05 كانون الثاني 24 - 12:30
ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم بوصية الزهراء(ع) لابنها الإمام الحسن(ع)، فيما ورد عنه: "رأيتُ أُمّي فاطِمَةَ(ع) قامَت في مِحرابِها لَيلَةَ جُمُعَتِها، فَلَم تَزَل راكِعَة ساجِدَة حتّى اتَّضَحَ عَمودُ الصُّبح، وسَمِعتُها تَدعو لِلمُؤمِنينَ والمُؤمِنات وتُسَمّيهِم وتُكثِرُ الدُّعاءَ لَهُم ولا تَدعو لِنَفسِها بِشَيءٍ، فَقُلتُ لَها: يا أُمّاه! لِمَ لا تَدعين لِنَفسِكِ كَما تَدعينَ لِغَيرِك؟ فَقالَت: يا بُنَيَّ الجار ثُمَّ الدّار".
لقد أرادت الزهراء من خلال وصيتها أن تعمق فينا روح البذل والعطاء، وتدعونا إلى الاهتمام بشؤون الناس وحاجاتهم وراحتهم، وتشير إلى أن الدعاء لمن يحتاج إليه هو واحد من سبل الخير نظراً إلى أهمية دوره في تأمين الحاجات، وأن نؤثرهم على أنفسنا.
وبذلك ننزع روح الأنانية من داخلنا ونزرع خيراً حيث وجدنا ونكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات...
والبداية من لبنان الذي يستمر فيه العدو الصهيوني في ممارساته العدوانية على قراه وبلداته، والتي لم تعد تقف عند حدود ما يجري في قرى الشريط الحدودي، بل تجاوزت ذلك إلى عمق الضاحية الجنوبية في بيروت التي لم تستهدف منذ العام 2006، والتي أدت إلى اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ صالح العاروري وقيادات وكوادر حمساوية أخرى، ما يشير إلى رغبة جامحة لدى هذا الكيان بتصعيد الصراع ونقله إلى الداخل اللبناني، وإن كنا لا نزال على ثقة أنه يخشى ذلك، فهو يعرف مدى تداعياته عليه وعلى كيانه بعدما خبر كل ذلك في السابق وفي هذه الأيام.
وقد بات واضحاً أن العدو يهدف إلى تحقيق نصر يسعى إليه على الصعيد الفلسطيني، بعد الفشل في تحقيق هدف كبير في غزة يقدمه إلى جمهوره، وهو إن حاول التنصل من الاغتيال بعدم الإعلان الرسمي عن تبنيه كي لا يتحمل تداعياته، ولكن بصماته تدل عليه وهو ما ظهر في تصريحات لقيادات أمنية وغير أمنية.
ونحن أمام خطورة هذا الاستهداف، ندعو إلى موقف لبناني موحد لمواجهة هذا التصعيد الخطير، لأن السكوت عنه سيجعل هذا العدو يتمادى أكثر في عدوانه ويزيد من استهدافاته وقد يتوسع فيها إلى مدى أبعد.
إن على اللبنانيين أن يكونوا حريصين في هذه المرحلة على تجاوز خلافاتهم وانقساماتهم لمنع هذا العدو من الدخول على هذا الخط والاستفادة منه، كما استفاد من ذلك في فترات سابقة... وذلك بتحميل المسؤولية لمن فتح هذه المعركة بعدما أثبت هذا الاغتيال وكل الاغتيالات التي سبقته، أن العدو لا يتوانى عن استباحة أي بلد عندما تسمح الظروف بذلك.
لقد أشار هذا الاعتداء وبشكل واضح إلى مدى استهتار هذا العدو بسيادة لبنان وبتطبيق القرار 1701 وضربه له بعرض الحائط عندما تدعوه مصالحه إلى ذلك، وهو يؤكد من جديد أن العائق هو العدو الذي وقف ويقف أمام تطبيق هذا القرار ولا أي قرارات دولية، وهو ما ينبغي أن يعيه اللبنانيون، وأن يسمعه الموفدون الذين يدعون لبنان إلى تطبيق هذا القرار.
إن على اللبنانيين أن يكونوا أكثر وعياً لمخاطر هذا الكيان، لكون هذا البلد هو النقيض الوجودي له، وبعدما عانوا الويلات من اجتياحاته وحروبه وتدميره للبنان وأطماعه بالأرض والمياه والثروات، وإذا لم يحقق أهدافه عملياً فليس تعففاً منه والتزاماً بالقرارات الدولية بل لوقوف اللبنانيين من خلال مقاومتهم وجيشهم وموقفهم الموحد في وجهه.
ويبقى علينا في هذا البلد العمل على تحصين الوضع الداخلي، حيث لا يمكن أن يواجه هذا العدو أو أن يقف أمام العواصف العاتية والآتية إليه إلا بالعمل الجاد للإسراع بإنجاز الاستحقاقات التي تضمن قدرة اللبنانيين على الصمود ومواجهة التحديات إن على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو المعيشي والحياتي.
إن من المؤسف أن يبقى هذا البلد في دائرة الانتظار كما هو الآن، وكأنه قاصر لا يستطيع القيام بشؤونه وحل مشاكله بنفسه... لقد آن الأوان للقوى السياسية أن تأخذ دورها وتوجه جهودها لإيجاد حلول لمشاكل هذا البلد، وهي قادرة على إيجاد حلول له إن توحدت جهودها وقررت الخروج من حساباتها الخاصة ومصالحها الفئوية ورهاناتها التي غالباً ما تبنى على سراب...
ونعود إلى غزة الجريحة حيث يستمر العدو بارتكاب مجازره فيها وتهديمه لبنيتها التحتية وكل مظاهر الحياة فيها، مستفيداً من الدعم الدولي وهامش الوقت المعطى له من الإدارة الأميركية التي لا تأخذها الحمية إلا عندما يسقط جنود له، وهي عندما تدعوه إلى تغيير إستراتيجيته في غزة فليس حرصاً على أهل غزة، ولكن حرصاً على هذا الكيان وحتى لا يبقى أسير وحول غزة ومستنقعاتها التي أوقعته المقاومة بها.
وفي هذا المجال، فإننا نحذر مما يحاك لفلسطين، بعدما باتت أهداف العدو في غزة واضحة بالعمل على تهجير أهاليها إلى صحراء سيناء أو إلى أصقاع العالم، حيث يعلن العدو صراحة عن هذا الهدف، والذي قد لا يقتصر على غزة، بل سيمتد إلى كل من يتعاطف مع مقاومة الاحتلال في الضفة الغربية والقدس.
إننا أمام ما يجري نجدد دعوة الدول العربية والإسلامية وكل أحرار العالم، إلى القيام بدورهم في الوقوف مع هذا الشعب وإسناده في وقفته البطولية أمام كيان العدو.
إن من المؤسف، أن تنبري دولة جنوب أفريقيا إلى رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية لمحاسبة العدو على جرائمه وممارساته بحق الشعب الفلسطيني، فيما لم تقم أي دولة عربية أو إسلامية بأي مبادرة في هذا الاتجاه أو مشاركتها في رفع الدعوى.
وأخيراً، لا بد أن نتوقف عند الاعتداء الإرهابي الذي حصل في مدينة كرمان، حيث كانت تقام مراسم العزاء أمام ضريح الشهيد قاسم سليماني في الذكرى الرابعة لاستشهاده، والذي أدى إلى استشهاد وإصابة المئات ممن جاؤوا للمشاركة في هذه المراسم...
إننا أمام ما جرى نتقدم بالعزاء إلى الجمهورية الإسلامية في إيران، قيادةً وشعباً، وبالرحمة وعلو الدرجة للشهداء وبالشفاء للجرحى ومعاقبة المجرمين الذين قاموا بهذا الاعتداء المشين ومن يقف معهم.