بعد مشوار طويل من العمل السري، أعلن الاتحاد السوفيتي في 26 أغسطس عام 1957 إطلاق أول صاروخ باليستي عابر للقارات بنجاح وذلك بعد خمسة أيام من الإجراء الفعلي للتجربة.
الصاروخ الباليستي العابر للقارات الأول في العالم حمل اسم "آر – 7"، وأطلق بنجاح قبل 66 عاما من قاعدة "بيكانور" الفضائية في كازاخستان.
هذا الصاروخ السوفيتي كان أول صاروخ باليستي جُرب بنجاح، قادرا على حمل رأس حربي، وكان يتكون من مرحلتين ومزودا برأس قابل للفصل يزن 3 أطنان، وبمدى طيران يصل على 8 آلاف كيلو متر.
في قوت لاحق منذ مطلع عام 1960 إلى نهاية عام 1968، أدخلت تعديلات على هذا الصاروخ بالتصنيف "آر – 7" كما تمت زيادة مداه من 6500 إلى 9500 كيلو متر.
دخل هذا الصاروخ الأول العابر للقارات الخدمة في قوات الصواريخ الاستراتيجية السوفيتية، وبات يعرف في دول حلف شمال الأطلسي باسم "سس -6 سابوود".
نجاح الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت في إطلاق أول صاروخ باليستي عابر للقارات لم يضف إلى ترسانته سلاحا هائل القوة فحسب، بل وأصبح هذا الصاروخ وسيلته الأساسية إلى ريادة الفضاء وتحقيق إنجازات كبرى في هذا المجال سبقت الجميع بأشواط طويلة.
تاريخ العمل على تطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات "آر- 7" بدأ منذ أواخر أربعينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي، قبل وقت طويل من تلك التجربة الناجحة، وسبقته نماذج "آر -1" إلى "أر-5" بقيادة مصمم الصواريخ السوفيتي الشهير "سيرغي كوروليوف".
ضرورة مثل هذا النوع من الصواريخ أملتها الحاجة إلى امتلاك صاروخ قوي مركب متعدد المراحل، قادر على الوصول إلى أراضي الأعداء المحتملين، وخاصة بعد أن ظهور خطر السلاح النووي الفتاك بعد القصف النووي الأمريكي لمدينتي هيروشيما وناغازاكي نهاية الحرب العالمية الثانية.
الدراسات بشأن هذا النوع من الصواريخ ذات المراحل المتعددة بدأت في الاتحاد السوفيتي في عام 1947، وبدأ رائد الصناعات الصاروخية السوفيتية كوروليوف بحوثه الأولية لتطوير صاروخ باليستي عابر للقارات في 4 ديسمبر عام 1950، وانكب العمل في ذلك الوقت على " البحث عن آفاق ابتكار أنواع مختلفة من الصواريخ بمدى طيران بين 5-10 آلاف كيلومتر، وبوزن رأس حربي من 1 إلى 10 أطنان".
الخطوة الهامة في هذا الطريق تمثلت في صدور مرسوم للحكومة السوفيتية في 20 مايو 1954، كلف مكتب التصميم المختص "أوكب-1 " الذي يقوده كوروليوف رسميا بمهمة تطوير صاروخ باليستي يمكن أن يحمل شحنة نووية حرارية إلى مدى عابر للقارات.
في هذا الطريق، وفي عمل مواز تم صنع محركات قوية جديدة للصاروخ "آر-7 "، تحت قيادة مهندس محركات الصواريخ السوفيتية فالنتين غلوشكو، في حين قام بتصميم نظام التحكم الخاص بهذا الصاروخ العالمان نيكولاي بيليوغين وبوريس بتروف، وتولى تصميم مجمع الإطلاق العالم فلاديمير بارمين.
بعد هذه الخطوات الأساسية، احتاج الاتحاد السوفيتي إلى موقع اختبار جديد مخصص للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وتقرر أن يكون في منطقة "بايكونور" في كازاخستان، وهناك شيدت قاعدة فضائية، عدت في ذلك الوقت مرفقا سريا للغاية.
تصميم الصاروخ العابر الأول في العالم "آر – 7" اكتمل في يوليو عام 1954، وبدأت الاختبارات الأولية لهذا الصاروخ في 15 مايو 1957.
هذا الصاروخ السوفيتي العابر للقارات الأول على مستوى العالم نجح وتمكن من الوصول إلى منطقة الهدف في التجربة الرابعة التي نفذت في 21 أغسطس 1957.
عملية تحسين الصاروخ وتلافي العيوب التي ظهرت في التجارب الأولية تواصلت، وجرى استبدال قسم من الرأس الحربي القابل للانفصال، وأضيفت إلى الصاروخ معدات ملاحة مبتكرة جديدة، وتواصل إدخال تحسينات في تصميمه بالتوازي مع اختبارات الطيران اللاحقة إلى أن تم اعتماده رسميا في الاتحاد السوفيتي في 20 يناير عام 1960.
أصبح الصاروخ العابر الأول "آر -7 "، الذي أطلق عليه الكثيرون تحببا "السبعة"، سلف عائلة كاملة من مركبات الإطلاق السوفيتية والروسية الصنع التي طورت على أساس هذا الصاروخ في عملية تحديث عميقة ومتعددة المراحل.
لم يؤمن هذا الصاروخ بعائلته الطويلة درعا نوويا صلبا للاتحاد السوفيتي ولاحقا لروسيا فقط، بل أسهم في فتح طريق الفضاء أمام البشرية جمعاء، وبواسطته تم تحقيق الإنجازات الكبرى التالية:
أحدث هذه الطرازات من مركبات الإطلاق تستخدم حتى الآن بنشاط، فيما أصبحت الصواريخ من عائلة "آر -7" الأكثر ضخامة في التاريخ ويصل عدد مرات إطلاقها الفعلي إلى 2000، كما يعترف لها بأنها واحدة من أكثر الصواريخ موثوقية في العالم، وبواسطتها تم إطلاق المركبات الفضائية المأهولة ولا تزال روسيا تستخدم حتى الآن من هذه العائلة الصاروخية، صواريخ "سويوز" و"سويوز – 2".
المصدر: RT