عبّر ثلاثة خبراء دستوريين عن دعمهم جهود الديموقراطيين الرامية إلى عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، معتبرين أنَّ سعيه لدفع جهة خارجية إلى التدخل في الانتخابات الأميركية، يشكّل أساساً صالحاً لعزله، وذلك مع انطلاق المرحلة الثانية من التحقيق في مجلس النواب، في حين عارض خبير رابع بشدة هذا الموقف قائلاً إنَّ الأدلة "غير كافية على الإطلاق" لاتهام ترامب بارتكاب جرائم كبرى أو جنح تستدعي العزل.
وكان النواب الديمقراطيون قد اعتبروا أنَّ التّقرير النهائيّ للجنة الاستخبارات التي تولّت التحقيق الرامي لعزل ترامب يؤكّد ضرورة عزله من منصبه، لاستغلاله سلطاته من أجل الضغط على أوكرانيا لتشويه سمعة منافسه الديمقراطي. وأكَّدوا أنَّ "الآباء المؤسّسين وجدوا علاجاً للرئيس الذي يضع مصالحه الشخصية فوق مصالح البلاد، ألا وهو العزل".
وفي جلسة استماع صاخبة للجنة القضائية في مجلس النواب المكلّفة بإعداد القرار الاتّهامي بحق الرئيس، استمع النواب، أمس الأربعاء، إلى إفادات أربعة خبراء دستوريين، اعتبر ثلاثة منهم أنَّ ترامب ارتكب مخالفات تستدعي العزل.
وقال بروفيسور الفقه القانوني في جامعة كارولاينا الشمالية مايكل غيرهارت: "نحن الثلاثة آراؤنا متطابقة"، في إشارة إلى بروفسورة كلية الحقوق في جامعة ستانفورد باميلا كارلان، وبروفسور كلية الحقوق في جامعة هارفرد نوا فيلدمان.
وقال فيلدمان: "بناء على الإفادات والأدلة التي تجمّعت لدى المجلس، لقد ارتكب الرئيس ترامب جرائم كبرى ومخالفات تستدعي العزل بسبب استغلاله منصب الرئاسة".
وتابع الأميركيون عبر شاشات التلفزة التي غطَّت الجلسة بشكل مباشر، نقاشاً حاداً بين أعضاء اللجنة الديمقراطيين المعارضين لترامب والجمهوريين المؤيدين له.
وتأتي المرحلة الجديدة من التحقيق غداة صدور التقرير النهائي للجنة الاستخبارات، الذي خلص إلى أنَّ ترامب "وضع مصلحته الشخصية فوق المصالح القومية للولايات المتحدة، وسعى إلى تقويض نزاهة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وعرّض الأمن القومي الأميركي للخطر".
وقال رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب، الديمقراطي جيري نادلر، إنَّ ترامب "كان على استعداد لتعريض أمننا ومنصب الرئاسة للخطر من أجل مكاسب شخصية وسياسية"، بالتماسه "الصريح والمباشر" تدخلاً خارجياً في الانتخابات الرئاسية للعام 2016، وأيضاً انتخابات العام 2020.
والأربعاء، قال غيرهارت إنَّ ترامب ارتكب واحدة من أخطر التجاوزات السياسية في تاريخ الولايات المتحدة. وتابع: "سوء السلوك الخطير للرئيس، والذي يتضمن الرشوة، وطلب خدمة شخصية من رئيس أجنبي مقابل استخدامه نفوذه، وإعاقته سير العدالة، وعرقلة عمل الكونغرس، يتخطى سوء سلوك أي رئيس سابق".
وأضاف غيرهارت: "إذا فشل الكونغرس في عزل الرئيس الحالي، تكون عملية العزل قد أصبحت بلا أيّ معنى، وكذلك دستورنا المعدّ بعناية لمنع تنصيب ملك على الأراضي الأميركية".
وردّت المتحدثة باسم البيت الأبيض، ستيفاني غريشام، على "تويتر"، معتبرةً أنَّ "ثلاثة خبراء من أصل أربعة في جلسة الاستماع الصوَرية هذه متحيّزون" ضد ترامب. أما الخبير الرابع، جوناثان تارلي، وهو بروفسور في كلية الحقوق في جامعة جورج واشنطن، وهو الوحيد الَّذي اختاره الجمهوريون، فقد كان موقفه مخالفاً تماماً.
وقال تارلي الذي أدلى بإفادته في عملية إطلاق إجراءات العزل بحق الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، في العام 1998: "لا يوجد أي دليل" على أن ترامب "تصرّف بنيّة فاسدة". وكشف تارلي أنه لم ينتخب ترامب في العام 2016، لكنّه اعتبر أن معارضة الرئيس "لا علاقة لها" بالمسائل الدستورية المطروحة أمام الكونغرس.
وقال: "يمكن لأحدهم أن يعارض سياسات الرئيس ترامب أو أفعاله. وعلى الرغم من ذلك، أن يستخلص أن قضية العزل الحالية ليست فقط ذات أدلة غير كافية، لا بل من بعض النواحي خطيرة". وأضاف: "عمليات العزل يجب أن تُبنى على الأدلة وليس الفرضيات"، مشيراً إلى أنَّ الديمقراطيين يدفعون باتّجاه تسريع عملية العزل ولا يستمعون إلى المعنيين الأساسيين بالقضية في أوكرانيا.
ومن لندن، حيث شارك في قمة لحلف شمال الأطلسي، ندَّد ترامب بالتقرير ووصفه بـ"المهزلة"، مهاجماً خصومه لمضيّهم قدماً في جلسات الاستماع على الرغم من تواجده خارج البلاد. ورداً على سؤال حول التقرير، قال ترامب: "ما يفعلونه سيّئ جدًا لبلدنا"، مضيفاً: "إنها مهزلة".
واعتبر داغ كولينز، كبير الجمهوريين في اللجنة، أنَّ "ما يجري اليوم هو مجرّد إضاعة وقت". وبعدما ألمح إلى أنَّ الخبراء لم يطّلعوا على كلّ تفاصيل عملية العزل، ردَّت عليه كارلان بعنف قائلة: "شعرت بالإهانة جراء التلميح إلى أنَّ بروفيسوراً في القانون لا يهتم بتلك الوقائع".
وأكّدت كارلان أنّ سعي ترامب لحجب مساعدة عسكرية لأوكرانيا واشتراطه فتح كييف تحقيقاً بحق جو بايدن، يشكلان أساساً صالحاً للعزل، على الرغم من أن المساعدة سلّمت لاحقاً. وقالت إنَّ "الالتماس بحد ذاته يشكل مخالفة تستدعي العزل".
والتقرير الَّذي يتوقّع أن تستند إليه اللجنة القضائية في مجلس النواب لإعداد قرار اتهامي رسمي أو إطلاق إجراءات العزل، قد يبنى على تهم الرشوة واستغلال السلطة وإعاقة عمل الكونغرس وازدرائه.
ويصرّ الديمقراطيّون على إجراء تصويت على إطلاق إجراءات العزل قبل عطلة الميلاد التي تبدأ في 25 كانون الأول/ ديسمبر الجاري. وإذا صادق مجلس النواب، كما هو متوقّع، على إطلاق هذه الإجراءات، سيحال الملف إلى مجلس الشيوخ ذي الغالبية الجمهورية لإطلاق محاكمة في كانون الثاني/ يناير المقبل.