صعّدت الهند إجراءاتها القمعية في الآونة الأخيرة في كشمير، إلى حد إقصاء سياسيين كشميريين موالين لها، لمجرد معارضتهم لانتهاكاتها بحق سكان الإقليم المتنازع عليه.
وبدأت الهند في مقابل ذلك بإعداد وجود سياسيين جُدد أكثر انحيازاً إلى مواقفها وسياساتها القمعية في الإقليم، لاستبدال السياسيين السابقين في جامو وكشمير، الشطر الخاضع لها من إقليم "كشمير" المتنازع عليه مع باكستان، والذين كانوا يعارضون فكرة الانفصال عنها، لكنهم باتوا يرفضون بشدة إجراءاتها الأخيرة بالإقليم.
ويرى مراقبون أن اعتقال الهند لعدد من القادة السياسيين الموالين لها في الولاية ذات الغالبية المسلمة يحرمها من ثروتها الموثوقة الوحيدة هناك مع تصاعد رفض الحكم الهندي لها منذ عقود.
وفي الخامس من آب/ أغسطس الماضي، ألغت الحكومة الهندية بنود المادة 370 من الدستور، التي تمنح الحكم الذاتي لولاية جامو وكشمير، الشطر الخاضع لسيطرتها من الإقليم.
وإلى جانب الإغلاق الأمني وقطع الاتصالات، قامت السلطات الهندية بحبس 3 رؤساء وزراء سابقين بالولاية هم: فاروق عبد الله، وابنه عمر عبد الله، ومحبوبة مفتي، والعديد من الوزراء السابقين، إلى جانب ساجاد لون، وهو حليف سابق لحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، لكونهم رافضين لتحركاتها في الإقليم.
وخلال التظاهرة الوحيدة التي احتجَّت على اعتقالات طالت العديد من الكشميريين، تم احتجاز عدد من النساء، بما في ذلك شقيقة فاروق عبد الله وابنته، وتم إخلاء سبيلهن بعد توقيع تعهد بعدم التحدث مجدداً ضد إلغاء التشريع الخاص (الحكم الذاتي).
ويمثل فاروق عبد الله واثنان من زملائه في حزبه (مؤتمر جامو وكشمير الوطني)، هما أكبر لون وحسنين مسعودي، إقليم كشمير في البرلمان الهندي، ولم يستقيلوا بعد.
وشغل فاروق عبد الله رئاسة وزراء الولاية مرتين، وقال في وقت سابق: "علاقة كشمير بالهند ستتوقف إذا تم سحب وضعها الخاص".
وسبق أنَّ حذرت محبوبة مفتي (أول امرأة تتولى رئاسة وزراء جامو وكشمير)، من أنه "لن يُترك أحد في كشمير يرفع العلم الهندي في حالة انتهاك الوضع الخاص".
ومع اعتقال هؤلاء السياسيين، فإن ثمة سؤالاً بات مطروحاً حول دوافع الحكومة الهندية للإطاحة فعليًا بقاعدة الدعم الخاصة بها والمجازفة بالفراغ السياسي في المنطقة التي تمزقها الاضطرابات.
ويمكن القول إنّ هؤلاء السياسيين المؤيدين للهند هم الوحيدون الذين ظهروا على الساحة لإبداء معارضتهم لإلغاء الوضع الخاص للإقليم، في وقت يقبع الزعماء الانفصاليون في السجون حاليًا، وتسبب الإغلاق الأمني الَّذي تفرضه نيودلهي في جامو وكشمير في جعل الاحتجاجات العلنية شبه مستحيلة.
وكان باستطاعة هؤلاء الساسة الذين اعتقلوا مؤخراً حشد الدعم الدولي رفضاً لتحركات نيودلهي في الولاية.
من جهة أخرى، وبينما كانت الحكومات الهندية السابقة، ومعظمها بقيادة حزب المؤتمر الوطني، تناور حول هذه المواقف الصعبة من خلال الدبلوماسية، فإنَّ حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي المتطرف الحاكم ليس لديه على ما يبدو إمكانية للمناورة، بل يفرض رؤيته بالطريقة التي يراها من دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى.
في الواقع، أعلن الحزب عن نيته التخلص من التشريعات التي تمنح الوضع الخاص لكشمير في اليوم الذي شكل فيه حكومة ائتلافية في جامو وكشمير مع حزب الشعب الديمقراطي بقيادة محبوبة مفتي (انهارت في حزيران/ يونيو 2018)، ويبدو أنه منزعج من أي حزب سياسي كشميري يتبنى أجندة لها أي صلة بالقومية أو يشارك في سياسات قائمة على الهوية، رغم أنه يمجد "الهوية الهندوسية" على حساب كل الأقليات العرقية والدينية في البلاد.
وقال أستاذ القانون المتقاعد شيخ شوكت حسين: "يريد حزب بهاراتيا جاناتا تقديم طبقة جديدة من السياسيين الذين يمكنهم مواجهة المشاعر الانفصالية في المنطقة".
وأضاف: "مثل البريطانيين، قامت الهند أيضًا بصنع ورعاية طبقة من المتعاونين.. وغالباً ما تتم مكافأة هؤلاء المتعاونين، ليصبح ذلك التعاون ذريعة للفساد في كثير من الأحيان".
واعتبر أنَّ حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم يسعى لصنع طبقة من شأنها أن تؤيد السياسات الهندية بشأن كشمير.
وأضاف شوكت: "لكن الطبقة السابقة من السياسيين المؤيّدين للهند ما زالوا يتمتَّعون ببعض الثقل، بخلاف الطبقة المصطنعة الحالية التي يعول عليها الحزب الحاكم.. إنه يتشبث حالياً بالقش".
في المقابل، أكَّد الأمين العام لحزب "بهاراتيا جاناتا" في جامو وكشمير، آشوك كاوول، أنَّ "هناك خطّة لدى الحزب".
وأضاف: "سترى أنه في غضون ستة أشهر أو سنة، ستظهر أصوات حقيقية مؤيدة للهند من كشمير.. سنحقق ذلك من خلال الحكم الرشيد وبناء المدارس والمستشفيات. سيكون حزبنا في المقعد الأمامي.. سيكون لدينا رئيس وزراء هناك".
وفي الخامس من آب/ أغسطس الماضي، ألغت الحكومة الهندية بنود المادة 370 من الدستور، التي تمنح الحكم الذاتي لولاية "جامو وكشمير"، الشطر الخاضع لسيطرتها من إقليم كشمير.
كما تعطي المادة الكشميريين وحدهم في الولاية حق الإقامة الدائمة، فضلاً عن حق التوظيف في الدوائر الحكومية، والتملك، والحصول على منح تعليمية. وجاء التعديل بقرار رئاسي، بمعنى أن تفعيله لا يحتاج إلى التصديق عليه من قبل البرلمان، فيما أبقت الحكومة على المادة نفسها لكونها تحدد العلاقة بين جامو وكشمير والهند.
وفي اليوم التالي، صادق البرلمان الهندي بغرفتيه العليا والسفلى على قرار تقسيم جامو وكشمير إلى منطقتين (منطقة جامو وكشمير ومنطقة لداخ) تتبعان بشكل مباشر الحكومة المركزية. وبدأ سريان القرار في 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ويطلق اسم جامو وكشمير على الجزء الخاضع لسيطرة الهند من إقليم كشمير، ويضم جماعات مقاومة تكافح منذ 1989 ضد ما تعتبره احتلالاً هندياً لمناطقها. ويطالب سكان الإقليم بالاستقلال عن الهند والانضمام إلى باكستان منذ استقلال البلدين عن بريطانيا في العام 1947، واقتسامهما الإقليم ذا الأغلبية المسلمة.
ومنذ آب/ أغسطس الماضي، اعتقلت السلطات الهندية وأخفت آلاف الكشميريين لمعارضتهم القبضة الأمنية الشديدة وسحب استقلالهم الإداري.