21 تشرين الأول 22 - 14:00
ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية رسول الله(ص) لأبي ذر الغفاري الصحابي الجليل حين قال له: "يا أبا ذر: إذا سألت عن علم لا تعلمه فقل: لا أعلمه تنج من تبعته، ولا تفت الناس بما لا علم لك به تنج من عذاب يوم القيامة.. يا أبا ذر يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون: ما أدخلكم النار وإنما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم وتأديبكم؟ فيقولون: إنا كنا نأمركم بالخير ولا نفعله.. يا أبا ذر: لا تنظر إلى صِغَر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت.. يا أبا ذر: إنَّ المؤمن ليرى ذنبَهُ كأنّه تحت صخرة، يخاف أن تقع عليه، والكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مرَّ على أنفه".
أيٌّها الأحبة: إنا أحوج في أيام رسول الله(ص) وفي شهره أن نهتدي بوصاياه لنعبر بذلك عن التزامنا به وحبنا له وسيرنا على هديه، ولنكون أكثر وعياً وقدرة على مواجهة التحديات...
والبداية من الواقع المعيشي والحياتي الذي يعانيه اللبنانيون والذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم بفعل استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار بعدما تجاوز الأربعين ألف ليرة وهو مرشح للزيادة، ولا يبدو أنه سيقف عند حد في ظل عدم الاستقرار على الصعيد السياسي والانهيار الاقتصادي وسوء إدارة المال العام ويضاف إليها ضغوط الخارج وتداعيات التطورات الدولية... والتي لم تعد آثارها تقف عند عدم قدرة اللبنانيين على تأمين احتياجاتهم من الغذاء والدواء والاستشفاء والنقل والكهرباء، بل باتت تداعياتها تهدد أمنهم واستقرارهم وحياتهم بفعل التوتر الذي تحدثه والذي نشهده في تفشي الجريمة وارتفاع معدلات السرقة.
يأتي كل ذلك من دون أن تكون هناك بوادر لعلاج هذا التردي أو التخفيف منه ممن يديرون الواقع السياسي أو المالي...
فالحكومة المطلوب أن تؤلف اليوم قبل الغد والتي يسعى الحريصون على البلد وعلى استقراره لإزالة العقبات أمام تأليفها، فهي لا تزال أسيرة الشروط والشروط المضادة والمصالح المتعارضة من دون الأخذ بعين الاعتبار التداعيات الخطيرة التي قد تنتج عن عدم التأليف، فيما الجلسات المتتالية لم تحدث أي خرق على صعيد انتخاب رئيس للبلاد، ليبقى هذا الملف رهينة الفراغ الذي أصبح أمراً مسلماً به.
إننا أمام هذا الواقع، نعيد دعوة كل القوى السياسية إلى تحمل مسؤوليتها عن الناس الذين أودعوهم مواقعهم ومسؤولياتهم، فمن حق هؤلاء عليهم أن يكون لهم حكومة كاملة الصلاحية وأن يكون لهم رئيس جامع يقود سفينة البلد إلى شاطئ الأمان السياسي والاستقرار الاقتصادي.
وكفى استهتاراً وتلاعباً بمصير هذا البلد، وكفى إغراقاً للبلد بمزيد من الانهيار وللناس بمزيد من المعاناة...
إن من المؤسف أن يكون هناك في النادي السياسي اللبناني من بات يستسهل الشغور على صعيد الحكومة أو رئاسة الجمهورية، ويعتذر لذلك أنه ليس أول مرة التي يحدث فيها مثل هذا الشغور، بل هو مما اعتاد عليه اللبنانيون وقد تكرر سابقاً، متناسين في ذلك أن الشغور هذه المرة يختلف عن كل المرات السابقة داخلياً أو خارجياً، حيث كان البلد لا يزال لديه ما يستعين به لتحمل تبعاته وتداعياته إن في الداخل أو الخارج، ولكن الأمر مختلف اليوم حيث لا مبالاة من الخارج المشغول بأزماته ولا إمكانات وقدرات مالية في الداخل تجعله قادراً على تحمل تبعات الانهيار الشامل...
ومن هنا فإننا نقف مع أي حوار يجري بين اللبنانيين وندعو إليه، بصرف النظر عن المكان الذي يجري فيه هذا الحوار، وحتى عن الجهات التي تحث عليه، ونراه الطريق الأسلم لإنجاز الاستحقاقات وتيسير عجلة الدولة وحل الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون.
ونبقى على صعيد ترسيم الحدود البحرية، فإننا في الوقت الذي ننوه بالإنجاز الذي حصل، فإننا ندعو إلى إبقاء الحذر إلى حين انجلاء الصورة عما جرى بالكامل إن على صعيد نص الاتفاق أو ما قد يقوم به العدو على أرض الواقع، وفي الوقت نفسه العمل جدياً للإسراع بالخطوات التي تضمن استفادة لبنان من هذه الثروة سواء على صعيد الإسراع بالبدء بالتنقيب أو تأمين عدم ضياع هذه الثروة كما ضاعت الكثير من مقدرات هذا البلد.
ونبقى على صعيد العراق، فإننا نأمل أن يكون اختيار رئيس للحكومة ورئيس للجمهورية في العراق بداية الطريق لحل يضمن إخراج هذا البلد العزيز من معاناته الطويلة التي هددت كيانه واستقراره، وأن تعود إليه منعته وقوته التي هي قوة له وللعرب والمسلمين جميعاً، وذلك باستكمال الخطوات التي تجري لتأليف حكومة جامعة نريدها أن تكون لكل أطياف الشعب العراقي ومكوناته.
وعلى الصعيد الفلسطيني، فإننا نشعر بالاعتزاز أمام التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني في مواجهة غطرسة العدو وبطشه، بعد العمليات النوعية الأخيرة وأخرها العملية البطولية للشهيد عدي التميمي التي استطاعت أن تربك الكيان الصهيوني وتجعله يشعر بالخطر والخوف على كيانه من تنامي روح المقاومة في الضفة الغربية والقدس رغم كل أساليب الضغط والإرهاب والقتل التي يمارسها عليه.
ونحن على هذا الصعيد، ننوه باللقاء الأخير الذي حصل في دمشق والذي أعاد الروح إلى العلاقات بين حماس وسوريا، والذي سيساهم تفعيله في تعزيز الموقف العربي في مواجهة الفتن الداخلية والمخططات الخارجية، ودعم القضية الفلسطينية في مواجهة الكيان الصهيوني الذي يواصل عدوانه في شكل متواصل على الأرض العربية في فلسطين وسوريا.