رصاص من كلِّ مكان، خوف ولهاث ودقات قلبٍ تتعالى، تمتدُ الأيدي لسحبهِ من براثن الموت، فيجنُّ إطلاق النار صوبهم.. كادوا يعيدوه إلى الأرض التي أحبَّ، لكن الرصاص بدأ يخترق أجسادهم، فلم يعلموا أينقذوا الجثمان أم من حاول إنقاذه!
أوصل الشباب الشجاع المصاب إلى بر الأمان وعادوا لجثمان الشهيد ثانيةً وكأنَّ روحه تناديهم، لكنَّ جنازير جرافة الاحتلال سبقتهم، وقطعّت قلوبهم وهي تقطع أوصاله بنصلها، وتطحن جسده في مشهدٍ علق في ذهن كل فلسطيني وكل حرَّ في هذه الدنيا.
مشهد مؤلم يلخص لحظة انتشال جثمان الشهيد المجاهد محمد الناعم (27 عامًا) شرق مدينة خانيونس الذي اختطفته أنياب جرافة تابعة لجيش العدو بشكل إجرامي مدان في كل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية والشرعية والأخلاقية.
بداية المشهد المؤلم
وقعت الحادثة الاجرامية الصهيونية صباح اليوم الأحد (23-2-2020) أثناء اقتراب شابين من السياج الفاصل شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، لتستقبلهم دبابة بقذيفة ووابل من الرصاص الثقيل الذي اخترق أجسادهم.
في هذه اللحظات خرج الشاب علاء قديح برفقه أشقائه الذين يسكنون قرب السياج الفاصل شرق خانيونس ليتفقدوا مصدر اطلاق النار، ليقول أحد المزارعين لهم "هناك شهيد واصابة على الحدود"، ركض علاء ومن معه تجاه الشابان وما أن اقتربوا منهما أطلقت دبابة صهيونية عليهم وابلًا من الرصاص الثقيلة.
لجأ علاء ومن معه إلى تلة صغيرة من الرمال والطين لتحميهم من رصاص الدبابة الصهيونية ، وبعد ثوانٍ من توقف الرصاص ركض علاء ومن معه مسرعين وسط اطلاق النار، لكن وعورة المكان أسقطتهم أرضًا وهم يحاولون الركض بجثمان الشهيد وفي تلك اللحظة أصيب أحد المنقذين في قدمه برصاصة جندي صهيونية.
وما أن أصيب أحد المنقذين حتى ترك البعض جثمان الشهيد ونقلوا المصاب لمكان آمن، في تلك اللحظة توغلت جرافة ودبابة صهيونية في الأراضي الزراعية شرق خانيونس لسحب جثمان الشهيد واحتجازه قبل أن يعود الشبان.
جرافة تقطع جثمان الشهيد محمد الناعم
حاول بعض الشبان الركض بسرعة كبيرة تجاه جثمان الشاب، وبدأت دقات قلوبهم تتسارع مع كل خطوة، وما أن أمسك الشبان بجثمان الشهيد ليسحبوه حتى هاجمتهم جرافة وخطفت الجثمان من أيديهم.
ووقف الشبان يشاهدون المنظر وعيونهم تبكي دمًا، ودقات قلوبهم تخفق بسرعة عالية، في مشهد مرعب جدًا، حيث شرعت الجرافة بتقطيع جثمان الشهيد محمد الناعم بنصلها وتطحن جسده الطاهر في تراب الوطن.
علاء أبودقة الذي روى تفاصيل مشهد الجرافة وجثمان الشهيد محمد الناعم قال وهو يبكي حرقة وألمًا على ما شاهده: "من شوا خايفين من واحد ميت كوم لحم قدامهم اشي بخوف والله".
بكاء والدة الشهيد
وما أن وصل خبر استشهاد الشاب محمد الناعم إلى والدته "أم حسن" حتى ذرفت الدموع وبكت بحزن عميق مستذكرة الليلة الأخيرة التي قضاها بجانبها مع زوجته وطفله.
وأردت والدته أن تضع له طعام العشاء لكنه أبى أن يأكل وبدأ يمازحها ويتحدث لها عن ابنه حمزة وقال لها "شايفة يا امي كيف حمزة أجنبي" في اشارة إلى جمال طفله ذا اللون الأشقر والعيون الخضراء.
وقبل أن يغادر "محمد" منزل والدته قال لها: "أنتي معزومة يا أمي عندي بكرا ع الغدا"، هذه الكلمات ستظل خالدة في ذهن والدته ولن تُمحى من مخيلتها مطلقًا.
وعبرت والدت محمد عن فخرها بنجلها المقاوم المجاهد الذي كان يبحث عن وظيفة في الدنيا وقالت: "الآن طلع لمحمد وظيفة عظيمة في الجنة".
ودعت المقاومة للرد على جريمة الاحتلال الصهيوني بكل قوة، داعية الله عز وجل ان يحمي رجال المقاومة ويحفظهم من كل شر.