ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية …
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية أمير المؤمنين(ع) لنا، والذي استعدنا يوم ولايته في الثامن من ذي الحجة، عندما قال: "أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأمُومٍ إِمَاماً يَقتَدِي بِهِ ويَسْتَضـِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ، أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اِكْتَفَى مِنْ دُنيَاهُ بِطِمرَيْهِ، أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاِجْتِهَادٍ، وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ، بَلَى! كَانَتْ في أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّماءُ".
بهذا نعين علياً، وبهذا نعبر عن محبتنا وعن ولائنا له، ونستحق الانتماء إليه، وبهذا نكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات...
والبداية من غزة التي يستمر فيها العدو الصهيوني بارتكاب مجازره وممارسة سياسة التجويع والتدمير الممنهج لمعالم الحياة فيها، وهو يريد من وراء ذلك إتمام سيطرته وفرض هيمنته عليها والتي يحاول أن يستكملها في الضفة الغربية تنفيذاً لخطته بالإجهاز على القضية الفلسطينية...
يجري ذلك في ظل استمرار الدعم الذي لا يزال يحظى به هذا الكيان من الدول المؤيدة له، ولا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تزال تمده بالسلاح والذخائر، وتؤمن له التغطية السياسية والقانونية التي تمنع المس به أو الإدانة لجرائمه التي يندى لها جبين الإنسانية، وهي وإن بدا أنها خففت من دعمها فذاك يأتي من باب ذر الرماد في العيون ولحسابات انتخابية بعد الضغوط التي باتت الإدارة الأميركية تتعرض لها من الداخل. أما العالم العربي والإسلامي، فلا يزال في حال الانكفاء عن أداء واجبه القومي والديني الذي يدعوه إلى الوقوف مع هذا الشعب وتحمل قدر من الأعباء التي يئن تحت وطأتها.
في هذا الوقت، يستمر هذا الشعب في صموده ومقاومته، وهو يقدم في ذلك التضحيات الجسام التي تحول دون تمكن الكيان الصهيوني من تحقيق كل أهدافه، واستعادة هيبته التي فقدها في السابع من أكتوبر وتزيد من مأزقه على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني.
إننا أمام ما يجري نحيي صمود هذا الشعب وبسالة مقاومته التي تقدم دروساً في البطولة والفداء، وفي القدرة على هزيمة هذا الكيان، ونجدد دعوتنا للوقوف معه وإسناده بكل الوسائل، وعدم تركه وحيداً في معركته التي يخوضها...
وهنا نقدر عالياً كل الذين يؤدون واجبهم بمساندة هذ الشعب ويقدمون التضحيات في هذا الطريق...
وإلى لبنان الذي تستمر المقاومة فيه ومعها شعبها، في أخذ خيار نصرة قضية الشعب الفلسطيني انطلاقاً من حسها القومي والديني الذي يدعوها إلى نصرة المظلوم وتقديم الدعم له وعدم خذلانه، ومن حسها الوطني بأن هذا الكيان إن هو استطاع أن يحقق أهدافه في فلسطين فلن يتوانى في المرحلة المقبلة عن النيل من هذا البلد، وهو الذي يعد العدة له ولا يزال من خلال مناوراته التي تحاكي الهجوم على مدن وقرى لبنانية، وهو لم يكف عن تهديده للبنان كل لبنان.
وها هي المقاومة تقدم في كل يوم الدليل تلو الدليل على مدى قدراتها التي كشفت بعضها ولم تكشف الكثير منها، ما يجعل هذا العدو يهاب ذلك، وهو ما يعبر عنه القادة السياسيون والعسكريون الذين يدركون أن خوض غمار هذه الحرب لن يكون نزهة لهذا العدو وستكون كلفتها عليه باهظة، وقد تعمق هزيمته التي يسعى للخروج منها، وإذا كنا بتنا نسمع حديثاً متنامياً ومتزايداً عن رغبة هذا العدو باجتياح لبنان أو مناطق أو مواقع فيه، فإننا لا نزال نراه في إطار الحرب النفسية التي يخوضها هذا العدو والذي ترد عليه المقاومة بالمثل، لعله يستطيع من خلالها أن يكبح جماح المقاومة وأن يحصل على تنازلات من لبنان تقدم لحساب أمنه وأمن مستوطنيه مما لم يستطع الحصول عليه في الميدان، وإن كنا، ندعو إلى الحذر والاستعداد الدائم لغدر هذا العدو والذي نخشى أن يغامر بحرب واسعة واهماً أنه يستعيد بذلك هيبته وقدرة الردع لديه...
إننا أمام ما يجري، نعيد التأكيد على ضرورة عدم الانصياع للحرب التهويلية هذه وعدم الوقع في حبائلها، والأخذ بقوله سبحانه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً}.
وفي الوقت نفسه، نجدد دعوتنا إلى ضرورة تعزيز الوحدة الداخلية وإلى عدم السماح لأي صوت يسيء إلى هذه الوحدة ويهدد مناعتها التي تبقى هي الدعامة الأساس في مواجهة ما يجري..
إننا لا ننكر أن هناك اختلافاً حول العديد من القضايا التي تتصل بنظرة إلى الداخل أو الخارج، لكننا ندعو إلى التوحد في هذه المرحلة العصيبة التي يواجه فيها لبنان تحدياً مصيرياً لأمنه واستقراره وسيادته، وكما قلنا سابقاً لا ينبغي أن يخرج منه ضعيفاً.
ومن هنا نجدد دعوتنا للقيادات الدينية أولاً والسياسية إلى أن تكون أمينة على القيم التي تحملها والكف عن كل ما يهدد الوحدة الداخلية أو المس بموقع من مواقع القوة في هذا البلد، والذي مهما كان الاختلاف معه، فلا بد من تقدير دوره في تحرير هذا البلد وفي الوقوف في وجه من يتهدده، ويقدم لأجله التضحيات الجسام في هذا الطريق.
وأخيراً سنكون في الرابع من شهر تموز على موعد مع الذكرى الرابعة عشرة لرحيل السيد(رض) الذي عاش معنا كل قضايانا وهمومنا والذي رغم غيابه عنا مما زلنا نرتوي بكلماته ومواقفه التي تزرع فينا الإحساس بالعزة والحرية والكرامة وعدم الرضوخ والانكسار والهزيمة والذل، وتمدنا بالوعي والانفتاح ونتغذى من معينه الرحب الذي تركه لنا زاداً إن على صعيد الفكر أو الفقه أ والاجتماع أو السياسة، والأخلاق والريادة على صعيد المؤسسات وفي خدمة الإنسان كل الإنسان...
إننا ومن باب الوفاء لمن وفى لنا والتزاماً منا بنهجه وحرصنا على متابعة ما بدأ به، سنكون على موعد في الرابع من شهر تموز مع الاحتفال التأبيني الذي سيقام له والذي ستكونون أنتم الداعين له والحاثين عليه، والعاملين له...