ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام الحسن العسكري(ع)، قبل أن يلاقي وجه ربه عندما قال: "أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر.. فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدّى الأمانة، وحسَّن خلقه مع الناس قيل: هذا شيعي فيسرّني ذلك.. اتّقوا الله وكونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً.. أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي(ص)، فإنّ للصلاة على رسول الله عشر حسنات، احفظوا ما وصّيتكم به واستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام".
أيُّها الأحبة:
نحن أحوج ما نكون إلى الأخذ بهذه الوصايا التي بها نعبر عن إيماننا والتزامنا وانتمائنا لأهل البيت(ع) وبذلك نكون فعلاً زيناً لهم لا شيناً عليهم، وأكثر وعياً وقدرة على مواجهات التحديات...
والبداية من اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة الذي يعقد كل عام في مثل هذه الأيام، والذي بات ملتقى لرؤساء دول العالم وأصحاب القرار فيه ومنصة إعلامية تعبر فيها الدول عن معاناتها وآلامها وما تسعى إليه، ومن خلالها توجه رسائلها أو تحذيراتها إلى الدول الأخرى التي يعنيها الأمر، لكن من دون أن تقوم هذه الجمعية بالدور المطلوب منها والذي لأجله وجدت وهو تعزيز التعاون الدولي والعمل معاً، لحل الأزمات والحد من تفاقم الصراعات التي تحدث بين دول العالم، وهذا يعود إلى هيمنة الدول الكبرى التي تسيطر على مجلس الأمن الذي يمتلك القرار الأساسي على الصعيد الأمني وغير الأمني، وتمنع صدور أي قرار يمس بمصالحها أو يحول دون تحقيق أهدافها في الهيمنة على الدول الضعيفة ونهب ثرواتها والإمساك بقرارها وجعلها بقرة حلوب لها.
ونحن أمام ذلك ندعو الدول الضعيفة والفقيرة إلى أن تجعل هذا الاجتماع مناسبة لترفع صوتها وتوحد جهودها وتتعاون في ما بينها لمواجهة سياسات الهيمنة، وهي قادرة إن قررت أن تخرج من واقعها وتعيد الاعتبار لمكانتها وتمسك بزمام أمورها.
أما لبنان الذي رفع صوته في هذا الاجتماع عبر رئيس حكومة تصريف الأعمال محذراً من مغبة استمرار الواقع اللبناني على حاله من التردي الاقتصادي والسياسي ومطالباً بمساعدته على معالجة أزماته، فقد رجع مع الأسف خالي الوفاض إن لجهة حل أزمة النزوح السوري التي باتت تثقل كاهل اللبنانيين وتشكل تهديداً لهم على الصعيدين الاقتصادي والأمني، بعد إعراب الأمين العام للأمم المتحدة عن تقديره لسخاء اللبنانيين في استضافة اللاجئين، وفي ذلك إشارة واضحة إلى بقائهم في لبنان وإلى أجل غير مسمى من دون الأخذ في الاعتبار تبعات ذلك على اللبنانيين، وإلى أن الأمم المتحدة ستستمر في الدور الذي تقوم به تجاههم، فيما لم يصدر عن اللجنة الخماسية التي اجتمعت على هامش اجتماعات الجمعية العمومية أي قرار إيجابي يتصل بمعالجة أزمة الاستحقاق الرئاسي، والذي أشار إلى وجود خلاف بين دولها، ما يجعل هذا الاستحقاق بعيد المنال ما لم يبادر اللبنانيون إلى القيام بالدور المطلوب منهم.
ومن هنا إننا نعيد دعوة القوى السياسية؛ أن كفى لعباً بمصير هذا البلد وعدم المبالاة بمعاناة إنسانه، وكفى تهرباً من التلاقي للتفاهم معاً على إيجاد مخارج للاستعصاء الحاصل على صعيد انتخاب رئيس للجمهورية، والذي أصبح واضحاً أنه لن يحصل إلا بحوار داخلي يمهد السبل لإزالة الحواجز التي تقف عائقاً أمام هذا الاستحقاق... كما ندعو إلى العمل بكل جدية لمواجهة أزمة النزوح السوري، بعدما أظهر التقرير الذي صدر عن اللجنة النيابية المختصة بمعالجة هذا النزوح اختلافاً وانقساماً إن حول الخلاف على الصلاحيات أو التواصل مع الحكومة السورية ما يعوق حل هذا الملف، فضلاً عن التراخي الحاصل على صعيد القضاء لجهة معاقبة مهربي النازحين.
ونبقى على الصعيد الاجتماعي، لنشير إلى تفشي ظاهرة الجريمة من داخل المجتمع اللبناني والذي تعود أسبابه للانحدار الاجتماعي وسقوط منظومة القيم عند الكثيرين، إضافة إلى الواقع الاجتماعي الصعب وغياب الدولة، وهنا ندعو الدولة والجهات التربوية والإعلامية والدينية إلى تحمل مسؤوليتها لمعالجة هذه الظاهرة ومنع عودتها.
في الوقت نفسه لا بد من العمل على تطبيق العقوبات الرادعة التي تجعل المجرم يفكر ملياً قبل أن يقدم على ما ينوي القيام به، وإلى جانب ذلك، ثمة ظاهرة أخرى لا تقل خطورة آخذة بالتفاقم، وهي المراهنات التي أخذت تزداد نسبة المشاركين فيها في رهان على تحقيق الكسب والربح السريع والتي أدت وتؤدي إلى تدمير مستقبل عائلات كثيرة وتدفع البعض إلى الانتحار...
إننا ننبه إلى ضرورة مواجهة هذه الظاهرة بتبيان الحكم الشرعي بحرمتها أولاً، وثانياً للنتائج المروعة التي تتسبب بها، وعدم تأمين أي غطاء للذين يؤمنون الأماكن والوسائل من هؤلاء الذين يتلاعبون بحياة الناس وأرزاقهم وملاحقتهم...
ونصل إلى فلسطين حيث يستمر الشعب الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني في مختلف مناطق الضفة الغربية وغزة، في محاولاته المستمرة لكسر إرادة هذا الشعب والمس المستمر بمقدساته، والتي أدت أخيراً إلى سقوط العديد من الشهداء والجرحى...
إننا نحيي بطولة الشعب الفلسطيني ونجدد دعوتنا إلى مساعدته بكل الإمكانات، ومنع العدو من استفراده في خدمة مشروعه التهويدي لفلسطين والقدس...
إن من المؤسف أن يجري كل ذلك فيما تتسارع خطوات بعض الدول العربية نحو التطبيع مع هذا العدو والذي من الطبيعي أن يشجعه على تصعيد عدوانه على الشعب الفلسطيني واستمرار ممارسة الضغوط عليه.
وأخيراً إننا نرى الأمل في الأخبار الأخيرة التي حملتها إلينا اجتماعات الرياض، والتي إن استمرت ستساهم في إنهاء معاناة الشعب اليمني، فمن حق الشعب اليمني العزيز أن يحظى بالقوة ويمتلك قراره ويعيش في أمان مع محيطه ومحيطه معه