بسم الله الرحمن الرحيم
المكتب الإعلامي لسماحة العلامة التاريخ: 17صفر 1443هـ
السيد علي فضل الله الموافق: 24أيلول2021 م
ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام الرضا (ع)، هذا الإمام الذي نستعيد ذكرى وفاته في السابع عشر من شهر صفر عندما قال: "من أحبّ عاصياً فهو عاص، ومن أحبّ مطيعاً فهو مطيع، ومن أعان ظالماً فهو ظالم، ومن خذل عادلاً فهو ظالم، إنّه ليس بين الله وبين أحد قرابة، ولا ينال أحد ولاية الله إلّا بالطاعة، ولقد قال رسول الله (ص) لبني عبد المطّلب: ائتونِي بأعمالكم، لا بأحسابكم وأنسابكم"..
فلنتوصّ بوصيّة هذا الإمام، فنبدي مشاعر الحبّ لمن أطاع الله وأحبّه لا لمن عصاه، وأن لا نعين ظالماً في ظلمه، ونقف مع كلّ من يعمل للحقّ والعدل وفي خدمة عيال الله، وعندما نأتي الله، أن نأتيه كما أمر أن يؤتى، بأعمالنا ومواقفنا، لا بأحسابنا وأنسابنا، فلا ينال ما عند الله إلا بالورع والعمل.
وبذلك وحده نخلص لهذا الإمام، ونكون جديرين بالولاية له، وأقدر على مواجهة التحدّيات.
والبداية من لبنان الذي حدث فيه ما كان متوقعاً من نيل الحكومة ثقة المجلس النيابي بناء على بيانها الوزاري بما يجعل الحكومة في مواجهة امتحان عسير أمام اللبنانيين الذين يعانون على الصعيدين المعيشي والحياتي، وينتظرون المعالجة السريعة لأزماتهم الملحة..
إن اللبنانيين لا ينتظرون من الحكومة أن تعالج كل الأزمات ولكنهم يريدون أن يروها جادة في معالجتها، وأن لا يقتصر دورها على المسكنات، وهي وإن حظيت بالثقة من المجلس النيابي، إلا أن الأهم أن تستكملها بالثقة من الشعب اللبناني وهم لن يعطوها الثقة إن لم يروا فيها الجدية والشفافية والوقوف إلى جانبهم والشعور بآلامهم والسعي لمعالجتها....
إننا نخشى مع اللبنانيين أن تكون هذه الصورة التي رأيناها في جلسة الثقة ومشهد القلوب "المليانة" من بعضها البعض هي التي ستشهدها أروقة مجلس الوزراء وتؤثر على أداء الحكومة، وأن تكرر هذه الحكومة ما عهدناه من توقف الكثير من المشاريع الضرورية للبلد بسبب المشاحنات فيما بين مكوناتها..
إننا ننتظر من القوى السياسية أن تكون بمقدار آمال المواطنين بأن تراجع أداءها وتسارع إلى تقديم إنموذج من العمل السياسي وفي التعامل مع كل الملفات المطروحة بعيداً عن المماحكات والمناكفات والمحاصصات والحسابات الفئوية الخاصة والتي أوصلت اللبنانيين إلى هذا الدرك الذي وصلوا إليه..
إننا قلناها سابقاً ونقولها اليوم: إن أمام القوى السياسية فرصة ثمينة لتصحيح صورتها التي تشوهت في أذهان اللبنانيين، ولا سيما إنها قادمة على امتحان الانتخابات الذي قد يكون عسيراً عليها إن بقيت على الصورة التي هي عليها، وهم ينتظرون منها أفعالاً لا أقوالاً، وأعمالاً لا وعوداً، وشد عصبهم لن يكون باستنفار غرائزهم الطائفية والمذهبية، بقدر ما يكون بمبادرات يقدمون بها حلولاً للأزمات التي يعانون منها أو على الأقل التخفيف منها..
إننا أمام ذلك كله نؤكد على اللبنانيين جميعاً أن يكونوا على حذر وألا يصيبهم أي استرخاء على المستوى الأمني، لأننا نخشى مما يحصل من حوادث ومن اكتشاف لشبكات وخلايا إرهابية من جهة، ومن فراغ أمني يصيب الأجهزة الأمنية جراء انعكاس الوضع الاقتصادي عليها ما يؤثر على نوعية أدائها.. ونحن في الوقت الذي نقدر للأجهزة الأمنية دورها الذي تقوم به على هذا الصعيد ندعو للانتباه والحذر الشديد، وليكن الجميع خفراء في ظل صعوبة المرحلة وقلة الإمكانات المتوافرة. كما نؤكد على دعم القوى الأمنية بكل ما هو متاح وممكن لتكون حاضرة أمام التحديات والمخاطر القادمة..
في هذا الوقت نريد للحكومة أن تسارع الخطوات في تعزيز علاقات لبنان مع محيطه العربي والإسلامي وكل الدول التي تريد خيراً لهذا البلد، بأن تزيل أجواء التوتر الموجودة وتمحو من الأذهان الصورة المشوهة عن هذا البلد بسبب الفساد والهدر والتي جعلت البعض لا يقدم المساعدات للدولة اللبنانية لعدم الوثوق بها، بل لأطراف أخرى من الداخل من جمعيات أو مؤسسات أو تباشر ذلك بنفسها.. في بلد يحتاج إلى مساعدات للنهوض بواقعه على كل الصعد وإلى أن يتحقق ذلك وتقوم الدولة بدورها، فإننا ندعو اللبنانيين إلى مزيد من التضامن والتكافل والتعاون لسد احتياجاتهم سواء على صعيد الغذاء أو الكهرباء والدواء أو النقل أو الاستشفاء أو غير ذلك.. ونحن نعتقد أنه بهذا التعاون يمكنهم أن يحلوا الكثير من مشاكلهم..
ونبقى على صعيد القضاء لنؤكد مجدداً ضرورة العمل على تعزيز استقلاليته، فهو صمام الأمان لأي بلد، وهذا يتم بإبعاده عن دائرة الشبهات والتدخلات الاستنسابية وعدم المهنية...
ونحن في هذا الإطار أيضاً، نؤكد على ضرورة عدم التسرع في كيل الاتهامات لهذا الشخص أو ذاك الفريق، قبل إصدار الأحكام والتثبت من صدقيتها، حتى لا نكون مصداقاً لقوله تعالى: {فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}...
ونصل إلى موضوع ترسيم الحدود الذي بات على نار حامية من خلال إعلان العدو إفساح المجال لشركة أميركية للتنقيب في المناطق المتنازع عليها والتي يعتبرها لبنان ضمن نطاقه السيادي، لنؤكد على وحدة الموقف اللبناني في مواجهة العدو وعدم السماح للمشاكل الداخلية أن تكون سبباً في استضعاف العدو للبنانيين، فالتنازل عن جزء قليل من الحقوق يدفع للتنازل عن الكثير وهو ما يعلنه الجميع، وهو ما ندعو للثبات عليه في مواجهة أطماع العدو وأهدافه.