ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الرضا(ع) أحد أصحابه، وهو علي بن شعيب، عندما قال له: "يا علي من أحسن الناس معاشاً؟ قلت: يا سيدي أنت أعلم به مني. قال(ع): يا علي من حسن معاش غيره في معاشه. ثم قال: يا علي من أسوأ الناس معاشاً؟ قلت: أنت أعلم، قال: من لم يعش غيره في معاشه.. يا علي: يا علي إن شر الناس من منع رفده، وأكل وحده، وجلد عبده"...
لقد أراد الإمام(ع) من خلال وصيته هذه التي هي وصية لكل واحد منا، أن يبين لنا أن الطريق إلى السعادة التي يسعى إليها كل إنسان لا تصل للأنانيين الذين يعيشون في الحياة لذواتهم ولمصالحهم ولحساباتهم ولا همَّ لهم بما يجري من حولهم، السعادة هي للذين يتركون أثراً طيباً في حياة الناس كل الناس يعيشون آلامهم وآمالهم وطموحاتهم ويعملون في الليل والنهار ليزرعوا البسمة على الشفاه والسرور في القلوب ويكونون سنداً لكل مظلوم ومغموم ومهموم وعند حاجة كل محتاج..
هؤلاء هم من وعوا حقيقة الحياة وبهم تنمو وتستمر وبذلك نصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات...
والبداية من الاستهداف للثروة الغازية والنفطية للبنان من قبل العدو الصهيوني باستقدامه للسفينة التي تضم وحدة إنتاج الغاز الطبيعي والتي تسمح باستخراج الغاز في خلال ثلاثة أشهر من حقل كاريش، من دون أن يأخذ في الاعتبار الخرائط التي قدمها المفاوض اللبناني، والتي أثبت من خلالها دخول هذا الحقل في إطار السيادة اللبنانية، فيما أدار العدو الصهيوني ومعه المفاوض الأمريكي الظهر لها، حتى أنه لم يتم الإقرار بأن هذا الحقل هو موضع نزاع، وهو في ذلك استفاد من تلكؤ الدولة اللبنانية في القيام بمسؤوليتها في تقديم الوثائق التي تملكها لتثبيت حدود سيادتها البحرية إلى الأمم المتحدة لتعديل ما كان وارداً لديها على هذا الصعيد، ما أضعف الموقف اللبناني على الصعيد الدولي وبدا معه غير موحد.
ومن المؤسف أن يجري هذا التلكؤ في وقت كان العدو الصهيوني ومنذ سنوات يعمل على التنقيب في المنطقة التي هي من حق لبنان واللبنانيين ورغم إعلانه المسبق عن استقدام سفينته التي ستتولى الاستخراج بعد الفراغ من التنقيب...
إن من حقنا ومن حق اللبنانيين أن يتساءلوا عن الأسباب التي أدت إلى كل هذا التباطؤ والمستمر حتى الساعة، ونرى أن من واجب المعنيين بالتفاوض أن يقدموا للبنانيين الجواب الكافي والمقنع عن أمر ليس من حق أحد التفريط به.
ومن هنا فإننا ندعو الدولة اللبنانية إلى أن تستدرك هذا الخطأ، بالعمل بكل جدية ومسؤولية للإسراع في القيام بالإجراءات الكفيلة التي تضمن تثبيت حدود السيادة اللبنانية من دون أي تفريط بأية نقطة ماء وبالثروة الحيوية للبنانيين، وأن لا يكون الاعتبار في ذلك إلا مصلحة لبنان واللبنانيين التواقين إلى ما ينقد بلدهم.
إننا نريد للدولة اللبنانية أن لا تتعامل مع هذا الأمر السيادي على كل الصعد من موقع الضعف أو الاستجداء، بل من موقع الحق والقانون، ومن موقع القوة التي يمتلكها اللبنانيون والتي أثبتت أنها قادرة على أن تجعل العدو يحسب ألف حساب قبل إقدامه على أي مغامرة تمس سيادة هذا البلد إن في البر أو البحر.
وهنا ننوه بكل المواقف الإيجابية التي أشارت إلى حق اللبنانيين باستعمال كل الوسائل الكفيلة بحفظ هذا الحق.. وندعو إلى تكامل هذه المواقف لتشمل كل القوى السياسية، لنؤكد لكل الذين يراهنون على اللعب على انقسام اللبنانيين، أن اللبنانيين يقفون صفاً واحداً عندما يتعرض البلد لاعتداء أو تُمس سيادته وثروته الوطنية... ولتجمد لأجل ذلك كل الخلافات والمناكفات والصراعات التي تضج بها الساحة اللبنانية والابتعاد عن أسلوب المزايدات، لينطلق الجميع صفاً واحداً لمواجهة هذا العدوان الجديد على ثروات لبنان بما يمس مستقبله ومستقبل اللبنانيين..
ونبقى على صعيد الاستحقاقات القادمة، لندعو المجلس النيابي بكل هيئاته وبعد اكتمال عقده إلى ورشة عمل يتعاون فيها الجميع هي مطلوبة على الصعيد التشريعي والرقابي، وأن لا يغرق في حسابات الربح والخسارة لهذا الفريق أو ذاك، وندعو في الوقت نفسه إلى الاستعداد للقيام بدور ريادي على صعيد الاستحقاق الحكومي.
ونحن على صعيد هذا الاستحقاق المنتظر، ندعو إلى عدم التباطؤ والإسراع بالبدء بالاستشارات اللازمة لتأليف الحكومة القادرة على القيام بالمسؤوليات في هذه المرحلة الخطيرة التي يواجه فيها البلد الكثير من التحديات، لأن أي تأخير على هذا الصعيد ستكون فاتورته مرتفعة جداً ويدفع ثمنها اللبنانيون الذين لم يعودوا قادرين على تحمل الواقع الاقتصادي والمعيشي الذي وصلوا إليه والذي يمس لقمة عيشهم ودواءهم وسبل استشفائهم وتنقلاتهم وتأمين مقاعد الدراسة لأولادهم، أو تحمل كلفة الكهرباء والمحروقات وغير ذلك...
وهنا نخشى من الحديث المتزايد عن عدم القدرة على تأليف الحكومة وإبقاء الوضع على ما هو عليه.
ونبقى على صعيد الداخل، لننوه بالجهد الذي بذله ويبذله الجيش في ملاحقته كل الذين يبثون سموم المخدرات في جسد هذا الوطن والذي أصاب ويصيب الكثير من أبنائه، والتي تجاوزت حدوده إلى أوطان أخرى وتسببت في الإساءة إلى سمعة لبنان واللبنانيين والمس بصورة البلد...
إننا أمام ذلك، نؤكد على الجميع بضرورة الوقوف في هذه الخطوة مع الجيش والقوى الأمنية والتي يستفيد منها لبنان بكل مكوناته، لأن كل اللبنانيين خاسرون عندما تنتشر هذه الآفة في هذا البلد، في الوقت الذي ندعو الجيش وكل القوى الأمنية أن يكونوا على قدر آمال أهالي المناطق التي تجري فيها ملاحقة المطلوبين في تحمل المسؤولية الأمنية وبالصورة التي نعهدها منهم، ولتبقى هذه الصورة ناصعة في أعين كل اللبنانيين.
ونحن على هذا الصعيد نؤكد ما كنا قلناه سابقا من أنه لا يكفي الاستناد إلى القوة الأمنية لاستئصال هذه الآفة، بل لا بد من رفدها في شكل متواز بالتوجيه والتربية بالعمل على توفير فرص العمل، والقيام بالمشاريع الإنمائية من زراعية وصناعية بل وسياحية وخدماتية، وتأمين أبسط مقومات العيش الكريم في المناطق التي تنتشر فيها.