24 تشرين الثاني 23 - 13:58
ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصت به الزّهراء (ع) ذلك الرّجل، عندما جاء إليها قائلاً: "يابنة رسول الله، هل ترك رسول الله شيئاً عندك تطرفينيه؟"، فقالت: "يا جارية، هاتي تلك الحريرة"، فطلبتها فلم تجدها، فقالت فاطمة(ع): "ويحك، اطلبيها، فإنَّها تعدل عندي حسناً وحسيناً". فطلبتها، فإذا هي قد قمّتها في قمامتها، ففتحتها للرّجل، وكان فيها: "ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليسكت. إنّ الله يحبّ الخيّر الحليم المتعفّف، ويبغض الفاحش الضنين".
إنّنا أحوج ما نكون إلى استحضار هذه المعاني، لنصحِّح صورة المؤمن فينا، ولنبني من خلالها المجتمع المؤمن الذي نريده. وبذلك نصبح أكثر وعياً ومسؤوليّة وقدرةً على مواجهة التحدّيات.
والبداية من غزة التي شهدت وعلى مدى خمسين يوماً مجازر العدو التي طاولت المدنيين وهم في بيوتهم أو مراكز إيوائهم، واستهدفت المستشفيات والمدارس ودور العبادة، وهو في كل ذلك يهدف وكما يعلن بصراحة، إلى إفراغ القطاع من أهله بإزالة سبل الحياة فيه.
وإذا كان ثمة هدنة ستشكل متنفساً لأهالي غزة للملمة جراحهم ودفن شهدائهم، فهي لن تكون سوى لأيام قليلة لتعود الحرب بكل وحشيتها وعدوانيتها كما يصرح بذلك العدو، وهو إن قبل بالهدنة فلم يكن ذلك منه بدافع إنساني، بل جاءت بفعل ضغوط أهالي أسراه بعد فشله في تنفيذ وعوده لهم بإعادتهم من خلال آلته العسكرية من دون تبادل، بفعل صمود الشعب الفلسطيني وبسالة مقاومته، ولتخفف من وقع الضغوط الدولية التي دعته إلى إيقاف هذه الحرب المجنونة، والأصوات التي ارتفعت في الكثير من الساحات والميادين العالمية وفي الأوساط الشعبية والإعلامية والسياسية للتنديد بجرائمه بعد انكشاف زيف سرديته حول ما حصل.
ومن هنا، فإننا نرى أهمية الاستمرار في الضغوط الدولية والشعبية لإيقاف نزيف الدم هذا وعدم الاكتفاء بالهدنة التي لن تكون حلاً لمعاناة الشعب الفلسطيني...
إننا نحيي الشعب الفلسطيني ومقاومته على صمودهم وبسالتهم في الميدان، وهم استطاعوا بذلك أن يسقطوا أهداف العدو ويجبروه على التفاوض والهدنة، وهو الذي كان يقول لن يوقف الحرب إلا بعودة كل أسراه ومن دون تفاوض، وبالطبع سيكون قادراً وبهذه العزيمة والإرادة على إفشال مشروعه وتحقيق أهدافه.
وهو في ذلك لم يكن ولن يكون مستفرداً في معركته هذه وهو ما أكدته المساندة التي حصلت على أكثر من جبهة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان والأصوات الهادرة التي علت طوال الأيام الماضية والتي لن تنكفئ حتى تعود لهذا الشعب حريته ويحصل على حقه في الحياة...
ولعل من المؤسف هنا، أن يجري الحديث عن مصير الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية والإقليمية وأن تنخرط فيه دولٌ عربية وإسلامية بعيداً عن إرادة هذا الشعب الذي له وحده الحق في تحديد خياراته التي تضمن حقوقه.
إن على العالم أن يعي أن أي مشروع يجافي حقوق هذا الشعب، لن يكون حلاً ولن يضمن للكيان الصهيوني ما يريده من أمنه واستقراره.
ونصل إلى لبنان، الذي لا يزال يؤكد وقوفه مع الشعب الفلسطيني بدماء أبنائه وهو يقدم يومياً التضحيات الجسام في ذلك لإسناد هذا الشعب وتعزيز صموده، والتي لم تقتصر على من يقفون في خط المواجهة مع هذا العدو، بل وصلت إلى الجسم الإعلامي، والتي أراد العدو من خلالها عدم نقل صورة ما تقوم به المقاومة وما يرتكبه العدو بحق المناطق الآمنة.
إننا نبارك كل هذه التضحيات التي تقدم وكل الجهود التي تبذل ممن يقفون في ساحة التحدي وأثبتوا جدارتهم في الميدان، من أجل حفظ هذا الوطن ووقوفاً مع الشعب الفلسطيني في معركته مع عدو مشترك، ونتقدم بالعزاء لأهالي الشهداء والدعاء بالشفاء للجرحى، وفي الوقت نفسه نعيد دعوة اللبنانيين إلى التكاتف في مواجهة هذا العدو في ظل الاعتداءات التي شهدناها والتهديدات التي أطلقها ولا يزال يطلقها بحق هذا الوطن، ما يدعو إلى ضرورة الجهوزية لمواجهة هذا العدو وتعزيز الوحدة والمناعة الداخلية وعدم الدخول بأي سجال يخل بهذه الوحدة ويستفيد منه العدو المتربص دائماً بهذا البلد، والعمل بكل جدية لملء الفراغ الحاصل على صعيد مؤسسات الدولة، إن على صعيد رئاسة الجمهورية والفراغ الذي قد يحدث أو في قيادة الجيش نظراً لأهمية الدور الذي يؤديه الجيش على صعيد الاستقرار الداخلي وفي مواجهة العدو الصهيوني.
ونحن على هذا الصعيد نحذر من أي عمل يسيء إلى هذه المؤسسة التي تمثل عنواناً لوجود الدولة وللوحدة الوطنية، إما بتطييفيها أو بجعلها مادة للتراشق السياسي أو لتصفية حسابات مع هذا الطرف أو ذاك أو هذا الموقع أو ذاك، وأن يكون الهدف من ملء هذا الفراغ هو في مصلحة المؤسسة العسكرية فقط.
وفي الوقت نفسه، نعيد التأكيد على ضرورة استمرار العمل لمعالجة الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون على الصعيد المعيشي والحياتي بفعل ارتفاع الأسعار، وتدني الرواتب التي باتت مهما علت لا تتناسب مع احتياجاتهم.
وفي هذا المجال، فإننا نحذر من الاستمرار بالسياسة التي باتت تتقنها الدولة بمعالجة احتياجاتها من جيوب المواطنين بزيادة الضرائب التي باتت هي عنوان موازنة العام 2024، بدلاً من التفكير بوسائل أخرى هي بمتناول أيدي الدولة بتفعيل الاقتصاد والاستفادة من موارد الدولة بعد أن لم يعد اللبنانيون يتحملون المزيد