترك السيد نهجاً وطريقاً. هذا النهج هو الذي يتجدد، ونريده أن يتسع وينمو من خلال كل هذه الطاقات التي ارتبطت بخطه، لنعيد للإسلام الذي أراده رسول الله إلى إشراقته، إسلام الحب وإسلام الرحمة وإسلام العدل والحرية، الإسلام الذي يتزاوج مع العلم الذي هو قوانين الله ومع العقل الذي هو أحب الخلق إلى الله ومع الحياة التي هي نعمة الله... الإسلام الذي يدعو إلى التواصل ومد الجسور مع الآخر أياً كان الآخر ديناً أو مذهباً أو موقعاً سياسياً أو إنساناً، كان يرى أن الإسلام وكل الأديان جاءت لأجل الإنسان وتقاس بمقدار اقترابها من الإنسان ورفعها لمستواه..
وقد نهج السيد في عمله مبدأ الشراكة مع الآخرين، فهو لم يعتبر من كانوا حوله أتباعاً يأمرهم فينفذون، بل شركاء فهو كان يقول للذين يعيشون معه فكروا معي لا تقولوا السيد قال وانتهى الأمر بل ناقشوا، وأنا أدعوكم أن تناقشوني وأن تنقدوني، وكان أحب تلاميذه إليه من يناقشه ويحاوره ولم ير ذلك انتقاصاً منه.. وعندما بنى المؤسسات بناها على أساس هذه المشاركة، وكان يعبر عن ذلك بالقول إن هذه المؤسسات كانت من الناس من الخيرين والطيبين وهي إلى الناس.. فهو لم يقل إني عملت بل الناس عملوا وتشاركت مع الناس..
لقد وعى السيد مسؤوليته، فكان مبادراً في تحمل المسؤوليات لم ينتظر الآخرين حتى يقوموا بالتغيير، وحتى يغيروا ليغير، وحتى يواجهوا التحديات ليواجه.. بادر وعرف أن التحديات الكبرى تفرض عليه أن يتصدى ويتقدم الصفوف، ولو أدى ذلك إلى بذل التضحيات.
لقد نهج السيد نهج القوة، القوة في المنطق وفي الأسلوب وفي العلم وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي الأمن.
كان دائماً يقول إننا في عالم لا يحترم فيه إلا الأقوياء فكونوا الأقوياء حتى يحترمكم العالم، فلا تستضعفوا أنفسكم فالضعف ليس قدراً..
اصنعوا من الضعف قوة والقدرات بيدكم ولا ترهبكم قوة الأخرين بل انظروا إلى نقاط ضعفهم ومواقع قوتكم، واستحضروا دائماً كيف أن الأقوياء يسقطون فأين الأقوياء في التاريخ؛ أين هم الآن، واستحضروا أيضاً أن هناك من الضعفاء من لم يستسلموا لضعفهم وتغلبوا على ما أصابهم من وهن، وعادوا وصنعوا القوة لأنفسهم وواقعهم.. لكنه كان يقول القوة لا بد أن تنبع من قلب رحيم وإلا تتحول إلى قسوة وغطرسة واستكبار..
لقد اقتحم السيد عقبات كبرى كانت تواجه من يفكرون بحرية بعيداً من السائد والمألوف، وخالف المشهور بالدليل، وطرح الأسئلة الجريئة والشجاعة، واجتهد في غير المألوف، وتجاوز السابقين في معالجة الإشكالات المستعصية ليصنع بذلك حضوره وليدفع الكثيرين بعده لأن يقولوا ماذا لو كان السيد حاضراً لمواجهة هذه المشكلة أو تلك.
رحم الله السيد لقد قدم السيد(رض) عصارة حياته وجهوده فكرا ومؤسسات، وهو لم يتركه إرثاً لأحد بل ترك ما قدم من فكر ومن تجربة للمستقبل، ونحن نسعد حين نرى أن هذا الفكر قد طبع هذه المرحلة بطابعه وخصوصاً في التعامل مع السائد من الآراء أو في النظرة إلى الواقع الاجتماعي أو السياسي. بحيث لم يعد الحراك الفكري أو الفقهي أو العقدي أو في الوعي الاجتماعي والسياسي أمراً غير مقبول.
مستمرون على العهد
ونحن نعمل لنواصل هذا النهج على كل هذه المستويات.. انفتاحاً على الأديان وحواراً معها حول القضايا الجامعة وتفعيلاً لأعمال مشتركة على قاعدة القيم السماوية والإنسانية، وتواصلاً مع المذاهب وتفاعلاً معها لخدمة قضية الوحدة ومع كل القوى والشخصيات المخلصة لتعزيز الوحدة الوطنية..
لقد بنى السيد عمله الرسالي والمرجعي والخيري على المؤسسة لا الفرد، لذلك كانت المؤسسة حاضرة في عمله الرسالي والخيري والمرجعي وهو قدم أنموذجاً في ذلك دافعاً بها نحو التميز، وكان يقول: الأفراد يزولون والمؤسسات تبقى وتستمر، وهو إن ضمن استمرار عمله من بعد رحيله فذلك لأنه كان بنى مؤسسات واستمرت تعمل كمؤسسات فخططت لذلك العمل وتابعته..
إننا نؤكد لكم أنتم أيها الأوفياء أن ما يحكم هذه المؤسسات هو العمل المؤسسي بل الحرص على الجودة في هذا المجال، وعلى أن تخضع نفسها لرقابة ذاتية ورقابة خارجية.. وأن من مسؤوليتها أن تستجيب لنقد المجتمع المدني الذي كان.. ولا يزال له الدور الكبير في نهوضها.
إن قيمة هذه المؤسسات أنها احتضنت من قبل المجتمع منذ نشوئها وحتى الآن.
لم يترك السيد كما يتحدث البعض مالاً.. هو كان لا يرى جائزاً أن يخزن مالاً أو أن يودعه البنوك وهناك من يحتاج إليه، ولذا كان يوضح كيفية إنفاق ما يصله ويقدم حسابه إلى المانحين والمتصدقين..
لقد راهن البعض على ضعف هذه المؤسسات بغياب مؤسسها وكنا نراهن مع كل العاملين على الله سبحانه الذي ينبغي أن يكون الهدف وأن يسعى المؤمن إلى رضاه، ومن خلاله على الأمة الوفية، ولذلك هي لم تستمر فقط بل طورت خدمتها واستكملت مسيرتها، وستتابعها لبناء ما نستطيع من مؤسسات تستجيب لحاجات الناس.
سوف يبقى رهاننا دائماً على الله أولا وأخرا وعلى الخيرين والطيبين وعلى كل الجهود التي تبذل للوصول بالمؤسسات الى ما يؤمن لها الاستمرارية من ناحية ونشر الخير على كل المستويات: الخدماتية والتعليمية والطبية وحتى الخدمات التي تواكب حاجات المجتمع المستجدة كالتوحد على سبيل المثال لا الحصر أو كالإدمان على المخدرات...
إن وراء هذه المؤسسات جهوداً وأعمالاً دؤوبة نقف اليوم نشكرها ونقدرها، ونعمل دائما ودوما على التطوير والمراجعة وسد الثغر التي قد تواجه العاملين في هذا المجال.
إننا سنبقى في رسالتنا، نعمل كما انطلق السيد في رحاب الإسلام الــمنفتح على الحياة والأخر وعلى القاعدة التي أطلقها: العقل مفتوح والقلب مفتوح والبيت مفتوح.
سنبقى كما كان السيد نسعى وبإمكاناتنا لأن نكون جسراً للتواصل، وسنحرص على أن يكون لبنان تجسيداً لهذه الرؤية على كل المستويات.
وسنبقى صوتاً يدعو إلى الوحدة لوأد الفتنة، لإيقاف النزيف نزيف الدم والاحقاد والنهب وسنبقى مع كل دعاة الحرية وحيث هناك مظلوم كما في لبنان وسوريا واليمن والبحرين وليبيا،وفي العمل لأن تعود فلسطين لأهلها.
إننا اليوم أحوج ما يكون إليك يا سيدي يا أبي وأب الجميع وإلى بسمتك التي لم تغادر وجهك حتى في أقسى اللحظات، إلى إمامتك الرصينة، إلى وعظك وإرشادك، إلى تطلعاتك الإنسانية والحضارية إلى بصيرتك النافذة وإلى دعائك الخيّر.
عزاؤنا أن الأمة التي ربيتها وعملت لها ترتقي إلى مستوى التحديات التي سنواجهها بنفس الروحية وستحمل أمانتك وكل المسؤوليات التي أودعتها.
نسال الله تعالى أن يوفقنا لنكون الأوفياء كما وفيت وأن نكون الأمناء كما أمنت وأن يحشرك الله مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
مقالات ذات صلة
27 كانون الثاني 25 - 12:20
أحدث الحلقات
آية الله العظمى المرجع السيد محسن الأمين العاملي | أعلام
14 نيسان 25
إرهاق رقمي | سلامتك
09 نيسان 25
الإشتباك بين المستأجرين والمالكين إلى الواجهة من جديد | حكي مسؤول
08 نيسان 25
يسألونك عن الإنسان والحياة | 08-4-2025
08 نيسان 25
آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم | أعلام
07 نيسان 25
عقاب | حتى العشرين
07 نيسان 25
كرة الطاولة اللبنانية بعد الإنتخابات : آمال وتحديات | STAD
07 نيسان 25
يسألونك عن الإنسان والحياة | 07-4-2025
07 نيسان 25
مسؤوليتنا في يوم العيد | محاضرة رمضانية لسماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رض)
04 نيسان 25
أين أهل الصبر؟ | موعظة لسماحة الشيخ علي غلوم
04 نيسان 25
خطبتا وصلاة الجمعة لسماحة السيد علي فضل الله | 04-4-2025
04 نيسان 25
يسألونك عن الإنسان والحياة | 04-4-2025
04 نيسان 25
ما هوي تقييمكم لشبكة برامج شهر رمضان المبارك 1444؟
07/07/2018 11:30:34
ثماني سنوات وحضوره لا يخبو ولا ينطفئ بل يزداد تألقاً وتوهجاً في العقول وفي القلوب وفي كل الميادين التي طرق أبوابها؛ ميادين الفكر والفقه والعقيدة والقرآن والحديث والحوار وفي السياسة وفي دنيا الطفل والمرأة والشباب وفي الشعر والأدب وفي التخفيف عن آلام الناس الفقراء والأيتام والمعوقين والمرضى وفي موقفه الثابت والصلب في مواجهة الاستكبار والاحتلال ولإزالة التخلف والجهل والتعصب والعبودية للأشخاص والجهات وفي بنائه الروحي والإيماني والتربوي الذي أعطى له منهجاً خاصاً. لقد بقي كل هذا الحضور رغم الصعوبات والتحديات والعراقيل ومن لا يريد لهذه السيرة أن تؤتى أكلها في كل حين بإذن الله.
لقد صدق معه الأوفياء والطيبون، وهم كثر، الذين راحوا يبشرون بكلماته ومواقفه وعمله، ويدافعون عن نهجه أمام الذين لم يعوا جيداً ما أتى به ومن لم يفهمه أو من أساء فهم منطلقاته وتعمد تشويه صورته.
هؤلاء الأوفياء عندما ارتبطوا به وبنهجه لم يرتبطوا به كشخص وهو الذي علمهم أن لا يرتبطوا بالأشخاص مهما علا الأشخاص، بل بالمبادئ والقيم التي يحملونها..
أول العاملين بما يدعو إليه
هم ارتبطوا به لأنهم وجدوا فيه قدوة، هو ما كان يفصل بين القول والعمل ولا بين النظرية والتطبيق، ما يقوله في السر هو ما يقوله في العلن وهو الذي قال لأحدهم جاء يعرض عليه ما لا يمكنه أن يعلنه، أني لا أفعل شيئاً في السر أستحي منه في العلن..
فكان السيد عندما يدعو إلى أمر فهو أول المبادرين إليه وكان عندما ينهى عن أمر أول من ينتهي عنه، وعندما يدعو إلى البذل والعطاء كان أول الباذلين وعندما يدعو إلى الجهاد في مقدم المجاهدين وعلى رأسهم، وعندما يدعو إلى العفو كان أول من يعفو، وإلى الوحدة كان من الصادقين في العمل لها.. وكان مثالاً يحتذى في الصبر والثبات، لم يترك الناس لحظة بل كان معهم في اللحظات الصعبة أيام الحصار وفي المعارك التي جرت حتى في أشدها، وكان للفقير معيناً ولليتيم أباً وللكفيف عيناً وللأصم أذناً وكان لكل محتاج ساعداً.
التلازم والتواؤم ما بين الإيمان وعمل الصالحات كان العلامة الفارقة في سيرة السيد وهو ما نستلهمه في ذكراه وكل يوم.
نهج المشاركة والرحمة والعدل
لقد أرسى السيد نهجاً لم يُترك ولن يُترك، هو ليس في عهدة شخص بل في عهدة كل الأمة، وهو نما ولا يزال ينمو ويتجدد لأنه لم يدخل في الحسابات الخاصة والعائلية، هو عصي على أن يدخل فيها.. لقد ترك السيد نهجاً وطريقاً. هذا النهج هو الذي يتجدد، ونريده أن يتسع وينمو من خلال كل هذه الطاقات التي ارتبطت بخطه، لنعيد للإسلام الذي أراده رسول الله إلى إشراقته، إسلام الحب وإسلام الرحمة وإسلام العدل والحرية، الإسلام الذي يتزاوج مع العلم الذي هو قوانين الله ومع العقل الذي هو أحب الخلق إلى الله ومع الحياة التي هي نعمة الله... الإسلام الذي يدعو إلى التواصل ومد الجسور مع الآخر أياً كان الآخر ديناً أو مذهباً أو موقعاً سياسياً أو إنساناً، كان يرى أن الإسلام وكل الأديان جاءت لأجل الإنسان وتقاس بمقدار اقترابها من الإنسان ورفعها لمستواه..
وقد نهج السيد في عمله مبدأ الشراكة مع الآخرين، فهو لم يعتبر من كانوا حوله أتباعاً يأمرهم فينفذون، بل شركاء فهو كان يقول للذين يعيشون معه فكروا معي لا تقولوا السيد قال وانتهى الأمر بل ناقشوا، وأنا أدعوكم أن تناقشوني وأن تنقدوني، وكان أحب تلاميذه إليه من يناقشه ويحاوره ولم ير ذلك انتقاصاً منه.. وعندما بنى المؤسسات بناها على أساس هذه المشاركة، وكان يعبر عن ذلك بالقول إن هذه المؤسسات كانت من الناس من الخيرين والطيبين وهي إلى الناس.. فهو لم يقل إني عملت بل الناس عملوا وتشاركت مع الناس..
لقد وعى السيد مسؤوليته، فكان مبادراً في تحمل المسؤوليات لم ينتظر الآخرين حتى يقوموا بالتغيير، وحتى يغيروا ليغير، وحتى يواجهوا التحديات ليواجه.. بادر وعرف أن التحديات الكبرى تفرض عليه أن يتصدى ويتقدم الصفوف، ولو أدى ذلك إلى بذل التضحيات.
لقد نهج السيد نهج القوة، القوة في المنطق وفي الأسلوب وفي العلم وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي الأمن.
كان دائماً يقول إننا في عالم لا يحترم فيه إلا الأقوياء فكونوا الأقوياء حتى يحترمكم العالم، فلا تستضعفوا أنفسكم فالضعف ليس قدراً..
اصنعوا من الضعف قوة والقدرات بيدكم ولا ترهبكم قوة الأخرين بل انظروا إلى نقاط ضعفهم ومواقع قوتكم، واستحضروا دائماً كيف أن الأقوياء يسقطون فأين الأقوياء في التاريخ؛ أين هم الآن، واستحضروا أيضاً أن هناك من الضعفاء من لم يستسلموا لضعفهم وتغلبوا على ما أصابهم من وهن، وعادوا وصنعوا القوة لأنفسهم وواقعهم.. لكنه كان يقول القوة لا بد أن تنبع من قلب رحيم وإلا تتحول إلى قسوة وغطرسة واستكبار..
لقد اقتحم السيد عقبات كبرى كانت تواجه من يفكرون بحرية بعيداً من السائد والمألوف، وخالف المشهور بالدليل، وطرح الأسئلة الجريئة والشجاعة، واجتهد في غير المألوف، وتجاوز السابقين في معالجة الإشكالات المستعصية ليصنع بذلك حضوره وليدفع الكثيرين بعده لأن يقولوا ماذا لو كان السيد حاضراً لمواجهة هذه المشكلة أو تلك.
رحم الله السيد لقد قدم السيد(رض) عصارة حياته وجهوده فكرا ومؤسسات، وهو لم يتركه إرثاً لأحد بل ترك ما قدم من فكر ومن تجربة للمستقبل، ونحن نسعد حين نرى أن هذا الفكر قد طبع هذه المرحلة بطابعه وخصوصاً في التعامل مع السائد من الآراء أو في النظرة إلى الواقع الاجتماعي أو السياسي. بحيث لم يعد الحراك الفكري أو الفقهي أو العقدي أو في الوعي الاجتماعي والسياسي أمراً غير مقبول.
مستمرون على العهد
ونحن نعمل لنواصل هذا النهج على كل هذه المستويات.. انفتاحاً على الأديان وحواراً معها حول القضايا الجامعة وتفعيلاً لأعمال مشتركة على قاعدة القيم السماوية والإنسانية، وتواصلاً مع المذاهب وتفاعلاً معها لخدمة قضية الوحدة ومع كل القوى والشخصيات المخلصة لتعزيز الوحدة الوطنية..
لقد بنى السيد عمله الرسالي والمرجعي والخيري على المؤسسة لا الفرد، لذلك كانت المؤسسة حاضرة في عمله الرسالي والخيري والمرجعي وهو قدم أنموذجاً في ذلك دافعاً بها نحو التميز، وكان يقول: الأفراد يزولون والمؤسسات تبقى وتستمر، وهو إن ضمن استمرار عمله من بعد رحيله فذلك لأنه كان بنى مؤسسات واستمرت تعمل كمؤسسات فخططت لذلك العمل وتابعته..
إننا نؤكد لكم أنتم أيها الأوفياء أن ما يحكم هذه المؤسسات هو العمل المؤسسي بل الحرص على الجودة في هذا المجال، وعلى أن تخضع نفسها لرقابة ذاتية ورقابة خارجية.. وأن من مسؤوليتها أن تستجيب لنقد المجتمع المدني الذي كان.. ولا يزال له الدور الكبير في نهوضها.
إن قيمة هذه المؤسسات أنها احتضنت من قبل المجتمع منذ نشوئها وحتى الآن.
لم يترك السيد كما يتحدث البعض مالاً.. هو كان لا يرى جائزاً أن يخزن مالاً أو أن يودعه البنوك وهناك من يحتاج إليه، ولذا كان يوضح كيفية إنفاق ما يصله ويقدم حسابه إلى المانحين والمتصدقين..
لقد راهن البعض على ضعف هذه المؤسسات بغياب مؤسسها وكنا نراهن مع كل العاملين على الله سبحانه الذي ينبغي أن يكون الهدف وأن يسعى المؤمن إلى رضاه، ومن خلاله على الأمة الوفية، ولذلك هي لم تستمر فقط بل طورت خدمتها واستكملت مسيرتها، وستتابعها لبناء ما نستطيع من مؤسسات تستجيب لحاجات الناس.
سوف يبقى رهاننا دائماً على الله أولا وأخرا وعلى الخيرين والطيبين وعلى كل الجهود التي تبذل للوصول بالمؤسسات الى ما يؤمن لها الاستمرارية من ناحية ونشر الخير على كل المستويات: الخدماتية والتعليمية والطبية وحتى الخدمات التي تواكب حاجات المجتمع المستجدة كالتوحد على سبيل المثال لا الحصر أو كالإدمان على المخدرات...
إن وراء هذه المؤسسات جهوداً وأعمالاً دؤوبة نقف اليوم نشكرها ونقدرها، ونعمل دائما ودوما على التطوير والمراجعة وسد الثغر التي قد تواجه العاملين في هذا المجال.
إننا سنبقى في رسالتنا، نعمل كما انطلق السيد في رحاب الإسلام الــمنفتح على الحياة والأخر وعلى القاعدة التي أطلقها: العقل مفتوح والقلب مفتوح والبيت مفتوح.
سنبقى كما كان السيد نسعى وبإمكاناتنا لأن نكون جسراً للتواصل، وسنحرص على أن يكون لبنان تجسيداً لهذه الرؤية على كل المستويات.
وسنبقى صوتاً يدعو إلى الوحدة لوأد الفتنة، لإيقاف النزيف نزيف الدم والاحقاد والنهب وسنبقى مع كل دعاة الحرية وحيث هناك مظلوم كما في لبنان وسوريا واليمن والبحرين وليبيا،وفي العمل لأن تعود فلسطين لأهلها.
إننا اليوم أحوج ما يكون إليك يا سيدي يا أبي وأب الجميع وإلى بسمتك التي لم تغادر وجهك حتى في أقسى اللحظات، إلى إمامتك الرصينة، إلى وعظك وإرشادك، إلى تطلعاتك الإنسانية والحضارية إلى بصيرتك النافذة وإلى دعائك الخيّر.
عزاؤنا أن الأمة التي ربيتها وعملت لها ترتقي إلى مستوى التحديات التي سنواجهها بنفس الروحية وستحمل أمانتك وكل المسؤوليات التي أودعتها.
نسال الله تعالى أن يوفقنا لنكون الأوفياء كما وفيت وأن نكون الأمناء كما أمنت وأن يحشرك الله مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
حول العالم,أخبار العالم الإسلامي,السيد فضل الله, محمد حسين فضل الله, نهج يتجدد, مقالات, الذكرى السنوية, العلامة المرجع, قناة الإيمان الفضائية
AlimanTv
|