ظاهرة السطو المسلح أو ما يعرف بـ"البراكاج" في تونس، استفحلت في الآونة الأخيرة وأصبحت تهدد أمن المواطن وسلامته، ما أثار قلق العديد من التونسيين، حيث جد في الآونة الأخيرة حادث أليم هز الشارع التونسي، تمثل في تعرّض رقيب أول بالجيش الوطني لعمليّة "براكاج" أودت بحياته داخل وسيلة نقل عمومية، بعد أن عمد شخصان لسلب هاتفه الجوال ثم قتله خلال محاولته التصدّي لهما.
حادثة السطو المسلح على الرقيب بالجيش الوطني، لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في تونس، فقد تعرضت بعد أيام قليلة فتاة لاعتداءٍ من قبل منحرف أمام منزلها، ما أصابها بأضرار جسدية خطيرة استوجبت إدخالها إلى قسم الإنعاش.
وخلال هذه الفترة، تعرضت محامية تونسية إلى اعتداء من قبل مجرم قام بتهديدها بسلاح أبيض، لسلب هاتفها وسدد لها لكمة على مستوى العين، ما دفع زملاءها المحامين إلى مطالبة السلطة بالتدخل العاجل لوضع حد لعمليات الاعتداء باستعمال القوة، واتخاذ قرار بعدم الترافع في قضايا المورطين في عمليات السطو و"البراكاج".
انتشار العنف وتكرار السرقة باستعمال القوة وما يسببه ذلك من إصابات قد تصل إلى حد الموت، أثار مخاوف التونسيين الذين ما انفكوا يطالبون بضرورة الحكم بعقوبات مشددة على المعتدين ومراجعة الأحكام على مرتكبي العنف.
المعالجة الأمنية لا تكفي
كشف الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية خالد حيون في تصريح خاص بالميادين نت، أن قضايا الاعتداء بالعنف انخفضت بين عامي 2018 و2019 بحوالي 3500 قضية، كما انخفض عدد الموقوفين إلى حوالي 550 موقوفاً.
كما أكد حيون، أن العنف الشديد تراجع من 16 ألف و230 قضية سنة 2018، إلى 14 ألف و900 قضية سنة 2019، مشيراً إلى أن الوحدات الأمنية قامت بالتصدي لأكثر من 80 اعتداء على وسائل نقل عمومية.
وشدد خالد حيون على أن الظاهرة الإجرامية لا تتطلب فقط معالجة أمنية، واصفاً هذه المعالجة بالكلاسيكية الصرفة التي لا تدفع في اتجاه إيجاد الحلول الجذرية، مشيراً إلى أن المعالجة يجب أن تأخذ أبعاداً أخرى ذات صبغة تربوية واجتماعية بتداخل جميع الأطراف من مجتمع مدني وعائلة ومؤسسات تربوية.
منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يدق ناقوس الخطر
المنظمات التونسية وفعاليات المجتمع المدني، تقوم بدورها بدراسة أسباب الظاهرة للحيلولة دون وقوع مزيد من الضحايا، وقد كشف التقرير السنوي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول ظاهرة العنف في تونس خلال سنة 2019، تصدّر العنف الإجرامي أشكال العنف المسجلة بنسبة 36.39%، وحل العنف الإنفعالي بنسبة 23.21% ثم العنف الأسري بـ 8.78% فالعنف العلائقي بـ 8.06% والعنف الجنسي بـ 7.59%. فيما بلغت نسبة العنف الفردي 49.63% مقابل 50.37% للعنف الجماعي.
كما كشف التقرير الصادر أمس الخميس، عن تنامي ظاهرة العنف الإجرامي في تونس بمختلف أشكاله (البراكاجات، السرقات، الاغتصاب، القتل...) لتبلغ 93% من مجموع القضايا المسجلة سنة 2018، منها 36.4 % تعلقت بجرائم العنف الشديد والخفيف.
وتؤكد المعطيات والمؤشرات التي تبثها الجهات المختصة أن نسبة الاعتداء على الجسم البشري تطورت بـ 21% منذ 2011، وارتفع منسوب العنف الإجرامي الموجه ضد الطفل والأسرة بنسبة 39%، في حين بلغت حالات القتل العمد 226 حالة سنة 2019، أي بنسبة تطور بلغت 39.9% منذ 2011.
وأشار التقرير إلى أن تونس سجلت في الفترة الممتدة بين سنتي 2010 و2017 أكثر من 600 ألف قضية عنف على المستوى الوطني دون اعتبار حالات العنف التي لم تسجل بشأنها قضايا.
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أرجع أسباب تنامي العنف إلى عدة عوامل منها الاجتماعية كالبطالة وتعطل قطار التنمية، ومنها الاقتصادية كغلاء الأسعار وارتفاع تكلفة أساسيات العيش الكريم، أو السياسية كالقمع الفكري والأيديولوجي والحد من الحريات، والرمزية كعنف الصورة وعنف مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمدرسة والمؤسسة الدينية.وشدد المنتدى على أن انتشار الجرائم العنيفة يحتم دق ناقوس الخطر، مشيراً إلى أن تونس بحاجة إلى دراسة الظواهر السلبية على أساس أنها رسائل مشفرة للحكومة وللسياسيين وللدولة وإلى النخب والإعلاميين.
المصدر: الميادين