26 كانون الثاني 24 - 15:30
ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين(ع) أصحابه عندما قال لهم: "ألا وإن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها، وأصبحت تغضبكم وترضيكم ليست بداركم، ولا منزلكم الذي خلقتم له ولا الذي دعيتم إليه. ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها، وسابقوا فيها إلى الدار التي دعيتم إليها وانصرفوا بقلوبكم عنها، واستتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه، ألا وإنه لا يضركم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم، ألا وإنه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شيء حافظتم عليه من أمر دنياكم، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق. وألهمنا وإياكم الصبر".
هذه هي وصية أمير المؤمنين(ع)، والتي إن أخذنا بها سنعرف إلى أين نسير وكيف نسير، وبذلك نكون على خير في دنيانا ونجاة في آخرتنا وسنكون أقدر على مواجهة التحديات...
والبداية من غزة حيث يستمر العدو الصهيوني في سياسته بالتدمير المنهجي لكل مظاهر العمران فيها وجعلها غير قابلة للحياة، من دون أن تبدو في الأفق أي بوادر لدى هذا الكيان للإصغاء لكل الأصوات التي ترتفع في العالم وتدعوه إلى إيقاف نزيف الدم والدمار فيها، بل نجد إمعاناً منه في الاستمرار بهذه الحرب وهو حتى عندما يريد التفاوض فهو يريده أن يجري تحت نارها، ولعل ما يشجع هذا الكيان على هذا التصلب الدعم الدولي المتواصل الذي يلقاه والتغطية التي يحصل عليها والتي تجعله بمنأى عن المحاسبة والعقاب، وإن كنا بدأنا نشهد تبدلاً في مواقف العديد من الدول الراعية له والداعمة بعد الإحراج الذي باتت تشعر به أمام العالم أو الخوف على مصالحها وأمنها من توسع الحرب وإن كان ذلك لم يتمظهر إلى الآن بموقف حاسم ورادع لهذا العدو بل اكتفت بالتمنيات.
في هذا الوقت، يستمر الشعب الفلسطيني بمقاومته الباسلة والتصدي لهذا العدو رغم عدم تكافؤ القدرات والإمكانات لمنعه من تحقيق أهدافه، أو جعل الوصول إليها مكلفاً وباهظ الثمن، والتي تشهد به العمليات البطولية التي تحصل كل يوم، ولن يكون آخرها العملية الجريئة في "المغازي" التي أقضت مضاجع هذا العدو وهزت كيانه واعتبرها يوماً أسود وفظيعاً.
ونحن نبارك للمقاومة في فلسطين إنجازاتها وبطولاتها، التي عززت في النفوس الأمل بأن هذا الشعب عصي على الكسر، وقادر على أن يُلحق بالعدو الهزيمة وأن يُجهض خططه ومشاريعه.
لقد أصبح الشعب الفلسطيني أكثر وعياً، بأن لا خيار له إلا أن يتابع مسيرته هذه في مقاومة هذا العدو، وأن يصبر على هذا الخيار ويتحمل أعباءه، وأن أي خيار آخر يُعمل له أو يدعى إليه لن يؤمن له أبسط حقوقه ولن يحصل من ورائه على الحياة الكريمة أو أن ينعم بالحرية والأمن الذي هو من حقه أسوة ببقية الشعوب الأخرى، وهو على ثقة بأن النصر لن يأتي إلا بعد معاناة وصبر، وأن الفرج لا يحصل إلا بعد الشدة، وأن مع العسر يسراً وإن مع العسر يسراً.
وبالطبع هو لن يقف وحده في هذا المسار، بل هناك من بات يرى من مسؤوليته أن يكون سنداً لهذا الشعب وناصراً له في قضيته العادلة...
ونعود إلى هذا البلد الذي يشهد حراكاً على الصعيد السياسي من الداخل والخارج، بهدف إخراجه من حال المراوحة على صعيد الاستحقاق الرئاسي وتعبيد طريقه وصولاً إلى الاستحقاقات الأخرى التي تترتب عليه ليكون قادراً على النهوض على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي ومواجهة تحديات هذه المرحلة التي ترسم فيها صورة المنطقة.
إننا هنا نأمل أن تفلح هذه الجهود وتتابع، وأن تزال العقبات التي لا تزال ماثلة أمام هذا الاستحقاق، ونخشى أن لا يكون من السهل حلها وإبقاء البلد في دائرة الانتظار إلى حين جلاء الصورة في المنطقة وعلى صعيد غزة...
في هذا الوقت تابع اللبنانيون مشهد إقرار الموازنة وأيديهم على قلوبهم من أن تحمل إليهم أعباء إضافية تزيد معاناتهم، ومع الأسف هذا ما قد يحصل... فقد جاءت هذه الموازنة لترفع الأعباء عن الأغنياء وتزيدها على الفقراء، وهي خالية كالمرات السابقة من أي خطة للنهوض الاقتصادي أو التعافي المالي أو إعادة تصويب لاستثمار أموال الدولة ومقدراتها أو يبدو فيها السعي لاستعادة الأموال المنهوبة أو المهدورة، أو ما يعيد للمودعين أموالهم.
إن من المؤسف أن العقلية التي تدير هذا البلد لم تغيرها التجارب ولا التحديات التي تواجهه ولا الظروف الصعبة التي عانى ويعاني منها...
ونعود إلى الجرح النازف في الجنوب اللبناني بفعل استمرار العدو الصهيوني في ممارساته العدوانية على قراه، ووصلت إلى أماكن بعيدة من الحدود اللبنانية والتي تواكب بتهديدات لقادة العدو الأمنيين والسياسيين.
إننا أمام ما يجري، نعيد التأكيد على اللبنانيين بضرورة الوحدة لمواجهة هذه المرحلة والنأي عن إثارة أي خلاف يؤدي إلى إضعاف الساحة الداخلية ويشكل خدمة مجانية للعدو وبالاستعداد لمواجهة أي مغامرة قد يقدم عليها والتي وإن كنا نستبعدها لوعي هذا العدو لما ينتظره إن هو أقدم على ذلك، ولكننا لا نستطيع أن ننفيها أمام غدر هذا العدو الذي يسعى جاهداً للثأر من هذا البلد الذي هزمه وأخرجه من هذه الأرض صاغراً ذليلاً.