ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بإحياء ليلة النّصف من شعبان؛ هذه اللّيلة المباركة التي أشارت الأحاديث إلى أنها من أفضل اللّيالي بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله العباد فضله، ويغفر لهم بمنّه، هي ليلة آلَ الله عزَّ وجلَّ على نفسه أن لا يردَّ فيها سائلاً ما لم يسأل المعصية.
وقد كان رسول الله (ص) يحرص على إحياء هذه اللّيلة بالعبادة، وتصف إحدى زوجاته ذلك الإحياء فتقول إنّها افتقدت رسول الله ذات ليلة (منتصف ليلة الخامس عشر من شهر شعبان)، فوجدته في محرابه يدعو ويصلّي ويذكر الله ويقرأ القرآن، وظلّ على ذلك طوال اللّيل، لا يكلّ ولا يملّ، حتى طلع الفجر.
فلنتأسَّ، أيّها الأحبَّة، برسول الله، ولنغتنم فرصة هذه اللّيلة، لندعو الله فيها ونصلّي ونقرأ القرآن، ومما وردت الإشارة إليه في كتب الأدعية، حتى لا تضيع منّا بركاتها وخيراتها، فنحن أحوج ما نكون إلى تعزيز علاقتنا بالله، وبلوغ ثوابه والتضرّع إليه، ليدفع عنّا البلاء، ويفرّج همومنا، ويكشف كربنا، ويجعل مستقبل أيّامنا خيراً من ماضيها، ونصبح أقدر على مواجهة التحدّيات!
والبداية من غزة التي يستمر فيها العدو الصهيوني في تنفيذ مخططه الهادف لتهجير أهلها، والذي باتت تشير إليه تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وهو لم يعد يقتصر في العمل لتحقيقه على ارتكاب المجازر والتدمير لمستشفياتها ومدارسها وجامعاتها ومساجدها ومرافقها الاقتصادية وبنيتها التحتية، بل بات يتعدى ذلك إلى اتباع سياسة التجويع والتعطيش التي تهدد أكثر من مليوني شخص.
ومع الأسف يجري كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم الذي أدار ظهره لمعاناة هذا الشعب والمجاعة التي تفتك به، وإن هو تحدث يكتفي بدعوة الكيان إلى وقف إطلاق النار وفتح الممرات الإنسانية من دون أن يمارس أي ضغوط فعلية عليه، بل نجد في هذا العالم من يواصل دعمه لهذا الكيان بكل سبل الدعم العسكري والأمني والمادي، ويؤمن له التغطية السياسية والقانونية التي تحول دون اتخاذ أي قرار بحق هذا الكيان وحتى إيقاف إطلاق النار، وهو الذي شهدناه في الفيتو الأمريكي الذي منع مجلس الأمن من اتخاذ قرار بإيقاف آلة القتل الإسرائيلية، والذي تقدمت به الجزائر...
وإذا كان من جهود تبذل الآن فهي لا تزال تقف عند شروط العدو الذي يصر على هدنة موقتة تسمح لهذا الكيان باستعادة أسراه للتخفيف من الضغط الشعبي المتزايد الذي يمارس عليه من أهالي الأسرى، من دون أن تلبي احتياجات الشعب الفلسطيني الساعي إلى التوصل إلى وقف نهائي لإطلاق النار ينهي معاناته ويسمح بعودة أهالي القطاع إلى بيوتهم وأماكن سكنهم.
ونحن أمام ما يجري، نجدد دعوتنا للدول العربية والإسلامية إلى موقف عربي وإسلامي موحد مع الشعب الفلسطيني، لمواجهة السياسة التي يتبعها العدو الصهيوني ومن يقف وراءه، وإلى إسناده بكل سبل الدعم من وعدم تركه وحيداً في معاناته، وذلك من منطلق عربي وإسلامي يقول: "من سمع رجلاً أو امرأة أو شيخاً أو طفلاً ينادي يا للمسلمين (حتى لم يكونوا من المسلمين) فلم يجبه فليس بمسلم".
وما أكثر من الذين يستصرخون اليوم ويطلبون النصرة منهم سواء في غزة أو في الضفة الغربية أو في كل أرجاء فلسطين للإسراع إلى نجدتهم من عدوهم وسد جوعهم وحماية أرواحهم.
إن من المؤسف أن نشهد دولاً غير عربية ولا إسلامية تعلن وقوفها مع الشعب الفلسطيني متجاوزة كل الاعتبارات والضغوط التي قد تمارس عليها من هذا الكيان وداعميه، والذي شهدناه أخيراً من الرئيس البرازيلي الذي تجرأ على أن يصف اعتداءات العدو الصهيوني بالإبادة الجماعية وإن ما يقوم به الكيان الصهيوني يشبه ما قام به النازيون خلال الحرب العالمية الثانية...
ويبقى الرهان في مواجهة مخططات العدو الصهيوني على الشعب الفلسطيني الذي يؤكد كل يوم ورغم كل التضحيات والآلام التي يعانيها والتدمير الذي يتعرض له وسياسة التجويع والتعطيش تمسكه بأرضه وثباته فيها.
ونبقى في فلسطين لندعو العالم الإسلامي إلى اتخاذ موقف حاسم لمواجهة القرار الذي اتخذه الكيان بمنع الشباب الفلسطيني من الدخول إلى المسجد الأقصى والذي إن مر سيؤدي إلى تنفيذ الكيان الصهيوني مشروعه بتهويد المسجد الأقصى بدءاً بإفراغه من مصليه والمدافعين عنه.
ونصل إلى لبنان الذي بات العدو الصهيوني يوسع اعتداءاته عليه، بحيث وصلت أخيرا إلى مشارف مدينة صيدا والتي تستهدف المدنيين من أطفال ونساء في بيوتهم والمباني السكنية والمرافق الاقتصادية والصحية، والذي يواكب بتهديدات من وزير دفاعه باستهداف العاصمة بيروت وبقية المناطق اللبنانية، ونحن هنا في الوقت الذي نحيي فيه كل التضحيات التي تقدم في هذا الطريق، نجدد دعوتنا إلى موقف لبناني موحد في مواجهة هذا الكيان ومنع تماديه في عدوانه على هذا البلد، والكف عما يهدد الوحدة الداخلية التي ينبغي أن تتراص في مواجهة ما يهدد السيادة اللبنانية وإن كنا لا نزال على ثقة أن هذا العدو لن يجرؤ على علة شم جرب شاملة لوعيه لمدى الكلفة الباهظة التي سيتحملها إن هو أقدم على ذلك، وهو بعد لم يفرغ من عدوانه في غزة، ولا يملك حتى الآن الضوء الأخضر من الدول الداعمة له للقيام بحرب على لبنان، لكن لا بد من البقاء على حذر من غدر هذا العدو ومن أن يقدم على مغامرة غير محسوبة.
أما في الداخل اللبناني حيث تبذل جهود لحلحلة موضوع الاستحقاق الرئاسي من الداخل والخارج، فإننا نؤكد أهمية أي جهد يبذل ويفضي لإيجاد مخرج نحن أحوج ما نكون إليه لمواجهة التحديات القادمة، ونأمل أن تذلل كل العقبات في هذا الطريق والذي نخشى أن يكون بعيد المنال حتى الآن...
وأخيراً إننا نضم صوتنا للأصوات التي تنطلق على مختلف المستويات مطالبة بعلاج جاد للأزمات المالية، لأننا نخشى إن لم تعالج تداعياتها على استقرار البلد، وبالتراجع عن سلسلة الضرائب الجديدة التي أقرّت من خلال الموازنة والتي لم تأخذ في الاعتبار واقع الناس الذين باتوا بأغلبيتهم الساحقة تحت خط الفقر، ولذلك فإننا ندعو إلى معالجة مختلفة تلحظ واقع الناس ومستقبل البلد واقتصاده وأمنه الاجتماعي