تكثر الملفّات «الخلافية» بين روسيا والولايات المتحدة، وتعدّ منطقة البلقان واحدة من حلبات الصراع. وآخر صفحات هذا الخلاف تبادل الاتهامات بالتدخل بالشؤون المقدونية من الجانبين
في سياق الخلاف الروسي ـــ الأميركي حول منطقة البلقان، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن «الولايات المتحدة تتدخّل في الشؤون الداخلية لمقدونيا من خلال ممارسة ضغوط لإبرام اتفاق مع اليونان لتغيير اسمها تعزيزاً لمسعى من جانب مقدونيا للانضمام لحلف شمال الأطلسي». ونقلت صحيفة «إيفيمريدا تون سينتاكتون» اليونانية عن لافروف قوله إنه «من الواضح أن هناك تدخّلاً واسعاً ومستمراً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الشؤون الداخلية لمقدونيا».
وكان البرلمان المقدوني قد أقرّ قبل أيّام، مسودة إصلاح دستوري، تشمل تعديلاً في شأن تغيير اسم البلاد، مما يزيل عقبة أمام تسوية خلاف تاريخي قائم مع أثينا، في شأن الاسم الذي يشاركها فيه إقليم يوناني، ويمهد الطريق أمام الانضمام لحلف «شمال الأطلسي» (الناتو). وصوّت 67 نائباً لمصلحة تغيير اسم مقدونيا إلى «جمهورية مقدونيا الشمالية»، مقابل رفض 23، وامتناع أربعة نواب عن التصويت. وتكفي هذه الغالبية البسيطة حالياًَ، ولكن يجب أن تصوت غالبية تقدّر بثلثي أعضاء البرلمان البالغ عددهم 120 من أجل تغيير الدستور. ومن المقرر إجراء التصويت الحاسم خلال الشهر الجاري. في الوقت نفسه، أبدت الولايات المتحدة قلقها مما وصفته بـ«النفوذ الضار» الذي تمارسه روسيا في مقدونيا وفي غيرها من دول غرب البلقان، متهمة إيّاها بـ«محاولة تقويض حكومات تلك الدول وعرقلة تقدمها في اتجاه التكامل الدولي». وتنفي روسيا هذا الأمر، وتتهم بدورها الغرب بالضغط على نطاق واسع للإسراع بإتمام عملية مقدونيا بحلول أوائل العام المقبل. وتقول موسكو إن موافقة برلمان مقدونيا على تغيير الاسم تمت من خلال الابتزاز والتهديد وشراء الأصوات.
أقرّ البرلمان المقدوني مسودة إصلاح دستوري تشمل تعديلاً في شأن تغيير اسم البلاد
بالعودة إلى التصريح الروسي، الذي تزامن مع الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس إلى موسكو، دعا الوزير الروسي إلى «عودة» الحوار اليوناني ـــ الروسي «إلى طبيعته»، وذلك بعد أن توترت العلاقات «الجيدة تقليدياً بين البلدين» بعد طرد ديبلوماسيين روس في تموز/ يوليو الماضي، بعدما اتهمتهم اليونان بتخريب تسوية نزاع بين أثينا وسكوبيي حول اسم مقدونيا. وحول هذا الملف، أشار لافروف إلى «تحركات الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي التي تؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار... وتفاقم التوتر». وقال: «نرى أن الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي يكثفان جهودهما لهضم المنطقة عبر وضع الدول أمام معضلة كاذبة: إما مع موسكو أو مع واشنطن وبروكسيل». كما رأى أن «البؤرة الرئيسية لعدم الاستقرار تبقى كوسوفو»، خصوصاً بسبب مشاريع السلطات الكوسوفية امتلاك جيش خاص بالبلاد. وأكد مجدداً معارضة موسكو لانضمام جمهورية مقدونيا، اليوغوسلافية السابقة، «المتسرع» إلى «الأطلسي»، معتبراً أنه منظم من قبل واشنطن. يُذكر أن السفير الأميركي في بريشتينا فيليب كوسنيت، كان قد أعلن أول من أمس، أن «الولايات المتحدة تدعم مشروع كوسوفو إنشاء جيش خاص بها». ويفترض أن يصوت برلمان كوسوفو الجمعة المقبل على هذا المشروع خلال جلسة قراءة ثانية للنصوص التي تقضي بتحويل «قوة أمن كوسوفو» التي تم تدريبها بسرعة للعمل في حال حدوث كوارث، إلى جيش نظامي. إلّا أن موقف «الناتو» جاء مغايراً، إذ صرح الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن «مشروع كوسوفو إقامة قوة عسكرية خاصة بها يأتي في وقت غير مناسب وبعكس آراء عدد من دول الحلف». لكن السفير الأميركي أكد أن الولايات المتحدة «تعتبر أن تحويل قوة أمن كوسوفو إلى قوات مسلحة خطوة إيجابية حيث أنه من الطبيعي أن تمتلك كوسوفو كبلد سيادي ومستقل قدراتها الدفاعية الخاصة». وأضاف: «إنها عملية تستغرق سنوات».