شنّ رئيس المنظَّمة الإيرانية للطاقة الذرية، أمس الأحد، هجوماً على القوى الأوروبية، مؤكّداً أنه لم يكن أمام إيران خيار آخر سوى تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي بسبب "الوعود التي لم يفوا بها"، في حين حضَّ وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إيران على وقف تحركاتها باتجاه تقليص التزاماتها بالاتفاق النووي، مؤكدًا أنَّ "قنوات الحوار لا تزال مفتوحة" معها.
وكان رئيس المنظّمة الإيرانية، علي أكبر صالحي، يتحدَّث إلى الصّحافيين بجوار المدير العام بالنيابة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كورنيل فيروتا، الَّذي يزور طهران ليوم واحد. وتأتي الزيارة غداة إعلان طهران بدء تشغيل أجهزة طرد مركزي متطوّرة من شأنها زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصّب، في خفض جديد لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي المبرم في العام 2015. وهذه ثالث خطوة تتخذها الجمهورية الإسلامية لإجبار موقّعي الاتفاق على الوفاء بالتزامهم عبر تخفيف العقوبات الأميركية.
آثار يورانيوم في مخزن نووي إيرانيّ
وفي غضون ذلك، صرّح دبلوماسيان يتابعان عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لوكالة "رويترز"، بأنّ عينات أخذتها الوكالة من موقع
في طهران وصفه رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو في أيلول/ سبتمبر 2018، بأنه "مخزن نووي سري"، أظهرت وجود آثار لليورانيوم لم تقدم إيران أيّ تفسير لها حتى الآن. وأضاف الدبلوماسيان أنَّ الوكالة تحقق لمعرفة مصدر جزيئات اليورانيوم، وطلبت من إيران تقديم تفسير، لكنَّ طهران لم تفعل ذلك، ما يؤجّج التوتر بينها وبين واشنطن.
وتحاول بريطانيا وفرنسا وألمانيا إنقاذ الاتفاق النووي الذي بات في خطر منذ أن انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب منه بشكل أحادي العام الماضي، وبدأ بإعادة فرض إجراءات عقابيَّة ضدّ إيران.
الاتحاد الأوروبيّ لم يفِ بوعوده
قال صالحي للصحافيين: "كان من المفترض أن يكون الاتحاد الأوروبي بديلاً من الولايات المتّحدة، لكن لسوء الحظّ فشلوا في الوفاء بوعودهم".
وقال: "سمعنا المتحدّث باسم الاتحاد الأوروبيّ يقول إنهم ملتزمون خطّة العمل الشاملة المشتركة ما دامت إيران ملتزمة بها".
وتابع متهكّماً: "أنا أتساءل: هل هم ملتزمون عدم الالتزام؟ هل هم ملتزمون عدم الوفاء بالوعود؟ لسوء الحظ، قام الأوروبيون بذلك حتى الآن". ووصف صالحي الاتفاق النووي بأنَّه بات "طريقاً باتجاه واحد". وقال إنّ "الطريق كان من المفترض أن يكون باتجاهين. إذا كان سيصبح
اتجاهاً واحداً، فستتخذ الجمهورية الإسلامية القرارات الصحيحة في الوقت الصحيح مثلما فعلت في هذه الخطوات الثلاث".
وخلال زيارته، تم إبلاغ فيروتا بـ"الأنشطة (الإيرانية) المعلنة المتعلّقة ببحوث أجهزة الطرد المركزي وتطويرها"، بحسب ما جاء في بيان للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي آخر تقرير أصدرته في 30 آب/ أغسطس، ذكرت الوكالة الدولية أنها تواصل التحقّق من مدى امتثال إيران لنصوص الاتفاق من خلال الكاميرات وعمليات التفتيش التي تجريها، لكنَّها لمحت إلى قلقها حيال قدرتها على مواصلة عمليات التفتيش، قائلة إنَّ "التواصل المستمرّ... يحتاج إلى تعاون كامل وفي الوقت المناسب من قبل إيران".
وحضّت فرنسا، التي تقود الجهود الأوروبية لإنقاذ الاتفاق، أمس الأحد، إيران على وقف تحركاتها باتجاه تقليص التزاماتها بالاتفاق النووي. وقال وزير الخارجية الفرنسي إن "قنوات الحوار لا تزال مفتوحة حتى اليوم"، لكن "على إيران التخلّي عن هذا النوع من الأعمال".
ويرمي الاتفاق أساساً إلى تخفيف العقوبات المفروضة على إيران في مقابل وضع قيود على برنامجها النوويّ. واتّخذت طهران سلسلة خطوات لخفض تعهّداتها بموجب الاتفاق النووي بعدما انسحبت واشنطن منه في أيار/ مايو 2018، وأعادت فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية. وفي 1 تموز/ يوليو، أعلنت طهران أنها زادت مخزونها من اليورانيوم المخصّب ليتجاوز السقف الذي حدَّده الاتفاق (300 كيلوغرام). وبعد أسبوع،
أعلنت أنها تجاوزت الحدّ الأقصى لتخصيب اليورانيوم المنصوص عليه بالاتفاق (3.67%).
ويوم السّبت المنصرم، أعلنت منظَّمة الطّاقة الذريّة الإيرانيّة تشغيل عشرين جهاز طرد مركزي من طراز "آي آر-4"، وعشرين جهازاً من طراز "آي آر-6" المتطور. وبموجب الاتفاق النووي، يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة طرد مركزي من الجيل الأول "آي آر -1".
ورغم الإجراء الإيراني الأخير، فقد شدَّدت طهران على أنها ستواصل السّماح لمفتشي الأمم المتحدة بمراقبة منشآتها النووية، تماشيًا مع ما ينصّ عليه الاتفاق النووي. ورداً على ذلك، أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أنَّ مفتّشيها على استعداد للتأكّد من مدى امتثال إيران للاتفاق.
وأجرى فيروتا أيضاً مباحثات مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف. وتأتي زيارته إلى طهران قبل يوم من اجتماع فصلي مرتقب لمجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، ستتم فيه مناقشة مهمَّتها للتحقق والمراقبة في إيران.