🔷 الهجرة النبوية 🔷
🔸 تأسيس لمرحلة جديدة 🔸
🔸استقبال العام الهجري الجديد :
نستقبل عاماً هجريّاً جديدا من تاريخ هجرة النبيّ (ص) من مكّة إلى المدينة، بعد أن وصلت حالة الضغط الذي مارسه المشركون ضدّ المسلمين إلى مرحلة أصبح من غير الممكن للنبيّ (ص) والمسلمين معه البقاء في مكّة.
ونحن، أيها الأحبة، في أول السنة الهجرية، لا بد لنا من أن نعمل على أساس أن نعطي للزمن معناه في حركتنا وفي تقدمنا لأن الزمن ليس شيئاً مملوءاً؛ بل إن الإنسان هو الذي يصنع الزمن وهو الذي يملؤه، ولا سيما إذا كان يتصل بمناسبةٍ من المناسبات التي تمثل القاعدة التي انطلق الإسلام منها، واستطاع أن يؤسس دولة امتدت إلى أنحاء العالم حتى وصلت إلينا. وعلى هذا الأساس فإنّ أول السنة الهجرية هي بداية تأسيسٍ للحظة زمنية متفردة وهامة؛ لذلك اتفق المسلمون على أن يؤرخوا كل أوضاعاهم وكل قضاياهم في بدايتها.
🔸 تاريخ الهجرة النبوي :
وهكذا، وبعد أن اضطرّ المسلمون للهجرة إلى الحبشة، على دفعتين، اجتمعت خطّة المشركين على اغتيال النبيّ (ص)، وذلك بأن يعهدوا إلى عشرة رجال من عدّة قبائلَ أو جهاتٍ، يقتلونه على فراشه وبذلك يضيع دمه بين القبائل، فلا يستطيع بنو هاشم أن يُطالبوا بدمه. وبات عليّ (ع) في ليلة الهجرة على فراش النبيّ ليغطّي انسحابه، فأنزل الله تعالى فيه قوله: }وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ{ [البقرة : 207].
وخرج رسول الله (ص) وهو يتلو قوله تعالى: }وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ{ [يس : 9]. وانتهى مسيره إلى غار ثور، وتبعه المشركون بعدما اكتشفوا واقع الأمر، واختلفوا على باب الغار؛ لأنّ العنكبوت كانت قد نسجت خيوطها على الباب، وباضت حمامتان على فم الغار، ما جعلهم يستبعدون فكرة دخوله إلى الغار، فقفلوا راجعين. والنبيّ (ص) في داخل الغار يعيش السكينة الروحيّة المنطلقة من الإيمان بالله، كما قال تعالى: (...ِإذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة : 40]
🔸 الهجرة النبوية انتقال من الضعف إلى القوة
وتمثّل الهجرة قاعدةً إسلاميّة في كلّ حالة يضغط فيها الأمر الواقع ليفرض على الإنسان أن يتنازل عن دينه، في عقيدتِه وشريعته وحركيّته.
إنّ الإسلام يريد أن يثير في نفوس العاملين أنّ اضطهاد الدعوة في أحد مواقع العمل، لا يعني استحالة الحركة؛ لأنّ هناك مواقع أخرى للحرّية يُمكن الانتقال إليها من أجل التحرّك بالإسلام إلى آفاق جديدة وانتصارات كبيرة، وربّما للعودة من جديد إلى الموقع الأساس بقوّة أكبر وقدرة أكبر على صناعة التغيير.
وهكذا صنع رسولُ الله (ص) والصحابةُ معه، فقامت في المدينة الدولة الإسلاميّة الأولى، لتصنع للإسلام قوّته، وتؤكّد عزّته، ولتواجه كلّ التحدّيات الداخليّة والخارجيّة، وكان المسلمون في كلّ ذلك الوقت يعيشون التجربة تلو التجربة، حتّى أذن الله ـ في نهاية المطاف ـ بأن يرجعوا إلى مكّة ليفتحوها سلماً بلا قتال، وكان ذلك هو وعد الله عزّ وجلّ: }لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً{ [الفتح : 27].
العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رضوان الله عليه)