بسم الله الرحمن الرحيم
المكتب الإعلامي لسماحة العلامة التاريخ: 6 شعبان 1442هـ
السيد علي فضل الله الموافق: 19 اذار 2021 م
ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام زين العابدين(ع) لنا، عندما قال: "إنَّ أحبكم إلى الله تعالى أحسنكم عملاً، وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم عند الله رغبة، وإن أنجاكم من عذاب الله سبحانه أشدكم خشية لله سبحانه، وإن أقربكم من الله عز شأنه أوسعكم خلقاً، وإن أرضاكم عند الله جل جلاله أسعاكم على عياله، وإن أكرمكم على الله عز وجل أتقاكم لله سبحانه وتعالى"..
فلنتوصى بوصية هذا الإمام، فنكون الأحسن عملاً وعلماً وخلقاً وتقوى وسعياً لعون عيال الله، وبذلك نعبر عن حقيقة إخلاصنا وولائنا له ونكون أكثر قدرةً على مواجهة التحدّيات...
والبداية من لبنان الذي يمر بمرحلة هي من أصعب المراحل في تاريخه على كل الصعد، فعلى الصعيد المعيشي أدى الارتفاع غير المسبوق في سعر صرف الدولار الأمريكي إلى عدم قدرة اللبنانيين تأمين أبسط مقومات حياتهم من الدواء والغذاء والاستشفاء والسلع الضرورية وحتى بلغ الشح حليب أطفالهم في بلد يعتمد على 90% من احتياجاته من الخارج..
وهنا يتساءل اللبنانيون؛ ما هو السبب في هذا الارتفاع السريع، هل هو اقتصادي أو الشجع لدى من يديرون الوضع المالي أو هو يستخدم في إطار الصراع السياسي.. لقد أثبت الانخفاض الذي حصل في سعر صرف الدولار أن للبعد السياسي دوراً أساسياً في ارتفاع سعر صرف الدولار..
وما زاد الطين بلة على هذا المستوى ، هو ارتفاع أسعار المحروقات بكل تداعياته، وهو المرشح أن يتضاعف أضعافاً في ظل الحديث عن رفع الدعم عنه في الأيام القادمة..
أما على الصعيد الأمني، فإننا نخشى مع الكثيرين من انفلات الشارع بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية ومن تداعيات قطع الطرقات وما قد يتسبب به من توترات بين المواطنين، والتي قد تأخذ طابعاً طائفياً ومذهبياً كما حصل في الأيام الماضية..
أما على الصعيد السياسي، فلا تزال الطبقة السياسية على حالها من اللامبالاة لكل ما يجري وكأن الناس ليسوا ناسها وهم ومن أودعوهم مواقعهم، فلا تتحرك بمعالجة جادة للأزمات التي تجري، بل تكتفي في ذلك بتقاذف المسؤوليات وتبادل الاتهامات، فكلٌّ يضع المسؤولية على الآخر من وصول البلد إلى ما وصل إليه ولا أحد مسؤول، ويتم الاكتفاء بمسكنات لا تسمن ولا تغني من جوع..
فيما القيادات المعنية بتشكيل الحكومة لا تزال حتى الآن عند مواقفها وشروطها ورهاناتها، وليست على استعداد للتراجع عن سقوفها السياسية وحساباتها الخاصة ومصالحها الفئوية التي تضمن تأليفها...
إننا نقول لكل المعنيين؛ ألا يحرك كل ما يجري ضمائركم، ما النفع إن ربحتم وزارة أو أمسكتم بقرارها وسقط البلد.. عودوا إلى وطنيتكم وإلى الأديان التي تمثلونها وإلى إنسانتيكم وفكروا بمن لا يجدون دواء وطعاماً وشراباً، أو من يعيشون على العتمة لا يجدون ما يستضيئون به أو من الذين لا يقدرون على الدخول إلى المستشفى أو أن يدفعوا أقساط المدرسة أو الجامعة لأبنائهم، أو لا يستطيعون أن يرسلوا إلى أبنائهم ما يؤمن حاجاتهم في استمرار تحصيلهم العلمي في الخارج..
وإذا كان هناك منكم من لا يزال يفكر بالخارج لاجتراح الحلول، فالخارج ليس جمعية خيرية وهو لن يساعدكم إن لم تساعدوا أنفسكم، وأنتم قادرون على معالجة أزمات هذا البلد أو التخفيف منها، ولستم عاجزين، لكن ذلك لن يحصل إن بقيتم تقدمون مصالحكم وطموحاتكم على حساب مصالح البلد وإنسانه..
إن عليكم ألا تراهنوا أن الناس استكانت، فهي إن لم تخرج كما ينبغي إلى الشارع أو الساحات أو إلى مواقعكم، فهم يختزنون آلامهم ومعاناتهم والتي ستنفجر يوماً ما، والويل لكم من صولة الجائع وصرخة الملهوف..
إننا نراهن على بصيص أمل بدأ يبدو، ونأمل أن لا يخبو سريعاً، بأن يكون من يمسكون بقرار تشكيل الحكومة اقتنعوا ووعوا أن الاستمرار بالتعنت وبقاء كل على موقعه سيسقط الهيكل على رؤوس الجميع.. إننا نجدد التأكيد أن البلد لا يُحكم بالنبرات العالية ولا بالأسقف المرتفعة ولا بالغلبة والاستقواء، بل بالحوار..
ونتوقف عند الموضوع الصحي الذي ينبغي أن يبقى هاجس المواطنين لتداعياته الخطيرة على حياتهم وصحتهم، فنحن نخشى أن يؤدي فتح البلد على مصراعيه دونما أية ضوابط ومن دون الأخذ بأسباب الوقاية ومراقبة جادة من الدولة، إلى تفاقم الأزمة والصحية ما يتطلب العودة إلى الإقفال مجدداً مما لا يتحمله اللبنانيون..
وأخيراً إننا في عيد الأم نتوجه إلى كل أمهاتنا اللاتي يملأن حياتنا عطفاً وحباً وحناناً ورعاية وتضحية، بالشكر والتقدير والامتنان على ما بذلن ويبذلن، ولن نستطيع أن نبادلهن جميلهن بجميل مهما قدمنا وفعلن لهن، فهنيئاً لكل أم بما قدمت وتقدم وستقدم.. يكفيها أن الجنة تحت قدميها، وهنيئاً لكل من قدّر هذا العطاء وعمل على مكافأته بكل ما يملك والويل لمن قصر في ذلك..