باتت مشاهدة صفوف المنتظرين، التي تمتد على الطرقات الرئيسية في الشوارع العاصمة السودانية، للحصول على بضع أرغفة خبز أمرًا عادية لا تلبث أن تختفي حتى تعود للظهور مرة أخرى.
وأشعل الخبز ثورة شعبية سودانية اندلعت شرارتها في مدينتي الدمازين، جنوب السودان، وعطبرة، شمال السودان، في كانون أول/ ديسمبر الماضي، بعد اختفاء السلعة من المدينتين لفترة أسبوع.
حينها، خرجت الاحتجاجات الشعبية، وتكللت لاحقا بعد تطورها بسقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، في نيسان/ أبريل الماضي عقب 30 عاما من الحكم.
وأزمة الخبز هي إحدى تجليات الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السودان، على خلفية فقدان احتياطياته من النقد الأجنبي اللازمة لشراء القمح من الخارج.
وفقدت البلاد مصادر نقدها الأجنبي، جراء انفصال جنوب السودان في 2011 وذهاب الموارد النفطية التي تساوي 80 بالمئة من احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي.
وتتجدد أزمة الخبز بأنحاء البلاد حاليا، ما يثير استياء الشارع المحلي من تكرارها في أوقات متقاربة، في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة اتخاذ إجراءات لمعالجتها.
وفي وقت سابق الشهر الماضي، كشف وكيل وزارة الصناعة والتجارة، محمد علي عبد الله، عن أولويات وزارته خلال المرحلة المقبلة لمعالجة مشكلة الخبز.
وتتمثل إجراءات بدأ السودان بتطبيقها، في تشديد الرقابة على توزيعات القمح والطحين، بمشاركة الجهات ذات الصلة المتمثلة في اتحاد المخابز والمطاحن ولجان الثورة والمقاومة.
وذكر الوزير، أن سلعة الدقيق متوفرة وتوزع على المخابز بصورة مستمرة، مؤكدًا أن الرقابة مُحكمة لتوفير الخبز للمواطنين، بجانب ضبط وتنظيم الأسواق والجودة والمواصفات.
لكن اتحاد المخابز (أهلي)، يستبعد توفر الدقيق وفق حصصه الكاملة، لولاية الخرطوم أو الولايات الأخرى بأنحاء البلاد.
وكشف الأمين العام للاتحاد، جبارة الباشا، عن تناقض في كميات الدقيق الممنوحة لمخابز ولاية الخرطوم، مع الكمية المقررة لها والمحددة بـ 47 ألف جوال يوميا (الجوال 100 كغم).
وقال الباشا للأناضول إن المطاحن الخمسة المسؤولة عن توزيع الدقيق، لا تقوم بتوزيع الحصة المخصصة للبلاد والمحددة بـ 100 ألف جوال، لافتا إلى أن الموزع يتراوح مابين 83-85 جوال يوميا.
ويبلغ عدد المطاحن بالخرطوم 42 مطحنا لتوفير احتياجاتها من الدقيق، والتي تقدر بنحو47 ألف جوال يوميا.
وفي 2017، قررت الحكومة السودانية إيقاف استيراد الدقيق من الخارج في محاولة منها لترشيد بنود صرف النقد الأجنبي.
ويتجاوز استهلاك السودان من القمح مليوني طن سنويا، في حين تنتج البلاد ما لا يتجاوز 12 إلى 17 بالمئة من الاستهلاك السنوي.
وتعاني الحكومة من توفير اعتمادات العملة الصعبة، لاستيراد القمح والتي تصل إلى أكثر من ملياري دولار سنويا.
وأكد الباشا على وجود معضلات أخرى خلاف الدقيق، تشمل عدم توفر الغاز للمخابز من قبل وزارة الطاقة، بما يعرقل عمل المخابز بجانب التكلفة العالية لصناعة الخبز بالسودان.
وكشف عن رفع دراسة لمجلس الوزراء السوداني، لمراجعة تكلفة الخبز الحالية والتي تقدر بواحد جنيه للقطعة الواحدة.
وأشار الباشا أن تكلفة الدقيق تقدر بنحو 40 بالمئة من التكلفة الكلية للخبز، بينما تساوي مدخلات صناعة الخبز الأخرى 60 بالمئة من التكلفة الكلية، وهي غير مدعومة من الحكومة.
في المقابل، ذكر صاحب مخبز بوسط الخرطوم، الرشيد علي، أن حصص الدقيق الممنوحة للمخابز انخفضت منذ فترة طويلة.
وقال للأناضول، إن "الحصص المقررة للمخابز، أصبحت لا توفى كاملة بما يساهم في استمرار أزمة الخبز".
ودعا الحكومة لسرعة التدخل لحسم الأمر، الذي بات يثير حفيظة المواطن باعتبار أن الحكومة الجديدة ستعمل على حل المشكلات الاقتصادية في المقام الأول.
وتوقع تفاقم الأزمة خلال الأيام القادمة، تزامنا مع استئناف الدراسة بالجامعات السودانية في تشرين أول/ أكتوبر الجاري، حال لم تعمل الحكومة على وضع معالجات جذرية.