أعلنت الهند مطلع الأسبوع الحالي رفضها المشاركة في اتفاقية تجارية تضم الصين، مشيرةً إلى أن قرارها ينبع من مخاوف إضرار تدفّق البضائع الصّينية الرخيصة بالشركات المحلّية الصغيرة. ويُعدّ قرار الهند بمثابة ضربة لجهود الصين الرامية إلى عقد اتفاقية تجارية تضم عدة دول آسيوية. وقد صدر أثناء اختتام قمة بانكوك التي عقدت وسط تزايد المخاوف حيال نمو الاقتصاد العالمي. وكان من المفترض أن تشمل اتفاقية "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" 30 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي العالمي ونحو نصف سكّان العالم.
ويخشى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من تضرر الشركات الصغيرة بشدة من تدفق البضائع الصينية الرخيصة، ما سيؤدي، في رأيه، إلى "عجز تجاري لا يمكن تحمله".
وصرَّح الدبلوماسي البارز المكلّف شؤون شرق آسيا في وزارة الخارجية الهندية، فيجاي ثاكور سينغ، للصّحافيين: "لقد أبلغنا الدول المشاركة بأننا لن ننضمّ إلى اتفاقية" الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.
وأضاف: "اتخذنا قرارنا بسبب التأثير المستقبلي لهذه الاتفاقية في سكان الهند العاديين ومصادر رزقهم، بما في ذلك أفقر الفقراء".
ويأتي انسحاب الهند في اللحظات الأخيرة بعد أيام من المفاوضات الطويلة بين قادة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في اجتماعهم في بانكوك الذي اختتم الإثنين. وهيمنت على الاجتماع قضايا التجارة، وأهمها اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، والحرب التجارية المدمرة بين الولايات المتحدة والصين.
ويعتبر قرار الهند ضربة للاتفاقية التي تشارك فيها حالياً جميع دول آسيان العشرة، إضافة إلى الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا، ونيوزيلندا، وتُستبعد منه الولايات المتحدة. وتعتزم الدول الأعضاء الباقية التوقيع على الاتفاقية العام المقبل بعد مراجعة المسودة التي تم الاتفاق عليها.
ويأتي ذلك بعد يوم كامل من الاجتماعات في القمة التي شارك فيها قادة اليابان، كوريا الجنوبية، والهند، إضافة إلى رئيس وزراء الصين.
وانتقد عدد من القادة سياسة الحمائية وسط مخاوف من أنَّ حرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصين يمكن أن تؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى أدنى مستوى منذ عقد، بحسب توقّعات صندوق النقد الدولي.
وصرَّح رئيس كوريا الجنوبية مون جاي-ان: "نحتاج إلى حماية نظام التجارة الحرة.. وإعادة الاقتصاد العالمي إلى مساره".
وفي إطار الحرب التجارية، تبادلت بكين وواشنطن فرض الرسوم الجمركية على سلع بمليارات الدولارات، رغم اتفاقهما على التراجع عن بعض الإجراءات، مع احتمال التوصل إلى اتفاق "المرحلة الأولى" قريباً.
وشهدت القمة غياب المسؤولين الأميركيين الكبار، إذ اكتفت واشنطن بإرسال وزير التجارة ويلبور روس ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، نيابة عن ترامب. وأثار ذلك القرار استغراباً، ويبدو أنه دفع العديد من قادة آسيان إلى عدم المشاركة في اجتماع مع المسؤولين الأميركيين الإثنين. وحضر ثلاثة قادة فقط من الرابطة التي تضم عشر دول، الجلسة التي شارك فيها عدد من وزراء الخارجية، إلا أنَّ ترامب تجاهل عدم حضور القادة، وقال إنه تم إجراء "محادثات ممتازة" مع القادة. وصرح للصحافيين: "لقد تم التعامل معي بكرم".
وقرأ أوبراين رسالة من الرئيس تدعو "قادة آسيان للانضمام إليه في الولايات المتحدة لحضور قمة خاصة" في الأشهر الثلاثة الأولى من العام المقبل. وحضر ترامب قمة آسيان في الفيليبين في العام 2017، بينما حضر نائبه مايك بنس قمة العام الماضي.
ونفى مسؤول رفيع في البيت الأبيض أن تكون واشنطن تجاهلت قمة العام الجاري، مبرراً تغيّب ترامب وبنس بانشغالهما بحملة انتخابات الرئاسة المقبلة. وترامب متهم بإدارة ظهره للمنطقة بعدما أعلن انسحاب بلاده من اتفاق الشراكة الاقتصادية عبر المحيط الهادئ فور تولّيه السلطة، في إطار سياسته "أميركا أولاً".
وسلَّمت تايلاند رئاسة آسيان إلى فييتنام، حيث سيتمّ التوقيع على اتفاقية الشراكة بعد سنوات من المفاوضات الصعبة. وصرَّح دبلوماسي بارز مطلع على المفاوضات أنَّ رئيس الوزراء الهندي أصرَّ على موقفه بسبب ضغوط داخلية، لكنه قال إن الهند ربما تنضم إلى الاتفاقية "في مرحلة لاحقة" حتى بعد التوقيع عليها في حال تم التوصل إلى حلول للمسائل العالقة.
وذكرت المحلّلة ديبرا ايلمز أنَّ الاتفاقية تظهر التزاماً بالعمل على "استقرار التجارة في المنطقة وسط تزايد حالة عدم اليقين"، وقالت إنَّ الهند "لن تحصل مطلقاً من الدول الأعضاء على اتفاقية أفضل من تلك التي تم التوصل إليها".