في إطار سلسلة "وجوه حواريّة"، نظّم معهد الدراسات الإسلاميّة والمسيحيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت ندوة علميّة حول نهج المرجع السيّد محمد حسين فضل الله الحواري، في حضور حشد من الشخصيات الدينية والفكرية والحوارية والثقافية والاجتماعية والأكاديمية تقدمهم وزير التربية والتعليم العالي القاضي عباس الحلبي، مدير عام جمعية المبرات الخيرية الدكتور محمد باقر فضل الله، المطران شارل مراد، الشيخ فؤاد خريس، المحامي الدولي الأردني فيصل الخزاعي، إضافة إلى حشد من المهتمين غصت بهم القاعة.
في البداية رحّبت مديرة المعهد البروفسورة رولا تلحوق بالحضور، وركّزت في كلمتها على أهميّة النهج الحواريّ الذي اتّسم به سماحة المرجع فضل الله على كل الصُعد، مشيرة إلى أنه إنسان حواريّ بامتياز في حياته ومهامه.
ثم كانت كلمة الدكتور السيد جعفر فضل الله التي تحدث فيها عن المبادئ الإسلامية للحوار عند السيد فضل الله لافتاً إلى أنه كان متجاوزاً الحدود الزمنية والمكانية التي عاش في إطارها، وكتب للحوار ونظَّر له في ذروة الحرب الأهلية، ما يشير إلى فكر استشرافي أضاء على أهمية هذا المنهج في معالجة الكثير من المشكلات التي نعيشها إن على صعيد الخلافات السياسية والفكرية أو الدينية أو المذهبية.
ورأى أن تمايز المجتمعات يقوم على ما تعتمده من أساليب ومناهج في معالجة الشؤون والقضايا الخلافية، وكلما اقتصد المجتمع في استخدام العنف واعتبره استثناء في حل مشكلته، واعتمد الحوار علاجاً ارتقى في ميزان التفاضل بين المجتمعات والحضارات.
أضاف سماحته: لقد أسس سماحة المرجع فضل الله منهج الحوار على قواعد قرآنية، حيث رأى أن القرآن الكريم هو كتاب حواري بامتياز، أراد لنا أن نتمثله في إدارة علاقاتنا، من خلال الحوار الذي يعتمد على البرهان والعلم والدليل والبينة والواقع، ليكون الحوار جدياً ومنتجاً ليصل بنا إلى الحقيقة، التي ينبغي أن تكون غاية الحوار...
وتابع سماحته: أن يستحضر المرجع فضل الله مبدأ الحوار، فإنما يلفت بذلك إلى مصدره القرآني، وإلى احتكامه إلى هذا المصدر في كل توجهاته، كما يشير إلى هاجسه الإصلاحي في مقاربة القضية اللبنانية، حيث الحاجة إلى الكلمة المسؤولة تشتد كلما تبينت عبثية العنف ومردوده المأساوي، في الوقت الذي كان هذا المبدأ غائباً عن المداولات الفكرية والسياسية والثقافية.
ورأى سماحته: إننا ان لا حوار حقيقي إذا لم نعش التواضع أمام الحقيقة، وإن لم تتوافر النية الصادقة في الالتزام بها حتى لو اكتشفتها عند الآخر، وإن لم نسع وفق طاقتنا للتجرد الإنساني من أي رابطة عصبوية دينية أو مذهبية أو فكرية أو سياسية، ومن ثم التحرر من مزاج الذات التي تمارس الحوار مجاملة من دون الالتزام بمقتضياته، أما الاختلافات فتم معالجتها بالمزيد من الحوار، لتكون مرجعية الحوار هي الحوار نفسه لا أي سلطة خارجية، وبالاستناد إلى ما استطاع الحوار الوصول إليه من قواسم مشتركة .
وأوضح: إن من أسس نجاح الحوار أن يكون واقعياً في ما يبتغيه من أهداف وما يعتمده من وسائل، وفي موضوعاته وقضاياه وخصوصاً لجهة اتصالها بمشكلات حقيقية، تفرض أولويات معينة يجب المباشرة بالحوار حولها.
ولفت سماحته إلى أن الحد الأدنى المطلوب الذي يمكن على أساسه الحكم على نجاح الحوار أو فشله هو عندما تصل من خلاله إلى معرفة الآخر كما يقدم هو نفسه، وبذلك نزيل الكثير من الهواجس والالتباسات التي تعيق عملية الحوار، والتي تنشأ نتيجة عدم التمييز بين الآخر كما هو في الحقيقة والواقع وبين الصورة النمطية والذهنية المكونة عنه.
وحث سماحته العلماء والمجتهدين والمفكرين إلى الارتقاء بالعملية الحوارية إلى المستوى الذي يجعل المجتهد يتجاوز مذهبه ليجتهد في المذهب الآخر، ما يفتح أبواب المعرفة الخاصة بعضنا ببعض، وهكذا لا يحصر المجتهد اجتهاده في دين معين بل يسعى إلى الاجتهاد في الدين الآخر، الأمر الذي يغني التجارب الاجتهادية المذهبية والدينية والإنسانية ويصل بنا إلى نتائج مميزة في إيجابياتها وخصوصاً عند اكتشاف هذا الكم الكبير والنوعي من المشتركات بين الأديان والمذاهب، ما يدفع بالحوار اشواطاً كبيرة إلى الامام...
أما الدكتور أحمد الزعبي فشدّد على محورية الإنسان في فكر السيد فضل الله، وتحدث عن السيد المفكر الحركي والمفكر الإسلامي كاشفاً من خلال مداخلته عن البعد الصوفي والروحاني في فكره، مؤكداً بأنه لم يكن رماديّاً في موقفه من الحوار وتمسكه به، بل إنّه واضح وحقيقيّ في هذا المجال، فهو يلتزمه انطلاقاً من مبادئ إسلامه من دون أن يتّخذ موقف التقيّة في محاورة الآخرين، مثنياً على البعد الوطني في تعاليمه وحرصه على المشاركة والتفاعل مع كلّ المكوّنات الوطنيّة من أجل بناء الإنسان.
ثم تحدث البروفسور الأب باسم الراعي عن أهمية التواضع المعرفي في شخصية الإنسان وضرورة الاحتفاظ بالهوية الشخصية والفكرية للمتحاورين باعتبار ذلك من شروط نجاح الحوار، لافتاً إلى أهمية الصدق في الطرح كشرط ضروري وأساسي، معتبراً أن الحقائق والأفكار السامية هي التي يتم التسليم أمامها، لا التي تفرض على الإنسان، باعتبار قيمة الإنسان فوق كل قيمة.
ورأى الراعي أن السيّد استعمل الحوار كوسيلة للتكامل والتوازن في جوّ سليم يحدّده الفكر الملتزم قضايا الإنسان، وأنهى كلامه بعبارة مهمّة جداً: "من أنا حتى أفرض عليك أن تكون على صورتي؟".
وأخيراً أنهى رئيس جامعة القدّيس يوسف في بيروت، الأب البروفسور سليم دكّاش الندوة بالكلام عن البُعد التربوي في نهج السيّد فضل الله. وأظهر في كلامه أنّ فكر السيّد استقرائي واستدلالي، بحيث أنّه كان قريباً من خبرات الناس والمجتمع.
وأكّد دكاش بأن فكر السيد إسلاميّ على مستوى الوجود الإسلاميّ، ولكنه أيضاً فكر جامع يصبو إلى تكامل المجتمع الإنساني ككلّ. ولذلك كان السيّد فضل الله يعتقد بأنّ المجتمع هو المدرسة الكبرى وإنّ الذات ليست بعزلة ولكنها ذات بالعلاقة مع الآخرين، مشدداً على أهمية التربية على القيم في فكر السيّد وبشكل خاص قيمة المصالحة والسلام واصلاح الذات والمجتمع والمواطنة كقيمة أساسيّة في قيام الدولة وعليها يجب أن يُبنى الحوار