معركة الخرافيّين ضدّ السيّد فضل الله
سليم الحسني
١٩ محرَّم ١٤٣٨هـ ~ ٢٠١٦/١٠/٢٠م
عندما بدأت بوادر الحرب ضدّ السيّد محمد حسين فضل الله، نصحه بعض أصدقائه المخلصين بأن يبتعد عن نقد الخرافات، حتى لا يتعرّض لردّ فعل شديد من أصحاب الإتجاه الخرافي والتّجهيلي.
كانت النّصيحة تستند إلى فهم الواقع الشيعي، فما إن تظهر دعوة للعودة إلى الأصول الصّحيحة للتشيّع، حتى يبادر أقطاب الخرافة إلى محاربتها بتسقيط أصحابها، وبذلك يضمنون رواج تجارتهم وبقاء مكاسبهم الشخصيّة.
لقد تعرّض الكثير من كبار علماء الشيعة لمثل هذه الحروب التشويهيّة، وكانت النتيجة لصالح الخطّ الخرافيّ عادةً، فأقطاب التّجهيل يمتلكون أهمّ سلاحين فتّاكين في هذه المعارك: جمهور من البسطاء يمكن خداعهم ببضع كلمات وشعارات عاطفيّة، أو بحلم كاذب يقصّونه عليهم، فيتحوّل إلى حقيقة مقدَّسة.
والسّلاح الآخر هو القوّة الماليّة التي تتحكّم بالمعتاشين، فتشتري مواقفهم.
تعرّض لهذه الهجمات الكثير من مراجع وعلماء الشّيعة في فترات مختلفة من التاريخ، منهم السيد محسن الأمين العاملي، والشيخ محمد رضا المظفّر، والسيّد الشّهيد محمد باقر الصّدر رضوان الله تعالى عليهم .
كما إستطاع الخطّ الخرافي أن يزوي المرجعية عن فقهاء كبار، عن طريق تحريك البسطاء والأموال ضدّهم، والمثال المؤلم في هذا الخصوص هو الشّيخ (عبد الكريم الزنجاني)، الذي قام بجولة في بلاد الشّام وفلسطين والقاهرة في منتصف القرن الماضي، وألقى محاضرة في الأزهر، فقام الدكتور طه حسين وقبّل يده وقال كلمته: "إستمعت إلى خطبة الإمام الزنجاني، فظننت أنّ إبن سينا حيّ يخطب".
لكن أقطاب الخرافة شنّوا عليه حملة قاسية، حتى عزلوه في منزله المتواضع، وتوفّي فقيراً مُعدماً.
لقد صنعت حروب أقطاب الخرافة ضدّ علماء مدرسة أهل البيت الأصيلة، ظاهرة مؤسفة سادت السّاحة الشيعيّة، فقد صار الخوف منهم أمراً واقعاً يجب أخذه بالحساب عند الدّخول في أيّ مشروع للوعي والنّهوض الثّقافي للشيعة، ومحاولة رفع المستوى الإجتماعي للأمّة، بل إنحدر الأمر إلى أكثر من ذلك، عندما راح بعض المراجع والعلماء، يحذرون من إعلان رأيهم في قضايا مهمّة، لأنهم يتحاشون الإصطدام بأقطاب الخطّ التّجهيليّ.
ثم وصل الأمر إلى درجة من السّوء، بحيث إنّ بعض المراجع صاروا يخشون الجهلاء من الناس، فلا يجهرون بقول الرأي الشّرعيّ، رغم علمهم بأنّ ما يمارسه هؤلاء مخالف للإسلام ولعقائد التشيع.
في ضوء هذا الواقع المؤسف الّذي يتحكم بمساحات واسعة من الوسط الشّيعي، جاءت النصائح للسيّد فضل الله من أصدقائه المخلصين، حفاظاً على موقعه ودوره، من ردّ الفعل المضادّ. لكنه رفض نصحيتهم، مستنداً إلى القرآن الكريم وخطّ أهل البيت(ع). فالقضية ليست في شخصهِ ، إنما في المصلحة الإسلاميّة؛ إنه شخص جاء وسيمضي مثل الّذين سبقوه، أمّا الفكرة التي تخدم الإنسان والمجتمع، فهي التي يجب تثبيتها والحرص عليها.
وأضع في نهاية المقال، مقطعاً من الخطاب الّذي تحدث فيه السيّد فضل الله عن موقفه من الهجمة الّتي تعرّض لها، والّتي قادها أحد أقطاب الخطّ الخرافي والتّجهيليّ، بأموال رجل مخابرات كويتي وجهات أخرى. وقد تمّ فيها شراء الكثير من الذّمم.
لم تكن الحرب على السيّد فضل الله لسبب واحد، إنما تعدّدت، فهو كان يدعو إلى الوعي وصناعة الإنسان الذي يمتلك إرادة القرار والتحدّي، ورفض الظّلم وعبوديّة الأشخاص. وكان يدعو إلى الحوار العلميّ، مستنداً إلى أنّ الفكر الشيعي يمتلك عناصر القوّة التي تجعله قادراً على الإنتصار في أيّ حوار علميّ موضوعيّ.
وقد واجه إسر ائيل بخطاباته ومواقفه الصّريحة، وتحدّى السياسة الأمير كيّة في المنطقة والعالم بمخطّطاتها وتآمرها، وواجه الوهّا بية وآ ل سعود بفضحهِ لفكرهم التّكفيري، وتعرّض لعدّة محاولات إغتيال أشهرها مجزرة بئر العبد، وحين نجا منها، شكر الله وقال علناً إنّ امرأة إستوقفته لتسأله عدة أسئلة شرعيّة، ما جعله يتأخّر بضع دقائق، كانت هي الفاصلة بينه وبين التّفجير. ومن المؤكّد لو أنّ نجاته من عملية الإغتيال حدثت مع شخص آخر من أصحاب الإتجاه الخرافي، لنسجوا عليها القصص، مثل رؤية الزّهراء في المنام، أو إرسال الإمام المهدي رسالة تحذيريّة، أو قصّة أخرى مما يبدعون في إختلاقه، ولصارت كرامة متداولة يقدّسه بها الأتباع البسطاء.
ما أريد الوصول إليه، أنّ بناء الإنسان والمجتمع، ومن ثمّ بناء الدّولة، لا يكون بنفسيّات مهزومة أو خائفة، حتى وإن كان أصحابها على درجة عالية من الوعي والتّشخيص، إنما النجاح يتطلّب شجاعة التصدّي للخرافة والتجهيل.
لقد دفع الإمام الحسين(ع) حياته من أجل كلمة الحقّ، فعلام الخوف من كلام هذا وذاك من أصحاب الخرافة؟
لن يُبنى العراق، طالما الخرافة والفساد يسيران بخطّ واحد، يدعم أحدهما الآخر، ولن ينجو العراق من الخراب، ما دام الخوف يسيطر على قسمٍ كبيرٍ من الواعين، من علماء ومثقّفين وكتّاب، ويدفعهم للحذر من ردّ فعل أقطاب الخرافة والتّجهيل.
تلك هي المسؤوليّة التي يتحمّلها العالم والخطيب والمثقّف والكاتب والمتعلّم، من أجل المواطن والمجتمع والدّولة.