تعيش العاصمة اليمنية صنعاء حالة رعب منذ أكثر من أسبوع جرّاء تفشّي وباء «إنفلونزا الخنازير» الذي أودى بحياة العشرات من المواطنين وأصاب مئات آخرين. ونتيجة لارتفاع أعداد المصابين واتساع نطاق المخاوف بين السكان، أعلنت السلطات الصحية في العاصمة حالة الاستنفار القصوى، ووجّهت المستشفيات كافة برفع الجاهزية، وفتح غرف عازلة، والعمل الجماعي لمواجهة الوباء، واستقبال الحالات المشتبه إصابتها بفيروس «H1N1»، إلا أن تدهور الخدمات الصحية، وانعدام الأدوية والمحاليل الطبية لمكافحة الأمراض والأوبئة نتيجة الحصار الذي تفرضه دول «التحالف» على اليمن، يعيقان حتى الآن جهود وزارة الصحة في صنعاء في مواجهة الوباء الفتاك.
ومع ارتفاع أعداد المتوفّين جراء الوباء إلى أكثر من 40 حالة منذ مطلع كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وجّه «المجلس السياسي الأعلى» حكومةَ الإنقاذ ووزارة الصحة العامة بتشكيل لجنة عليا لمواجهة خطر «إنفلونزا الخنازير». كما دعا وزير الصحة مكاتب الصحة في المحافظات كافة، وجميع المستشفيات، إلى تجهيز غرف عزل خاصة بالمصابين، إلا أنَّ رفض عدد من المستشفيات استقبال الحالات المصابة بدعوى محدودية الخدمات وتراجع الطاقات الاستيعابية دفع بالوزارة، في الأيام الماضية، إلى إجراء نزول ميداني إلى مشافي صنعاء وأقسام الطوارئ والعنايات المركّزة وغرف العزل المباشرة للمصابين بالوباء.
وألزمت الوزارة جميع المشافي بضرورة رفع مستوى التأهب لديها لاستقبال تلك الحالات والتعامل معها بالشكل الصحيح، إضافة إلى تدشين حملة توعية صحية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بأعراض الوباء ومخاطره، والإجراءات الأولية الكفيلة بالتخفيف من الإصابة به.
سرعة انتشار الوباء، وقدرته على إيقاع الوفاة للمصابين، واقتصار ضحاياه على الفئة الشابة، وتحديداً الفئة العمرية من 30 إلى 44 سنة، وفقاً للحالات، كلّها مظاهر أثارت جدلاً في أوساط الأطباء في صنعاء. ويربط بعض الأطباء أسباب انتشار إنفلونزا «H1 N1» في صنعاء بانخفاض درجة الحرارة خلال فصل الشتاء، وهو الأمر الذي يحدث في معظم بلدان العالم وعدد من دول الإقليم، مثل مصر والأردن والسعودية.
في المقابل، يعتبر استشاري الطب الحرج والعناية المركزة، وهاج المقطري، أنَّ ما يحدث غير اعتيادي: «الانتشار الغريب لهذا الوباء وقدرته المريبة على إحداث الوفاة سريعاً، وخصوصاً لدى فئة الشباب، يجعلني أجزم بأنَّ هناك طفرة ما حصلت لهذا الفيروس جعلته يغيّر من مساره الباثولوجي ويصبح أكثر شراسة وقدرة على الإماتة».
تلك الشكوك عبّر عنها أيضاً وزير الصحة في صنعاء، طه المتوكل، خلال اجتماع حكومي ناقش ظاهرة الوباء، لم يستبعد فيه وجود ما سمّاه تغييرات في جينات الفيروس. وأفاد المتوكل بأنَّ «بعض الحالات المصابة بالفيروس لا تستجيب للعلاج»، لافتاً إلى أن الوزارة قامت بإرسال عيّنات إلى مختبرات دولية لتشخيصها.
وأعلنت الإدارة العامة لمكافحة الأمراض والترصّد الوبائي في العاصمة صنعاء تسجيل 39 حالة وفاة وعشرات حالات الاشتباه بالإصابة بفيروس «إنفلونزا الخنازير» حتى الأحد الماضي. كما أعلنت عن 19 حالة وفاة بمضاعفات الالتهاب الرئوي الحادّ مع اشتباه بوجود «H1 N1» منذ مطلع الأسبوع الجاري، فضلاً عن عدد من الحالات المصابة بالوباء أو حالات وفاة لم تُرصَد لعدم تمكّن المصابين من الوصول إلى المستشفيات.
وأشار وكيل الوزارة محمد المنصور، من جهته، إلى أنَّ حالات الإصابة بإنفلونزا «H1 N1» خلال آخر ثلاثة أشهر بلغت 1952 حالة، والوفيات 94 حالة، والمؤكّد منها 19 حالة «H1 N1». ولفت إلى أن حالات الاشتباه بحمى الضنك بلغت 20300 حالة خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أدت 68 حالة منها إلى الوفاة في كلّ من محافظات الحديدة وحجة وعدن ولحج وشبوة ومأرب وريمة.
وأضاف المنصور أنه أصيب بحمى الضنك خلال الشهر الحالي 2498 طفلاً دون الخامسة، توفي منهم 16 طفلاً، وهم يمثلون 24% من حالات الوفاة.
الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة، يوسف الحاضري، دعا المواطنين إلى حشد الجهود كافة لمجابهة الوباء بالتوعية. وحثّ المنظمات الخارجية العاملة في المجال الصحّي على أن تُعجّل في توفير الأدوية والمحاليل الخاصة بالوباء وتجهيز غرف العزل في المستشفيات والمراكز.
وشدَّد على أنَّ تلك الوسائل يمكن من خلالها وقاية المجتمع اليمني من هذا الوباء الخطير. وأفاد بأنَّ عدد المصابين بـ«إنفلونزا الخنازير» بلغ 6600 حالة خلال العام الجاري 2019، محذّراً من أن الوباء لا يزال في حالة انتشار وتوسع على رغم الإجراءات التي تقوم بها الوزارة لاحتوائه، علماً بأنَّ صنعاء تأتي في المرتبة الأولى لعدد الوفيات، تليها محافظتا عمران وإب.
المصدر: رشيد الحداد، الأخبار