ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله عندما تواجهنا التحديات والصعوبات والضغوط والآلام في الحياة، عندما قال سبحانه وتعالى:
(يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة وإنّ الله مع الصابرين). وفي ذلك دعوة لنا إلى التمسك بسلاحين لمواجهة كل ذلك سلاح الصبر والتماسك والثبات وعدم الجزع والوهن لنكون قادرين على التفكير السليم والتحرك المتوازن، وحتى لا نخضع لحرب الأعصاب والحرب النفسية أو الاشاعات أو التهاويل.
والثاني أن لا ننسى حضور الله في أنفسنا بأن نتوجّه إليه بصلاتنا ودعائنا ونناجيه من أعماق قلوبنا وقد وعد الله الصابرين والمتوجهين إليه بالإجابة وإدخال السكينة في قلوبهم، وبأنه لن يدعهم وحدهم بل سيكون لهم مؤيداً وناصراً ومعيناً حتى يكونوا أقدر وأقوى على مواجهة التحديات.
والبداية من الحرب التي لا يزال الكيان الصهيوني يشنّها على لبنان، والتي تجاوز فيها كل قواعد الاشتباك التي كان معمولاً بها سابقاً باستهدافه المباشر للمدنيين في بيوتهم وعلى الطرقات وفي متاجرهم وأماكن إيوائهم وعملهم، ما أدى إلى سقوط مئات الشهداء والآلاف من الجرحى وغالبيتهم من الأطفال والنساء والعجزة. وهو بذلك يكرّر مشاهد المجازر التي شهدناها في غزة والضفة الغربية ولا تزال.
لقد أصبح واضحاً أنّ العدو يهدف من هذا التصعيد العسكري غير المسبوق إلحاق الأذى وأفدح الأضرار باللبنانيين لإيقاف حالة الاستنزاف التي يعاني منها العدو والتي تتسبب بها العمليات العسكرية النوعية التي بدأتها المقاومة ولا تزال من الثامن من تشرين الأول والتي لم تعد تقف عند حدود بل وصلت استهدافاتها إلى تل أبيب، فيما بدا عجز هذ1 الكيان واضحاً في إخضاع المقاومة على المستوى العسكري، ما أسقط هيبته أمام مستوطنيه، وفاقداً القدرة على حمايتهم.
في هذا الوقت تستمر المقاومة الإسلامية في مواجهة هذا العدوان والذي انتقل إلى مرحلة جديدة عنوانها استهداف الوطن وشعبه، وهي في هذا السياق تخوض حرباً دفاعية مدروسة على المستوى العسكري وبالحكمة التي عهدناها على المستوى السياسي، لمنعه من التمادي في عدوانه وهي لا تزال تقدم التضحيات الجسام من قادتها وكوادرها وهي وبإعتراف العدو لا تزال تملك الكثير من أوراق القوة التي لم تستعملها وأنها قادرة على إرباك هذا العدو ومنعه من تحقيق الأهداف التي يريدها على حساب أمن هذا البلد وعلى رفض الشروط المذلة عليه.
إنّنا أمام كل ذلك وفي ظل الحجم الكبير لأعداد الشهداء والجرحى نتوجه بمشاعر المواساة والألم لأهلنا والترحّم على الشهداء الذين نسأل الله سبحانه وتعالى لهم علو الدرجة والرفعة والشفاء للجرحى.
ونحن على ثقة أنّ كل ما يقوم به الكيان الصهيوني لن يؤدّي إلى الشرخ الذي يريده بين اللبنانيين بل يزيدهم إيماناً بضرورة التوحّد لدرء خطر هذ1 الكيان الذي لن يقف عند حدود استهداف طائفة أو مذهب أو موقع سياسي بل هو يستهدف كل لبنان واللبنانيين، وهو ما عبر عنه هذا الاحتضان الوطني من كل الطوائف والمذاهب للنازحين والذين تناسوا كل الخلافات والحساسيات القائمة.
ومن هنا فإنّنا نعيد التأكيد على أهمية إبقاء الوحدة الداخلية التي تبقي السلاح الأمضى في مواجهة هذا العدو والكفّ عما يهدّد مناعته الداخلية التي تصب في مصلحة هذا الكيان وتأخذ من رصيد عزّة هذا البلد وكرامته وسيادته.
في هذا الوقت فإنّنا نأمل أن تنجح الجهود الدبلوماسية التي تبذل من أجل إنهاء معاناة اللبنانيين وأن تكون باباً لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني الذي لا يكف العدو عن ارتكاب المجازر بحقه والتدمير لبنيته التحتيّة، وأن تتكاتف الجهود لدفع هذا الكيان لإيقاف حربه.
وهنا نتوجه إلى الدول العربية والإسلامية للقيام بمسؤوليتهم تجاه معاناة الشعب اللبناني وأن يكون موقفهم جاداً وعملياً ورادعا لهذا العدو ودائماً نقول أنهم يملكون القدرة أن توحدت جهودهم وطاقاتهم في الوقت الذي ندعو فيه الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم إلى رفع أصواتهم عالياً للقيام بواجبهم الإنساني والعربي والإسلامية وللضغط على حكوماتهم لأداء دورها على هذا الصعيد لأن القبول بالفظائع التي تجري سيسمح بتكرارها في أيّ مكان آخر.
وأخيراً نعيد التأكيد على ضرورة التكاتف بين اللبنانيين وعدم الوقوع في فخ استغلال ما يحدث لتصفية حسابات وأن يتواصوا فيما بينهم بالحق والصبر والتعاون والثبات.