ذُكِر اسمُ مُنفّذ عمليّة سلفيت التي أسفرت عن مقتل جنديٍّ وحاخام، الشهيد الشاب عُمر أبو ليلى، على لسان مُعظم الفلسطينيين، ولا سيّما في اليومين الماضييْن، حتّى بات "أيقونةً" فلسطينية، تُمثّل رمزًا لمقاومة الاحتلال الجاثم على صدور الفلسطينيين في الضفة الغربية المُحتلّة.
ووقفَ مئاتُ الطلاب في جامعة بيرزيت، وقفةً أطلقوا عليها "وقفة غضب" عقبَ استشهاد من أطلقوا عليه عدة أوصاف، لعلّ أبرزها "عريسُ فسطين"، و"المقاوم الفلسطينيّ"، و"المُشتبك المُسلّح".
وهتفَ الطّلاب الذين علّقوا دوامَهم الجامعيّ اليوم منذ الساعة العاشرة صباحًا، بشعاراتٍ تُندد بجرائم الاحتلال المُستمرّة، وأُخرى تُمجِّد أبو ليلى الذي عُلِّقت صوره، إضافةً إلى صورة الشابين اللذين استشهدا ليلة الأمس في نابلس، في الجامعة التي اشتُهِرَت بأنها تُكنَّى بـ"جامعة الشهداء"، نظرًا إلى استشهاد عدد من طلبتها بين الفترة والأخرى، وعلى رأسهم "المُهندس" يحيى عيّاش.
وبدت الأجواء في الجامعة مختلفة عن الأيام العاديّة. واللافتُ في الأمر أن الاحتفاءَ والتمجيد الذي ناله الشهيد الذي لم يُدفَن بعد، بلغَ حدًّا تساوى فيه مع الحزن عليه وعلى فقدانه، كما أنَّ الأغاني الوطنيّة التي تتّسمُ معظمها بالحماسيّة، والتي كانت تُسمَع بوضوح في كل أماكن الجامعة، هي دليلٌ على أن المقامَ لم يكن مقام ترحٍ وحزن بقدر ما كان مقام اعتزازٍ وافتخارٍ بأبو ليلى الذي قيل فيه إنه "المُمثّل الشرعي" بالنسبة إلى الفلسطينيين الشباب الذين يرون فيه نموذجًا يمثّلهم في ما يتعلّق بمقاومة الاحتلال.
يقول الشّاب أحمد عيد، وهو أحد طلبة الجامعة، إنَّ "أبو ليلى بات رمزًا بالنسبة إلى الشبّان، لأنه يمثّل موقفهم ورؤيتهم"، فيما يرى الطالب مُصعب امطير أن "الشهيد بات رمزًا بالنسبة للكل الفلسطينيّ، شيبًا وشبّانًا، وليس فقط للجيل الصاعد من الشباب"، ويعزو امطير ذلك إلى كون الشهيد "بوصلة تدلُّ الفلسطينيَّ، مهما كان عمره، على الوجهة الصحيحة المتمثّلة بالمقاومة".
بدورها، ترى الطالبة جنان سمير أن العمليّة التي نفّذها أبو ليلى "تُعرِّي الحُجج الواهية التي تقول إنه ليس للفلسطينيين جيشٌ، وإنهم لا يملكون السلاح"، مبيّنةً أن "عُمَر (أبو ليلى) خرج حاملًا سكيناً، وهو (السكّين) كان سلاحه الذي مكّنه من تنفيذ عمليّته".
وذكرت سمير أن "الناس الذين يُشبهون عُمر، هم الذين يعرفون فلسطين حقًّا، وبهم حقّ الاقتداء"، وذكرت عدة أسماء ترى أن أصحابها فعلوا ما يُماثل فعل أبو ليلى، ومن بينهم الشهداء باسل الأعرج، وأشرف نعالوة، وصالح البرغوثيّ.
ويرى الطالب يحيى أبو هاشم أن العمليّة التي نفّذها أبو ليلى "حظيَت باهتمامٍ واحترامٍ كبيريْن لسببيْن، الأول هو نوعيّتُها واستثنائيّتُها، والثاني هو توقيتُها الذي تزامنَ مع تعقُّد الأمور أكثر في غزّة"، التي تشهد حراكًا شعبيًّا يُطالب بتحسين الظروف المعيشية الكارثيّة التي يشهدها القطاع، فيما يُقابَل الاحتجاجُ بأشدّ الأساليب عُنفًا من قِبَل حركة حماس.
ويُبيّن أبو هاشم أن العملية التي نفّذها أبو ليلى "استثنائية ومُنفّذة بإحكام، ولا يُفلح الكثير من منفّذي العمليات بإتقانِ ما أتقنه أبو ليلى، لذلك استطاعت أصداءُ العمليّة اكتساب الاهتمام أكثر من الوضع القائم في غزّة".
من جهته، يرى المُحلّل السياسيّ والإعلامي مُعِز منصور (كراجة) أن "عملية سلفيت جاءت كنتيجةٍ لوصول الحالة الفلسطينيّة إلى طريقٍ مسدود، وإلى حالةٍ تغذّى فيها الرأي العام على الأوهام"، مبيّنًا أن العمليات المُماثلة تتزايد في السنتيْن الأخيرتيْن، ومشيرًا في الوقت ذاته إلى أن هذه العمليات التي كانت عملية سلفيت آخرها، "تُمثّل بصيص أملٍ لا سيّما عند الشبّان، كما أنها تشحنُ المزاج الشعبيّ لأنها تطرحُ خيار النّضال بمفهومه الشامل".
ويقول منصور إنَّ "لكلّ عملية ظرفاً خاصًّا بها، ولا يُمكنُ تصنيف كل العمليات في سلّةٍ واحدة لأنها تختلف في ما بينها"، مُعتبرًا أن العمليّة "ليست فردية تمامًا، إذ إنها تقع في منزلةٍ بين العمليات الفرديّة والعمليّات المُنظّمة، لأن المنفّذ، وفي حالة الشهيد أبو ليلى، احتاجَ مساعدةً في التخطيط والترتيب، ككيفية الانسحاب من موقع العملية، والمكان المُقرّر للاختباء وما إلى ذلك".
وذكر منصور أن "استمرار هذه العمليات يعني دخول مرحلة فارقة قد تقود إلى انتفاضة، لا سيّما في ظل واقع سياسيٍّ مترهِّل، حيث الذاتية والمصالح الفردية هي التي تطفو على السطح"، إلا أنه استدرك قائلًا: "إن هذا يحتاج وجود أحزاب تؤدي دورها كما يجب. يحتاجُ أُطرًا تنظيميّة لها أهدافٌ واضحة، قصيرة المدى، وأخرى بعيدة المدى... لأن الرؤية الواضحة تُعطي بُعدًا تنظيميًّا قويًّا، كما أنها تُتيح استغلال المناخ السياسيّ محليًّا وعالميًّا بشكل جيّد".