أظهرت وثيقة عبرية سرية، كشف عنها الأرشيف الصهيوني مؤخرا، كيفية ولادة مسألة التعتيم على البرنامج النووي العسكري، ودور وسائل الإعلام العبرية في هذا التعتيم. والوثيقة هي بروتوكول اجتماع عقده رئيس الحكومة العدو الأسبق، ليفي أشكول، في 9 تموز/يوليو 1963، مع ما كان يعرف في حينه بـ"لجنة المحررين"، وهي هيئة كانت تلتقي بين حين وآخر مع رئيس الحكومة ووزراء وموظفين كبار من أجل الحصول على معلومات سرية ليست للنشر.
واقتبس أشكول خلال الاجتماع مقولة لسلفه، دافيد بن غوريون، حسبما ذكرت صحيفة "هآرتس" اليوم، الجمعة، أنه "بالإمكان التحدث مع محرري الصحف حول أمور، وإذا طلبت منهم ألا ينشروا الأقوال، فإنه بالإمكان الاعتماد عليهم". وكان محور الاجتماع النشر في الصحف عن المفاعل النووي في ديمونا، الذي اقيم قبل ذلك الاجتماع بفترة قصيرة، وخلافا لاتفاق سابق حول الموضوع. وافتتح أشكول الاجتماع بالقول إنه "في الأسبوعين ثلاثة الأخيرة، بدأ الحديث حول تلك الأمور التي اتفق ألا يتم الحديث عنها. واقصد ما نسميه ’العلوم والأبحاث في ديمونا’". واحتج على نشر مواد حول ذلك في الصحف، محذرا من أنه "ينبغي أن نفترض أن العرب يقرأون ذلك، والأميركيون والفرنسيون... والسفارة الأميركية تصور مقالا كهذا وتنقل إلى مكان لا ينبغي نقله إليه".
وأضاف أن "الوقت يقترب من إجراء مفاوضات مع دول وبلدان بهذا الخصوص. والأمر أصبح مصيريا وشديدا وداهما. ومسألة ديمونا، مسألة البحث الذري، لا يدمج مع أية شؤون أخرى".
ويظهر من الوثيقة أن رؤساء تحرير الصحف تطوعوا للتعتيم على البرنامج النووي، وقال يعقوب عميت، رئيس تحرير "عل همشمار" وهي صحيفة حزب مبام، إنه "بالإمكان الاعتماد على هذه الهيئة (لجنة المحررين)، ونحن سعداء بأننا حظينا بهذه الثقة، وبالتأكيد أننا لن نخيب الأمل مستقبلا. وثمة أمر واحد واضح، وهو أن المسألة داخلية وسرية تماما، وهو ليس موضوع محادثات وكتابات. وكان واضح لجميعنا أن ما يفعلونه في ديمونا هو ليس أمرا للكتابة العلنية".
وأضاف محرر صحيفة "معاريف"، أرييه ديسنتشيك، "أليس واضحا لجميعنا أنه لا ينبغي الكتابة هكذا، إذا افترضنا أن الحكومة تريد إعداد سلاح نووي للردع؟ وأقترح أن نتفق الآن أيضا على أننا معنيون ألا يكتب عن هذه الأمور. لسنا مضطرين إلى كتابة كل شيء في الجريدة. وأقترح أن نقول على مسمع رئيس الحكومة أننا أخذنا على عاتقنا لجم أنفسنا وأنه في هذا الموضوع نفرض على أنفسنا أحيانا عبء الرقابة".
وأيدهما آيزيك رامبا، رئيس تحرير صحيفة "حيروت"، صحيفة حزب حيروت الذي أصبح اسمه اليوم حزب الليكود. وقال إن "كل ما يحدث من الناحية الأمنية، جميعنا معنيون بعدم إلحاق ضرر بالدولة. وأقترح أن نوافق على هذه الصيغة - كل قضية النشاط الذري وديمونا لا ينبغي النشر عنه".
وكان لرئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، غرشوم شوكين، رأي مختلف، وقال إن "الصحافة حرة بالتعبير عن آراء. وحسبما أذكر، لم نطالب أبدا بعدم التعبير عن آراء في هذا الموضوع. وإذا اعتقدت الرقابة أن الحديث عن أنواع أسلحة معينة قد يشكل خطرا على أمن الدولة، فإن الرقابة استخدمت في الماضي أيضا صلاحياتها وأعتقد أنها ستفعل ذلك في المستقبل".
ورفض أشكول توجه شوكين، وقال إنه "لا يوجد تعبير عن رأي في هذا الموضوع. وبالإمكان إيجاد الكثير من نقاط الضعف والطرق من أجل انتقاد الحكومة، أو التعبير عن رأي ضد الحكومة، ولكن بما يتعلق بهذا الموضوع فإنكم تفتحون جبهة خطيرة".
وشارك في الاجتماع شمعون بيرس، الذي أقام مفاعل ديمونا، وكان يشغل منصب نائب وزير الأمن. وأشار بيرس إلى مقال نُشر في تل الفترة، وقال إنه "واضح من هذا المقال إننا نصنع سلاحا نوويا"، وطالب من محرري الصحف "عدم النشر عن مساعدة فرنسا" في إشارة إلى أن فرنسا زودت إسرائيل بالمفاعل النووي في ديمونا وأن مهندسين فرنسيين ساعدوا في إقامته.
وذكر أشكول أن الرقابة العسكرية هي التي طلبت منع عقد اجتماع مع محرري الصحف، وهدد أنه لن يتردد باستخدام الرقابة بشكل واسع. وطلب التوصل إلى "اتفاق وطني" مع المحررين. وختم قائلا "أطلب أن يتحلى محررو الصحف بالمسؤولية بألا تكتب عن البحث الذري ومسألة القوة الذرية، بحيث يكون بالإمكان أن يُفهم أن إسرائيل تعمل في هذا الموضوع وتستخدم ذلك من أجل القوة العسكرية".