لاقت قضية اعتقال الشرطة البريطانية للصحافي الأسترالي جوليان أسانج، مؤسس موقع "وكيلكيس"، الأسبوع الماضي، بعد أن ألغت الإكوادور لجوءه في سفارتها في لندن، أصداء متباينة، بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة.
وكتبت مجلة "ذي أوكنوميست" الاقتصادية البريطانية، تحليلا خاصا بها بعنوان "جوليان أسانج: بطل صحافة أم عميل للعدو؟" تناولت فيه قضية اعتقال الصحافي بحسب مبادئها الغربية التقليدية.
واستعرضت المجلة مزاعم السلطات الإكوادورية حول سلوكيات غير لائقة يُفترض أن أسانج قام بها خلال الأعوام السبعة التي قضاها في السفارة، ما دفع السلطات إلى سحب لجوئه، موضحة أن مؤيديه قالوا إن اعتقاله يُعتبر اعتداءا خطيرا على حرية الصحافة.
فيما أشارت المجلة إلى أن الكثيرين "انتظروا" لحظة اعتقال أسانج بعد أن "أطلق العنان لفوضى المعلومات في الغرب، والتي بلغت ذروتها في زعزعة استقرار الديمقراطية الأميركية"، على حد تعبيرها.
وأكدت أنه ليس هناك أي مجال للشك بأن أسانج، نشر عبر مؤسسته "ويكليكس" بعض أكثر التقارير "دراماتيكية" على مدار العقد الأخير، بما في ذلك بعض الجرائم الأميركية العسكرية في العراق وأفغانستان، عام 2010.
وذكرت أن الموقع أصدر في العام ذاته، مجموعة مؤلفة من 250 ألف وثيقة سرية أميركية سُرقت بمساعدة الجندية السابقة، تشيلسي مانينغ، إلا أن "ذي أوكنوميست" لفتت بشكل خاص إلى امتلاك الموقع لرسائل البريد الإلكتروني التي تمت سرقتها من البريد الإلكتروني الخاص بالحزب الديمقراطي والتي ربما تكون قد أثرت على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ولفتت المجلة إلى تساؤل المعجبين بأسانغ، حول الفارق بين هذا الصحافي ومؤسسته، وبين صحيفة مثل "نيويورك تايمز"، التي نشرت أوراق البنتاغون المسربة عام 1971، والتي كشفت أيضا عن تفاصيل تُدين ممارسات أميركية في الحرب على فيتنام، ففي بعض النواحي، لم يكن أسانج يفعل أكثر من مجرد السير على خطى مثل هذه المنظمات الإخبارية اللامعة، التي منحت منذ فترة طويلة منصة لمسربي المعلومات المناهضين للحكومة، وتتمتع بحماية التعديل الدستوري الأميركي الأول أثناء قيامها بذلك (التعبير عن الرأي).
ومع ذلك، شددت المجلة على أنه هناك عدة أسباب أدت إلى كون سلوك أسانج يندرج في فئة مختلفة عن صحف مماثلة، على حد تعبيرها، فتشير الاتهامات الأميركية ضده إلى اختلاف واضح واحد بينه وبينها، فهو لم يسرب معلومات سرية فحسب، بل ساعد مانينغ أيضا، على اختراق شبكة سرية تابعة للبنتاغون، مما يجعله "متآمرا مشاركا" في قرصنة غير قانونية. ففي حين يقوم صحافيون كثر بحثّ مصادرهم على توفير المعلومات، فإنهم لا يقومون بـ"سرقتها" بأنفسهم.
لقد أقرت وزارة العدل التابعة للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بأنها لا تستطيع مقاضاة أسانج لتسريبه هذه المعلومات دون تجريم عمل كافة وسائل الإعلام الأخرى، لكنها حذرت أيضا، من أن الصحافيين لا يتمتعون بتفويض كامل للتصرف كما يرغبون، أي أنه في حال اعتقدت الجهات الحكومية المعنية، أن الصحافيين يعملون عملاء لقوة أجنبية، أو يتآمرون لارتكاب جرائم معها، فإنه يجوز بحسب القانون الأميركي احتجازهم، دون أن تحدد على من تسري هذه التعريفات بالضبط.
وتعليقا على هذه المفارقة، قالت المجلة إن بعض سلوكيات "ويكليكس" اقتربت إلى "تجاوز" الحدود القانونية، رغم أنه لم يُثبت بعد مدى تورط أسانج بشكل شخصي في هذه السلوكيات.
واستندت المجلة في "اتهامها" للموقع، إلى القضية التي كشفها المحقق الأميركي الخاص، روبرت مولر، في التدخل الروسي بالانتخابات الأميركية، والتي خلص فيها، إلى أن "ويكليكس"، بالتعاون مع قراصنة روس، نشرت رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالمرشحة الديمقراطية آنذاك، هيلاري كلينوتون، بهدف التأثير على الانتخابات الداخلية في الحزب، وترجيح الكفة إلى التقدمي بيرني ساندرز.
وأشارت المجلة إلى أن المستفيد الأساسي من هذه الخطوة، كان المرشح الجمهوري آنذاك والرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب.
وأضافت: "هذا يوجهنا إلى الاختلاف الثاني بين أسانج والصحافيين العاديين، فمعظم الصحافيين ذوي المسؤولية (المهنية)، لن يطلبوا من جواسيس دولة استبدادية إفشاء أسرار لهم بغرض تعطيل انتخابات ديمقراطية، ولن يمتنعوا عن إعلام القراء عن هوية مصادرهم المشكوك بها".
واعبترت "ذي أوكنوميست" أن رغبة "ويكليكس" بالعمل بشكل حماسي وغير نقدي مع أجهزة استخباراتية روسية، "يعكس" تاريخ المؤسسة الطويل بنشر مواد "غير ذات أهمية"، لكنها "تنطوي" على محاولة تقويض المصالح الأميركية، وبالمقابل، فالمؤسسة لم تنشر "أي تسريبات" قد تضعف خصوم الولايات المتحدة الاستبداديين.
واتخذت المجلة موقفا واضحا بوصم أسانج على أنه "قد لا يكون عميلا معاديا، لكنه كان غبيا مفيدا على أقل تقدير".
وأنهت المجلة تقريرها بالتشكيك بمدى "صحّة" تسليم أسانج للولايات المتحدة، تحت ظل إدارة مشكوك بدوافعها، كإدارة ترامب، لكنها أيدت بشكل غير مباشر حبس أسانج "في الولايات المتحدة أو بريطانيا"، لأنه "بحاجة إلى دورة علاجية حول الأخلاقيات الأساسية للمهنة".