يبدو أن المعلومات المضللة تنتشر أسرع حتى من أشدّ الفيروسات فتكا، حيث أنه رغم ندرة إصابة أشخاص خارج الصين، بفيروس كورونا المستجد الذي انتشر منذ نهاية العام الماضي في البلاد، حتى الآن، إلّا أن الملايين تلقوا معلومات خاطئة حوله.
وانتشر الفيروس بكثافة في مدينة ووهان الصينية، التي عزلتها السلطات منعا لتفشيه إلى مناطق أخرى، رغم أنه وصلها بالفعل.
وأشارت صحيفة "فورين بوليسي" إلى أن العلماء يجهلون الكثير عن طبيعة هذا الفيروس وأسباب انتشاره، إلا أن الباحثين يقولون إنه يتشابه مع متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وفيروس "سارس"، وهما مرضان معديان ظهرا في العقود الأخيرة ولكن تمت السيطرة عليهما.
سلاح بيولوجي؟
رغم أن هناك مخاوف جديّة من المرض داخل الصين، فإن مسؤولي الصحة العامة يؤكدون أنه لا داعي للذعر، لا سيما في الدول الغريبة حيث لا يزال خطر انتقال العدوى منخفضا جدا.
لكن هذا لم يمنع منصات إعلامية غربية من الذهاب إلى خطوات أبعد، وإصدار تكهنات غير مسؤولة كما يبدو، حيث أن "واشنطن تايمز" نشرت مقالا يُزعم فيه أن تفشي الفيروس قد يكون مرتبطا بمختبر عسكري في ووهان.
ويشير المقال إلى أن المختبر الذي تديره الحكومة، وهو معهد ووهان لعلم الفيروسات، قد يكون يبحث في التطبيقات العسكرية لفيروس كورونا، ما يعني أنه قد يكون مصدر انتشاره.
(أ ب)
وذكرت "فورين بوليسي" أن الأساس الوحيد لهذا الادعاء هو اقتباس عن ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق داني شوهام، الذي لديه خبرة في الأسلحة البيولوجية، الذي أخبر الصحيفة أنه من "المحتمل أن بعض المعاهد والمختبرات (المدنية) كانت مرتبطة... (بالأسلحة البيولوجية) الصينية".
وشددت الصحيفة في هذا السياق على أن شوهام كان قد أدلى بتصريحات لا أساس لها من الصحة في عدّة مناسبات في السابق، أو على الأقل لم تُثبت صحتها.
وفي حين أن شوهام لم يدعم مطلقًا مزاعمه بأن تفشي المرض نشأ محاولات تطوير سلاح بيولوجي، إلا أن وسائل إعلامية أخرى هرعت لاستخدام هذه الفكرة، واستهلاكها.
أما أستاذ علم الأوبئة في كلية دالا لانا للصحة العامة بجامعة تورنتو، ديفيد فيشمان، أشار في حديث مع الصحيفة إلى أن الذعر قد "يقود الناس إلى التفكير بشكل مؤامراتي"، لكن الأمراض التي تميل إلى التحول بسرعة، وإصابة البشر، عادة ما تكون جزءا من الطبيعة.
ولفتت الصحيفة إلى أن التكهنات حول ارتباط سلاح بيولوجي ما بانتشار الفيروس، ليست جديدة، فقد وجهت مراكز بحثية عام 2003، اتهامات مشابهة للصين بعد انتشار فيروس السارس، وهو ادعاء أثبت عدم وجود أي أساس له في ما بعد.
وعلى الرغم من عدم قدرة الإنسان على قياس الضرر الذي تسببه المعلومات الخاطئة في المجتمع بالطريقة نفسها التي يمكننا بها قياس درجة حرارة المريض، فإنه لا يمكن إنكار ضررها.
وحول ضرر هذه المعلومات المضللة، قالت صحيفة "ذي غارديان" إن الصينيين باتوا يتعرضون لمواقف في غاية العنصرية، والاشتباه على الأساس الشكل الخارجي، في مناطق كثيرة حول العالم، لافتراض أنهم "ربما" يحملون المرض، رغم أن نسبة المصابين به من عدد السكان في الصين، منخفضة جدا.
المعلومات المضللة
أشارت الصحيفة أيضا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي، ساهمت بشدّة بنشر معلومات كاذبة ومضللة، على شبكة الإنترنت، وخصوصا "فيسبوك" و"يوتيوب"، وذلك نتيجة الإهمال، ما استدعى الخبراء في هذا المجال إلى العمل على محاولة تنظيف فوضى الأكاذيب هذه.
لكن الأمر لم يقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب ما تؤكده "ذي غارديان"، بل يمتد إلى وسائل الإعلام التقليدية أيضا، التي فشلت الكثير منها بالتحقق من صحّة أخبارها حول أسباب انتشار فيروس كورونا المستجد.
وفي هذا الصدد، حذرت "ذي غارديان" من أن بيانات جديدة تشير إلى أن أكثر من نصف الأخبار الأكثر انتشارا حول الفيروس، والتي كُتبت باللغة الإنجليزية، خلال الشهر الماضي، كانت مثيرة للخوف، ومضللة ومبالغ بها، وما يجعل الموقف أكثر فداحة، أن معظمها نُشرت على وسائل إعلام معروفة، وموثوق بها كما يُفترض.
ومن بين الأخبار المضللة الفاضحة، كان مقال نشرته صحيفة "دييلي ميل" البريطانية، يشير كاتبه إلى أن سبب تفشي فيروس كورونا المستجد، هو انتشار عادة تناول "حساء الخفافيش" في الصين، حيث أن هذه القصة اقتُطعت من سياقها الأصلي، وهو صور حقيقة لامرأة صينية تأكل خفاشا في مطعم عام 2016، وتم لصقها بشكل يبدو أنه مرتبط بالفيروس.
وعلى الرغم من أن مصدر الفيروس قد يأتي من الحيوانات، إلا أنه غير مرتبط بعادات طعام الصينيين، على فرض أنهم يتناولون الخفافيش بـ"شراهة".