ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية رسول الله(ص)، عندما قال: " تَقَبّلوا لي بسِتٍّ أتَقَبّلْ لَكُم بالجَنّةِ: إذا حَدَّثْتُم فلا تَكْذِبوا، وإذا وَعدْتُم فلا تُخْلِفوا، وإذا ائتُمِنْتُم فلا تَخونوا، وغُضّوا أبْصارَكُم، واحْفَظوا فُروجَكُم، وكُفُّوا أيديَكُم وألسِنَتَكُم".
لقد أشار رسول الله(ص) في هذا الحديث إلى الصادقين والموفّين بوعودهم ومن يؤدون أماناتهم ويغضون أبصارهم ويحفظون فروجهم عن الحرام ويكفون أيديهم عن ظلم الناس أو أن يضعوها في أيدي الظالمين، ومن لا ينطقون إلا خيراً، ولا المخلفون بالوعد ولا من يخونون الأمانة ولا من يتجاوزون الحد بأبصارهم وفروجهم ويهدرون كرامات الناس بألسنتهم، ويضعون أيديهم بأيدي الظالمين والطغاة والمستكبرين والخائنين أو يمدونها إلى الحرام.
ومتى وعينا ذلك وعملنا به سنكون أكثر وعياً وقدرة على مواجهة التحديات...
والبداية من الوضع المعيشي والحياتي الذي يزداد سوءاً بفعل الارتفاع الحاصل في أسعار السلع والمواد الغذائية وكلفة الدواء والاستشفاء وتأمين الماء والكهرباء والمحروقات والتعلم وسبل الانتقال، من دون أن تبدو في الأفق أية معالجات تذكر على هذا الصعيد، بل نجد إمعاناً من قبل الدولة في ممارسة ما اعتادت عليه بمد يدها إلى جيوب مواطنيها الفارغة وتحميلهم أعباء إضافية من خلال الزيادات المتوقعة على الضرائب والرسوم لتلبية احتياجاتها من دون أن تأخذ في الاعتبار تداعيات ذلك عليهم وتفتش عن سبل أخرى لتأمين احتياجاتها.
وهنا نشير إلى الضجة التي حصلت من قبل القوى السياسية عندما قررت وزارة الأشغال رفع القيمة الزهيدة لإيجار الأملاك البحرية التي تقاسمتها هذه القوى فيما بينها، وإذا كان من إجراءات قد تحدث لتعزيز القطاع العام لإعادة تسيير أمور الدولة والمواطنين فهي لم تقنع العاملين بالعودة إلى أعمالهم ما يجعل مؤسسات الدولة رهينة الشلل، في وقت تستمر معاناة القطاع الخاص الذي بات ينوء بأعباء الكلفة التي يتحملها للقيام بدوره وأعباء العاملين لديه، حيث بات حائراً ما بين تخفيف الأعباء عليه بصرف الموظفين والعاملين، أو رفع كلفة أسعار خدماته ومنتجاته ودولرتها مما لا طاقة للبنانيين على تحمله.
يجري كل ذلك فيما الدولة المعنية بإيجاد حلول لمواطنيها في حال من التردي لاستمرارها رهينة الانقسام الحاصل بين القوى السياسية، في ظل عدم قدرة أي منها على فرض خياره ورفض الاستعداد للتنازل، ما يعني بقاء الفراغ الذي لن تقف تداعياته عند الانهيار الحاصل على الصعيد الاقتصادي والمعيشي بل قد يتعداه إلى الأمني وإلى تهديد كيان الدولة نفسه.
ومن هنا، فإننا نعيد دعوة القوى السياسية إلى تحمل مسؤوليتها لإخراج البلد من حال المراوحة هذه والتي لن تحصل إلا بتلاقيها وتعاونها، فهذا البلد يبنى بالتوافق ويستمر عليه.
وإلى أن يحصل ذلك، فإننا نجدد دعوتنا لكل القوى السياسية أن يرأفوا بهذا البلد وبإنسانه، أن لا يزيدوا في أزماته ومعاناته وأن لا يهددوا بكلماتهم ومواقفهم استقراره ووحدته، فمن لديه كلمة تعزز التآلف والتلاقي بين اللبنانيين فليطلقها، ومن لديه كلمة تساهم في زيادة الشرخ وإثارة الفتنة وتعزيز الانقسام، فليوفر على هذا البلد وإنسانه تداعياتها.
ومن هنا، فإننا نحذر من الاستمرار في الخطاب التحريضي، وهو ما شهدناه في ألوان من الخطاب السياسي، التي انطلقت بعد الأحكام القضائية الصادرة بخصوص حوادث خلدة، لنؤكد مجدداً على إبقاء الاعتراضات على ما صدر من أحكام في إطاره القانوني وضمن المراجع القضائية المختصة.
وهنا نقدر كل الجهد الذي يبذل على هذا الصعيد لإزالة هذا الفتيل الذي يسعى البعض لاستغلاله ليكون مادة للإثارة والتوظيف.
وفي هذا المجال، فإننا أيضاً نقدر الجهد الذي بذل من فعاليات في بلدة المعيصرة الكسروانية لدرء الفتنة التي كان يمكن لها أن تقع بين أهالي المنطقة بعد الذي حصل من اعتداء على شابين من البلدة، فقد عضوا على الجرح وحرصوا على الحؤول دون أن يستغلها من يريد إحداث التوتر الذي يؤثر على العيش المشترك في هذه المنطقة حماية لوحدتها وحفظاً لكل مكوناتها.
ونبقى على صعيد أزمة النازحين التي تفاعلت أخيراً بعد تنامي أعدادهم والتي وصلت إلى حد لا قدرة للبنانيين على تحملها في ظل الأزمة التي يعاني منها البلد، والهواجس التي تثار من وراء وجودهم والذي يساهم به الأسلوب الذي تتبعه الجهات الدولية التي ترعى هؤلاء النازحين في مقاربة قضيتهم.
إننا أمام ما يجري ندعو إلى معالجة جادة وحثيثة لهذا الأمر من خلال الجهات المعنية بقضية النازحين في الأمم المتحدة والتواصل مع الحكومة السورية، منعاً للتوتر الذي بدأنا نشهده، وحرصاً على تأثير ذلك على العلاقة بين الشعبين الشقيقين، ومن هنا فإننا ندعو إلى العقلانية والحكمة والجدية وأخذ البعد الإنساني في مقاربة هذا الملف لإيجاد الحلول للوصول إلى ما يرضي الجميع ويكفل حقوق الجميع، وعدم تحويله إلى باب من أبواب الفتنة التي نعرف أن الكل يرفضها وأنها تعود بالخسارة على اللبنانيين والسوريين معاً.
وأخيراً إننا أمام محطة عيد العمال نهنئ كل عمالنا وعاملاتنا بهذه المناسبة، وندعو الله تعالى أن يبدّل هذه الحال ليحظى كل العمال بما يستحقونه من التكريم ونيل الحقوق والعيش الكريم.