أكد سماحة العلامة السيد علي فضل الله على ضرورة التمسك بكامل حقوقنا النفطية والغازية التي يحاول العدو من خلال مناوراته ومماطلته ومؤامراته ان يسلبنا إياها ما يتطلب منا ثباتا واصرارا على الموقف الواحد لمنعه من تحقيق أهدافه معتبرا ان لبنان قادر على تحقيق ذلك بما يمتلكه من قوة داعياً الأطراف السياسية إلى الكف عن العبث بمستقبل هذا الوطن من خلال استغراقها في الحصول على مكاسب فئوية وخاصة ما يهدد البلد بحال من فراغ يفتح أبواب المستقبل على المجهول السياسي والأمني..
كلام سماحته جاء في الحفل التأبيني الذي أقيم في حسنية عيناتا بمناسبة أربعين يوما على وفاة سماحة السيد علي عبد اللطيف فضل الله وجاء في كلمته:
لا يزال الحزن الذي عشناه يوم غادرنا السيد علي إلى رحاب ربه يمتد عميقاً في نفوسنا، فقد فقدنا قيماً وفضائل وعلماً ونشاطاً وحركة فاعلة اشعرتنا بحجم الخسارة التي حلت في مجتمعنا بغيابه، وبمساحة الفراغ الذي تركه، والذي لم يقف عند حدود عائلته الصغيرة أو أبناء بلدته بل توسعت إلى كل المساحات التي أكد حضوره فيها، حاملاً هموم الناس وآلامهم ومعاناتهم، فكان صوتهم والمعبر عنهم، لا تأخذه في احتضانه للمستضعفين لومة لائم فلم يوفر جهداً أو حركة أو علاقة لتقديم العون لفقرائهم ومساكينهم ومرضاهم ومسنيهم لاسيما في الأيام الصعبة التي كانوا يحتاجون فيها إلى مد يد العون إليهم...
لقد كان حاضراً بقوة في قضايا أمته، ليرفع من شأنها ويعزز من موقعها، لذا وقف في الخط الأمامي مدافعاً عن وطنه في مواجهة الاحتلال يوم وقفت المقاومة في مواجهته لتحرير الأرض وحماية الاستقلال، وحيث فلسطين كانت البوصلة التي يهتدي بها في المنطلقات والمواقف، وفي الوقت نفسه كان جريئا في مواجهة الفساد والظلم الداخلي، وكان قبل كل شيء يعيش الإسلام رؤية ومنهجا في كل توجهاته معبراً عن القيم الروحية والأخلاقية والرسالية والإنسانية التي جاءت بها الرسالات السماوية واكتملت برسول الله(ص)، وعلى هذا الخط جاء عمله الدؤوب للوحدة الداخلية وللوحدة الإسلامية وللقاء الإسلامي المسيحي.. وفي التصدي لظواهر التعصب والغلو والتطرف، أما جبل عامل هذا الجبل الأشم فقد أولى تاريخه وحاضره العناية التامة، وهل ننسى دوره في إبراز المعاني العلمية والوطنية والقومية والإسلامية الحضارية لهذا الجبل .
إننا لم نحضر اليوم إلا لنقدر كل هذا الجهد والتعب والتضحية التي بذلها لأجل تحقيق هذه الأهداف الكبرى والتي كان مهموما به طوال حياته..
أيها الأحبة:
إننا معنيون دائما بشكر من كان له دور في حياتنا والامتنان لهم.. بان لا ننساهم لا نكف عن تقدير معروفهم وعطائهم حتى يبقى ذكرهم حياً ليكونوا القدوة التي يحتذى بها في التعامل مع قضايا الحياة والإنسان...
ان الوفاء للسيد علي هو وفاء للخط الذي آمن به وأخلص له والذي يأتي استمرارا لخط أجداده وآبائه وللسيد(رض).. خط الإسلام الذي يسمو بالإنسان روحا وخلقا وإنسانية ليكون إنسان الله، خط الإسلام الذي يستند إلى العقل والعلم والمنطق ليصنع إنسان العصر الذي يواجه مشكلاته وشبهاته بكفاءة وجدارة، خط الإسلام الذي يواجه الاحتلال والتبعية ويقارع الطغيان والفساد.. فلا يفرق بين ظلم وظلم وبين فساد وفساد كما نفرق نحن.. الخط الذي يرفض الذل والخنوع والانكسار امام الآخر لأنه يملك قوة أو مالاً أو موقعاً.. الخط الذي يدعو إلى الحق ولو كان على حسابه.. الخط الذي يدعو إلى العدل للجميع لا يميز بين أحد وأحد وبين جماعة وجماعة مهما كانت طائفته او مذهبه الخط الذي يأمرنا بمد جسور التواصل مع الاخر لتعزيز المشتركات في مواقع اللقاء والحوار في مواقع الاختلاف.. الخط الذي يتطلع إلى صناعة وحدة وطنية راسخة تقوم على القيم الإنسانية الجامعة وتستند إلى ما يلبي المصالح المشروعة لجميع الفئات.. وحدة وطنية تحفظ استقرار بلداننا وازدهارها ومنعتها وهي وحدة لن تجد لها أفقا إلا بتعزيز الوحدة الإسلامية وتمتين اللقاء الإسلامي المسيحي ومد الجسور مع الاتجاهات الفكرية والثقافية...
نحن هنا إذ نركز على الوحدة بأبعادها المختلفة فلان تجاربنا المرة علمتنا أن العدو لطالما حقق أهدافه في النيل من مجتمعنا من خلال العبث بهذه الوحدة ..لذا لم يكن مستغربا أن يتمسك السيد علي بهذا النهج في كل مساره وعلاقاته ومواقفه، كان هاجسه أن يرسخ مفهوم الوحدة لا في المناسبات او للمجاملات، بل لأنه كان يعتبرها شرط وجود للوطن والأمة، لذا كنا نشهد هذا الحرص الدائم والعمل المتواصل من السيد علي وفي كل لقاءاته لنزع جذور الفتنة من العقل والمشاعر والسلوك وعلى هذا الأساس رسخ علاقاته مع الجميع مذاهب وطوائف وأولى اهتماما خاصا لعلاقات قوية مع أهلنا الفلسطينيين وكان في هذا التوجه يعزز المنعة الداخلية في مواجهة العدو الصهيوني الذي لا يزال يحتل الأرض ويستبيح البر والجو والبحر ويطمع بثرواتنا النفطية والغازية.. ونحن اليوم نؤكد من جديد موقفنا المتمسك بكل حقوقنا التي يعمل العدو من خلال مناوراته ومماطلته ومؤامراته ان يسلبنا هذه الحقوق ما يتطلب منا ثباتا واصرارا على الموقف الواحد لمنع العدو من تحقيق أهدافه ولبنان بما يمتلكه من قوة قادر على تحقيق ذلك.
أما على المستوى اللبناني العام، فإننا نقول كفى عبثا بمستقبل هذا الوطن من خلال هذا الاستغراق في الحصول على مكاسب فئوية هنا وهناك ما يهدد البلد بفراغ يفتح أبواب المستقبل على المجهول السياسي والأمني..
وأخيرا إننا نقول للسياسيين الناس.. الناس مسؤوليتكم الناس في فاقه وعوز وحاجة فلا تتهاونوا في تأمين حاجاتها أو توفير الأمن لها بعد أن أخذت الفوضى الاجتماعي تتسع سرقة وقتلا وعدوانا..
أيها الأحبة:
أن من مسؤوليتنا ابقاء عيناتا مقصدا للعلماء والشعراء والأدباء ومنارة في جبل عامل وعلى صعيد الوطن كما كانت طوال تاريخها.