أكّد محلّلون صهاينة في الصّحف الصادرة أمس الإثنين، أنّ تصريح السفير الأميركي في الكيان الصهيوني ديفيد فريدمان لصحيفة "نيويورك تايمز" يوم السبت المنصرم، حول "حق" الكيان الصهيوني بضمّ أجزاء من الضفة الغربية، جاء بموافقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على خلفية استيائه من إعادة انتخابات الكنيست، بعدما فشل رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومة في أعقاب انتخابات نيسان/ أبريل الماضي.
ورأت مراسلة صحيفة "يديعوت أحرونوت" في واشنطن، أورلي أزولاي، أنَّ تصريح فريدمان "لم يكن زلة لسان أو تعبيراً عن أمنية، وهو لم يقل أموراً تتعارض مع موقف رئيسه ترامب. وعندما تحدَّث عن حقّ الكيان الصهيوني بضمّ مناطق في الضفة، فإنه أدلى بأقوال أسياده".
وأشارت الصّحافية إلى أنَّ فريدمان هو أحد أكثر المقربين من ترامب وعائلته، وشكّل إحدى القنوات للعلاقات الوثيقة بين ترامب ونتنياهو. كذلك، فإن فريدمان داعم للاستيطان ويرفض حلّ الدولتين، ورغم ذلك فإنه عضو أساسي في طاقم إعداد خطة أميركية لتسوية صهيونية – فلسطينية، تعرف باسم "صفقة القرن"، والتي بات مؤكّداً أنها منحازة بالكامل إلى الكيان الصهيوني.
ولفتت أزولاي إلى أنّ فريدمان "كمحامٍ ذكي وخبير يعرف جيداً أنه بموجب القانون الدولي، لا حقّ لإسرائيل بضم أجزاء من يهودا والسامرة (الضفة الغربية). وربما هو تحدث عن حق الآباء، وعد إلهي، وليس عن سياسة محددة، لكنه ما كان سيقول ذلك لو أنه لم يفهم أن ختم ترامب قادم، وأن نتنياهو بات في أجواء الوضع".
وأضافت أنَّ ترامب لم يُخفِ استياءه من أن الكيان الصهيوني ذاهب إلى انتخابات، "وقد فعل ترامب ما لم يفعله أي رئيس آخر قبله، وتدخَّل في شؤون إسرائيل الداخلية عندما دعا الإسرائيليين إلى تمالك أنفسهم، وأشار إلى أن نتنياهو زعيم جيد. وقد منح ترامب نتنياهو عدة هدايا: الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، الاعتراف بالقدس، نقل السفارة، والاعتراف بضم هضبة الجولان. وتأتي الآن الهدية الأكبر، ولن يفاجأ أحد إذا حدث ذلك قبل الانتخابات من أجل مساعدة صديق: بالإمكان التقدير أنَّ ترامب سيقفز إلى المنطقة كي يقصّ شريط مستوطنة في هضبة الجولان تحمل اسمه، وينتهز الفرصة كي يمجّد بنتنياهو قبيل نهاية الحملة الانتخابية".
وتابعت أزولاي: "الإدارة الأميركية تدرك أن احتمالات تطبيق "صفقة القرن" ضئيلة، وتقدر أنَّ الفلسطينيين سيرفضون هذه الخطة... وإذا حدث ذلك، فإنَّ التقديرات في واشنطن هي أن نتنياهو سيعلن أنه ليس هناك أحد يمكن التحدث معه، وسيحصل على ضوء أخضر من ترامب حتى يضم بشكل أحادي الجانب أي قطعة أرض يوجد فيها مستوطنون".
وأكَّدت أوزلاي أنَّ "ترامب لا يعرف التاريخ، ولا أنهار الدم التي سُفكت في الجانبين، والشعور بالظلم والغضب والمعاناة. الرئيس الأميركي يريد أن يكسب علامات في الحلبة الدولية، ويسمح لنتنياهو بأن يقوده. وفريدما أطلق بالون تجارب في الجو، لكن من ضخّم البالون هو الرئيس ترامب".
إفلات نتنياهو من القانون
اعتبر محلّل الشؤون الأميركية في صحيفة "هآرتس"، حيمي شاليف، أنَّ "الفلسطينيين يرفضون حتى الآن استيعاب الرسالة، وهم يتحصَّنون في ركنهم وفي شعورهم بالإهانة، ولا يرون في التوجّه الأميركي تكتيكاً، وإنما جوهراً. إنهم مقتنعون بأن اليد الأميركية الممدودة نحوهم غايتها أن تخنقهم وتخنق تطلعاتهم القومية. وبالنسبة إليهم، الأميركيون ليسوا "وسيطاً نزيهاً"، وإنما بوقاً لنتنياهو".
وأضاف: "محاولة تحقيق غايات سياسية واقتصادية بواسطة الإهانات والشتائم والتهديد ليست خاصة، بالطبع، بالصراع الصهيوني – الفلسطيني. هذا نمط عمل محبوب على ترامب، من كوريا الشمالية والصين، مروراً بإيران والسلطة الفلسطينية، وحتى الجارتين كندا والمكسيك. وحقق هذا التكتيك حتى الآن نتائج هامشية، إذا حققت شيئاً أصلاً".
وتابع شاليف: "الأميركيون يصوّرون نتنياهو وحكومته كحمام طاهر يبحث عن سلام، والفلسطينيين كرافضين للسلام. وفي أحد الأيام غير البعيدة، سيدَّعي نتنياهو أنه على ضوء التخريب الفلسطيني، ستتطوع إسرائيل لتنفيذ الملقى عليها في "صفقة القرن"، أي ضم تلك المناطق التي يقول فريدمان إنها تستحقه. وبشكل يومي تقريباً، يضيف أحد أعضاء طاقم خطة السلام الأميركية دليلاً قاطعاً على أنَّ هذا هو هدفهم الأعلى: ضم "أجزاء"، كأقوال فريدمان، والتي تعني عملياً ضماً كاملاً – كاملاً".
أكَّد شاليف أيضاً، مثل أزولاي أعلاه، أنّ "السياسة الأميركية تخدم أيضاً مصالح نتنياهو السياسية الشخصية والضيقة، بما في ذلك جهوده من أجل الإفلات من القانون. وحلف الأخوة بين نتنياهو وترامب واحتمال أن يقود إلى تحقيق حلمهم الحلو بقمع الفلسطينيين وضم مناطق، يشجع اليمين الصهيوني على حماية نتنياهو والحفاظ على حكمه بأي ثمن – بما في ذلك تجاهل الشبهات ضده ومحاولات إخضاع حكم القانون لاحتياجاته. وتصريح كهذا الذي أدلى به فريدمان لنيويورك تايمز يذكّر أعضاء ائتلاف نتنياهو الحالي والمستقبلي بأن الهدف هو أن ضمّ مناطق الآباء يبرر وسيلة الشركاء الفعليين بعدم التحدث عن مخالفاته".
بوش سبق فريدمان
لكنَّ اليمين الصهيوني لا ينظر إلى تصريح فريدمان مثل المحلّلين أعلاه. واعتبر المحلّل السياسيّ في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أمنون لورد، أن هذا التصريح "ليس راديكالياً جداً مثلما يخيل، فإذا كان الرئيس جوج بوش اعترف بتغيّر طرأ على الأرض منذ العام 1967، وأنه ينبغي أخذ ذلك بالحسبان في إطار تسوية سياسية، فإن السفير الأميركي يتحدث الآن عن "حق". ومن الناحية العملية، هذا الشيء نفسه".
وأضاف لورد: "هذا يعني أنه إذا شكلت دولة إسرائيل في مرحلة ما في القرن الـ21 حكومة قانونية، فإن الإدارة الأميركية الحالية ستكون مستعدة لإزالة موضوع التسوية الذي يستند إلى خطوط 67 عن الأجندة، وستكون مستعدة على ما يبدو للاعتراف بسيادة إسرائيلية على الكتل الاستيطانية في يهودا والسامرة أو بسيادة على كلّ المستوطنات في يهودا والسامرة. وهذه ليست منطقة كبيرة وتقلّ عن 5%".
وتابع: "إذا انتخبت إدارة ديمقراطية مرة أخرى العام المقبل، فإن كل مبادرات ترامب في الموضوع الفلسطيني ستجتثّ، وتعود إسرائيل إلى حالة النضال والضغوط السياسية غير المتوقفة في الحلبات المختلفة، والتي تمكّنا من نسيان وجودها". ويبدو أنَّ لورد يقول هنا إنَّ على الكيان الصهيوني "ضمّ" الضفة قبل رحيل ترامب.