اسمه رعد. يتناسب الاسم تماماً مع صنيعه. أما شكله، وصفاته، فالأمر محيّر للغاية. ابن مخيم جنين الذي كان قد عايش المجزرة الصهيونية التي ارتُكبت فيه مطلع انتفاضة الأقصى عام 2002، عاد بعد عشرين عاماً، كي يصفّي حساباً طال وقت سداده. ابتدأ ابن 29 عاماً، مراسم انتقامه، في تمام الساعة التاسعة من مساء أول من أمس الخميس. أشهر سلاحه، أطلق الرصاص بقدر كبير من الحرفية والثبات، وأردى ثلاثة رجال، اتضح لاحقاً أن اثنين منهم خدما في وحدة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال، وأصاب أكثر من عشرة آخرين.
المشهد الأخير
فجر أمس، عقب صلاة الفجر، وفي مسجد قديم يطلّ بابه على شاطئ يافا، كشف عن الجانب الآخر من المشهد، بعد عشر ساعات من المطاردة، فرض فيها إيقاعه الخاص على كبرى مدن العمق. هناك، وعلى بعد يزيد على 9 كيلومترات عن نقطة الهجوم الأولى، صلّى ابن المخيم الذي دمر جيش الاحتلال كافة منازله قبل عشرين عاماً، الفجر. ارتاب مجموعة من جنود "الشاباك" منه، طلبا منه التوقّف، وتسليم نفسه، لكنه قرّر أن تكون الخاتمة كما اشتهى تماماً. وبما تبقّى في سلاحه من رصاص، خاض اشتباكه الأخير.
الغامض حتى رحيله
ليس فصل التخفّي الطويل قياساً بمنظومة الرقابة التكنولوجية في دولة الاحتلال، هو الفصل المثير فقط في فعل رعد، بل إن سمْته الهادئ، وهيئته الأنيقة، وشخصيته العلمية ذات القدرات الخارقة في مجال البرمجة والحاسوب، كلّ ذلك بدا مُفارقاً لدرامية فعله الكبير.
هو ابن مخيم جنين، مختصّ في مجال برمجة الكمبيوتر وأمن المعلومات. وخلافاً لكلّ الشهداء الذين سبقوه، لا يمتلك الشاب الأعزب، حساباً عبر أيّ من مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يترك أيّ إشارة تدلّ على انتماءٍ حزبي، غير أنه من عائلة مقاومة بالوراثة؛ إذ استشهد خاله عثمان السعدي خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وخاله محمد السعدي خلال اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال مطلع التسعينيات.
كما أن خاله الآخر محمود، قيادي بارز في حركة "الجهاد الإسلامي". ويشير السعدي إلى أن ابن أخته كان شاباً ودوداً ومحبوباً من الجميع، متسامحاً في حقوقه، ومتنازلاً على حسابه الشخصي لإنهاء أيّ خلاف، وكان قد زاره قبل أسبوع من تنفيذ عمليته، وطلب منه أن يتدخل لينهي خلافاً وقع مع أحد أبناء المخيم.
أما والده فتحي، الذي يعمل ضابطاً في الأمن الوطني، فقد قال في وصف ابنه: "كان شاباً خلوقاً، سمحاً، مصلياً، مرضياً وباراً بوالديه، وكان يتمتع بذكاء خارق في مجال الحاسوب، وفّر له دخلاً مادياً جيداً، كان يجيد توظيفه في إعانة إخوته، والتصدق على الفقراء والمحتاجين".
هكذا، احتفظ رعد، بكلّ مداده الثوري والإيماني في داخله، إذ لم يترك أيّ علامة تشير إلى انتماءٍ حزبي، فيما تفيد استخبارات الاحتلال بأن سجله الأمني "نظيف"، أي لم يسبق له أن اعتُقل، أو مارس نشاطاً حزبياً. لقد بدأ الشاب الحدث في داخله منذ عشرين عاماً، وطبّقه واقعاً كما رسمه تماماً.