10 كانون الثاني 19 - 14:10
يتوجس الكيان الصهيوني من أية صفقات أمنية تبرمها دول عربية، مهما كانت هذه الصفقات صغيرة ولا تشمل أسلحة متطورة. وتركزسلطات الإحتلال حاليا على صفقات كهذه مع الصين، كونها لا تعرف طبيعة هذه الأسلحة وكيفية مواجهتها، خلافا للأسلحة التي تستوردها دول عربية من الغرب، وخاصة من الولايات المتحدة. واستعرضت دراسة نشرها "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، تاريخ هذه الصفقات بين الصين وبين دول عربية وإيران، نشرت ضمن كتاب صادر عن المعهد بعنوان "العلاقات الإسرائيلية – الصينية: فرص وتحديات". وتستند المعطيات الواردة في الدراسة حول الصفقات الأمنية بين الصين والدول العربية وإيران إلى معلومات نشرها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام – SIPRI.
بدأ التصدير الأمني الصيني للشرق الأوسط في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ووصل حجمه حتى العام 2017 إلى 12.73 مليار دولار. ومعظم المبيعات الصينية للشرق الأوسط في هذا المجال، قرابة 8.8 مليار دولار، جرت ضمن صفقات أبرمت في الثمانينيات، وباعت الصين خلاله إلى طرفي الحرب الإيرانية – العراقية. وفي التسعينيات، بعد انتهاء الحرب الباردة، تراجع حجم الصادرات الأمنية الصينية إلى الشرق الأوسط، ليبلغ 1.8 مليار دولار، وغالبية هذه الصادرات كانت لإيران. واستمر هذا التراجع في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ووصلت إلى 1.4 مليار دولار، وكانت غالبية الصادرات إلى إيران ومصر.
ووصل حجم هذه الصادرات بين العامين 2010 – 2017 إلى 468 مليون دولار، ما يشكل 3.7% من مجمل الصادرات الأمنية الصينية للعالم، وبلغ 12.5 مليار دولار. وللمقارنة، فإن الصادرات الأمنية الروسية إلى الشرق الأوسط، في هذه الفترة، بلغت 6.1 مليار دولار، والصادرات الأمنية الأميركية بلغت 30.1 مليار دولار.
صفقات صينية مع دول شرق أوسطية
وقعت الصين أول صفقة أمنية مع دولة في الشرق الأوسط، في العام 1975، وكانت مصر. واشترت الأخير في إطارها قاذفات من طراز Xi’an G-6. وفي الثمانينيات اشترت قطعا بحرية شملت غواصات وبوارج صواريخ وطائرات مقاتلة من طراز. ومن مطلع القرن الواحد والعشرين تتركز المشتريات الأمنية المصرية من الصين على طائرات بدون طيار، ونقل تكنولوجيا لصنع طائرات كهذه في مصر. كما وقعت الدولتان على اتفاق لإطلاق قمر اصطناعي مصري ثانٍ لغرض المراقبة.
صاروخ صيني في إيران (أرشيف - أ.ف.ب.)
وبدأت العلاقات الصينية – العراقية في المجال الأمني في الثمانينيات، وشملت صفقات اشترت فيها الأخيرة طائرات مقاتلة. وجرى ذلك في موازاة الصفقات الصينية – الإيرانية، التي اشترت الأخيرة من خلالها طائرات مقاتلة أيضا، وذلك خلال الحرب العراقية – الإيرانية. كما شملت الصفقات شراء العراق قاذفات وصواريخ مضادة للطائرات. وفي المقابل تركزت المشتريات الإيرانية على المجال الصاروخي. وبعد انتهاء الحرب اشترت العراق من الصين طائرات بدون طيار. واشترت إيران من الصين تكنولوجيا لتطوير صناعة صاروخية ذاتية. وخلال حرب لبنان الثانية، عام 2006، أصاب صاروخ شاطئ - بحر أطلقه حزب الله البارجة الحربية الإسرائيلي "أحي – حانيت"، تقول إسرائيل إن إيران طورته استنادا إلى تكنولوجيا صينية للصاروخ C-802. وبحسب تقارير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، فإن الصين زودت إيران بالخبرات الأساسية لصناعة أسلحة كيميائية ورؤس حربية كيميائية للصواريخ، وأن الصين زودت إيران بخبرات في المجال النووي.
كذلك زودت الصين تركيا بأسلحة، منذ الثمانينيات، بينها منصات إطلاق قذائف، و200 صاروخ بالستي قصير المدى، علما أن تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي العام 2013 فازت شركة صينية بمناقصة تركية لشراء منظومات دفاعية ضد الصواريخ. وأثارت هذه الصفقة ضجة وغضبا بين دول الناتو. وبعد ذلك لم ترد تقارير حول صفقات أمنية بين تركيا والصين.
وأبرمت الصين صفقات مع السعودية، وزودتها بصواريخ يصل مداها إلى آلاف الكيلومترات، ومدافع متنقلة وطائرات بدون طيار.
تطور الصناعات الأمنية الصينية
قالت الدراسة إن "الصناعات الأمنية في الصين تعمل الآن على تحسين نوعية منتجاتها في كافة المجالات، وكذلك قدرتها على الإنتاج، وتساويها تدريجيا بتلك الروسية وحتى بالدول الغربية في مجالات معينة". كذلك أشار تقرير لوزارة الدفاع الأميركية إلى أن الإنتاج الصيني في مجال الصواريخ البالستية والصواريخ الموجهة وصواريخ أرض – جو وصواريخ جو – جو، لاستخدام جيشها وللتصدير، تحسن بشكل كبير في السنوات الأخيرة. ومعظم الصواريخ الصينية البالستية والموجهة قريبة من حيث أدائها لمنتجات موازية من صنع دول غربية وروسيا، وقسم منها معدّ للتصدير.
وتطورت الصناعيات الجوية التجارية والعسكرية الصينية في السنوات الأخيرة، وفقا للدراسة، وباتت تصنع طائرات شحن كبيرة وطائرات مقاتلة من الجيلين الرابع والخامس، وطائرات بدون طيار عصرية لغرض الاستطلاع والهجوم، ومروحيات.
كذلك طوّرت الصين قدراتها الصناعية البحرية، وبينها بناء الغواصات والبوارج حاملة الصواريخ والطيران البحري ووسائل بحرية أخرى بواسطة تطوير وتوسيع أحواض بناء السفن. ووفقا وزارة الدفاع الأميركية، فإن الصين هي أكبر منتج للسفن في العالم، وتسلح سفنها الحربية بوسائل متطورة في مجال المضادات الجوية والحماية تحت سطح البحر، وتطور قدرات هجومية في هذا المجال.
ووفقا لتقرير لوزارة الدفاع الأميركية، فإن قدرة الإنتاج الصيني تواصل التقدم في كافة مجالات أسلحة الجيوش البرية، بما يشمل الدبابات الحديثة والمدفعية، لكن يجري ذلك أحيانا على حساب جودتها.
وأشارت الدراسة إلى أن اهتمام الصين بالشرق الأوسط يتزايد، كما أن مصالحها تتسع انطلاقا من اعتبارات تزودها بالطاقة وإبعاد الإرهاب عن حدودها، ما يعني اتساع مصالحها السياسية والاقتصادية. والشرق الأوسط هو مصدر الطاقة الأساسي للصين، وهي تتزود بالنفط من السعودية وإيران. إضافة إلى ذلك، فإن الشرق الأوسط هو تقاطع طرق هام لتصدير بضائعها.
وزادت الصراعات في الشرق الأوسط، في أعقاب "الربيع العربي" وبسبب الصراع بين إيران ودول عربية، الطلب على الاستيراد الأمني. وفي موازاة ذلك، بدأت الولايات المتحدة بالانسحاب من المنطقة، منذ عهد الرئيس باراك أوباما. واعتبرت الدراسة أن من شأن هذا الوضع أن يزيد حجم الصادرات الأمنية الصينية إلى الشرق الأوسط في موازاة حجم التجارة والاستثمار الصيني في المنطقة، وحتى أن الصين يمكن أن تنافس الولايات المتحدة وروسيا والغرب في مجالات معينة، خاصة في أعقاب امتناع الدول الغربية عن بيع أنواع أسلحة، تحسبا من ارتكاب جرائم حرب بواسطتها، ودخول الصين مكانها.
تخوفات إسرائيلية
نتنياهو ونائي الرئيس الصيني أثناء زيارته لإسرائيلن العام الماضي
اعتبرت الدراسة أن اتساع التصدير الأمني الصيني إلى الشرق الأوسط سيضع تدريجيا تحديا متزايدا أمام إسرائيل والجيش الإسرائيلي، للأسباب التالية:
أولا: الصين تزود السلاح لإيران، وهي دولة عدو بالنسبة لإسرائيل. وتنقل إيران ذلك السلاح أو سلاحا تطوره استنادا إلى الخبرات الصينية إلى حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، التي تشكل حركات مقاومة ضد إسرائيل.
ثانيا: معظم الأسلحة الصينية التي تصل إلى المنطقة يستخدمها الجيش الصيني بالأساس، وليست منتشرة كثيرا في العالم. ولذلك، فإنه "يوجد تحد في التعرف على قدراتها التقنية والتكنولوجية والأدائية، وبتوفير رد عليها.
ثالثا: خلافا لبيع الولايات المتحدة الأسلحة لدول في المنطقة، فإن الصين لا توجد فيها تشريعات تلزمها بالحفاظ على التفوق النوعي الإسرائيلي، ولا يوجد بين الصين وإسرائيل قناة اتصال منتظمة للحوار حول هذا الموضوع.
رابعا: تصدير صيني متزايد في المجالات التي يوجد فيها تفوق إسرائيلي نسبي، مثل مجال الطائرات بدون طيار، يزيد المنافسة أمام احتمال تصدير إسرائيلي كهذا إلى العالم، بمن في ذلك "الدول السنية البراغماتية".
وخلصت الدراسة إلى أن "اتجاهات إنتاج الأسلحة والتجارة الأمنية الصينية تدل على وجود احتمال للتغيير في هذا المجال، وتستوجب ازدياد المتابعة الإسرائيلية لها. وعلى الحكومة الإسرائيلية السعي باتجاه فتح قنوات حوار مع الحكومة الصينية حول موضوع الصادرات الأمنية إلى الشرق الأوسط، التي بواسطتها ستتمكن من التعبير عن وجهة نظرها وقلقها من الموضوع، ومحاولة تقليص المخاطر عليها. وفي الوقت نفسه، على الحكومة الإسرائيلية وجهاز الأمن الإسرائيلي أن يشمل هذا الموضوع في الحوار الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، والتوصل إلى تفاهمات مشتركة حول تطور هذه الاتجاهات، واحتمالية تأثيرها على مصالح الدولتين وتنسيق عناصر سياستهما تجاه هذا الموضوع".