بمآذنه الأربعة الشّاهقة المشيّدة على الطراز العثماني في شمال العاصمة القبرصية نيقوسيا، يثير مسجد ضخم موَّلت أنقرة بناءه، ويفتتح هذا الأسبوع، جدلاً في المجتمع إلى حدّ كبير. ومن المتوقّع أن يحضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الثلاثاء، مراسم افتتاح مسجد هالة سلطان الذي يتَّسع لثلاثة آلاف مصلٍ. وفيما رحَّب كثيرون بالمسجد الجديد، أبدى بعض القبارصة الأتراك مخاوف من تنامي نفوذ تركيا في شمال الجزيرة المتوسّطية المقسّمة.
وقال رئيس نقابة المعلّمين القبارصة الأتراك، شينير إلجيل، لوكالة فرانس برس في مكتبه في نيقوسيا: "هذا المسجد يجسّد العقلية الإسلامية، العقلية الإسلاميّة السنيّة، وأيضاً العقلية الإمبريالية". وتابع: "المجتمع القبرصيّ التركيّ علمانيّ. نحن لسنا مجتمعاً إسلامياً أصولياً".
ويعارض إلجيل وغيره من القبارصة الأتراك اليساريين بقوَّة تصرفات أنقرة في شمال قبرص التي انفصلت عن الجزيرة في العام 1974، عندما اجتاحت القوات التركية الثلث الشمالي منها واحتلَّته، رداً على انقلاب عسكري كان يسعى إلى الوحدة مع اليونان.
وتركيا هي البلد الوحيد الذي اعترف بجمهورية شمال قبرص التركية المعلنة من جانب واحد في العام 1983، وهي تدير نظامها الماليّ، وتنشر فيها نحو 35 ألف جنديّ تركي.
وقال العضو السابق في البرلمان، ومؤسّس حزب قبرص الموحدة الاشتراكي، عزت إزجان، إنَّ "سياسة أردوغان تقضي بتغيير هوية القبارصة الأتراك"، داعياً أعضاء الحكومة إلى مقاطعة مراسم افتتاح المسجد.
وتابع: "هُويّتنا ترتكز على قبرص. لدينا الكثير من القواسم المشتركة في هويتنا مع القبارصة اليونانيين والأرمن والموارنة، وكلّهم لهم وجود في الجزيرة".
وأضاف: "ما يحاول أرودغان فعله هو ضمّ الشمال، وبناء هوية أخرى... يحاول (الأتراك) أن يجعلونا مسلمين صالحين بأسلوب حياتهم، وأن نكون محض أتراك، كما يتمنّون أن يرونا".
ويقود إلجيل وإزجان الدعوات ضدّ تعزيز قبضة أنقرة على حياة القبارصة الأتراك. وقال إزجان لفرانس برس: "كلّنا يعرف أنَّ (الهدف) خلف هذا الأمر هو دمج الجزء الشمالي من قبرص بتركيا".
وفي احتجاج نادر في نيقوسيا، الجمعة الماضية، تظاهر أعضاء نقابة المعلمين ضد بناء المسجد تحت شعار "ضعوا المدارس والمستشفيات أولاً".
وجاء في بيان للمحتجّين: "ما تحتاج إليه بلادنا هو العلم والتعليم والصّحة، بينما الأولويّة تمنح للاستثمار في الدين".
ويعدّ مسجد هالة سلطان أحد أبرز سلسلة مشاريع تموّلها تركيا في المنطقة نفسها عند أطراف نيقوسيا، وتشمل معهداً إسلامياً وجامعات ومشاريع إسكان للطلاب القادمين في جزء كبير منهم من تركيا.
خارج المبنى الضّخم بمآذنه الشاهقة البالغة 60 متراً، عبّر آيهان انكورت، أحد السكّان المحليين عن سعادته. وقد قضى الرجل البالغ 61 عاماً أشهراً في جمع تواقيع سكّان المنطقة لدعم بناء المسجد.
وقال: "كنت أصلّي كلّ يوم من أجل هذا المسجد"، مضيفاً: "بفضل هذا المسجد وجدنا هويّتنا (...) وروابطنا بأجدادنا العثمانيين".
ويعدّ مسجد هالة سلطان نسخة مصغّرة من جامع السليمية في محافظة أدرنة التركية، والذي شيِّد أثناء العهد العثماني بالضرائب المحصّلة في قبرص، وفق روايات تاريخية.
ويوجد مسجد باسم "تكية هالة سلطان" في مدينة لارنكا في الجانب القبرصي اليوناني من الجزيرة، وهو مرتبط بموقع دفن إحدى زوجات صحابة النبي محمد.
ويقول أستاذ التسويق في جامعة العلوم الاجتماعية المحاذية للمسجد: "هذا النوع من المباني يضيف شيئاً إلى المجتمع"، لكن على بعد كيلومترات عدة في شوارع المدينة القديمة في نيقوسيا، أبدى البائع ذهني كالماز امتعاضه. وعبّر كالماز عن تعجّبه قائلاً: "هذه المآذن! إنها ضخمة! ولماذا العديد منها؟ إذا أردتُ أن أصلي، سأصلّي بمفردي أو في متجري، الله موجود هنا"، مشيراً إلى صدره.
ويقدّر النقابي إلجيل كلفة بناء المسجد الضخم بأكثر من 30 مليون دولار، رغم عدم توافر أيّ أرقام رسمية.
ويقول: "كان يمكنهم تشييد مستشفى ضخم بتكلفة أقلّ... يمكنهم أن يشيدوا أكثر من 20 مدرسة، وهو ما نحتاج إليه. عوضاً عن ذلك، يريدون بناء مسجد (...) في كلّ شارع في شمال قبرص".
ويضيف بأسف: "هذه سياسة أردوغان. أن يحتّل الجزء الشمالي (للجزيرة). ليس الأمر بريئًا أن تبني مسجداً في قبرص".