08 كانون الأول 22 - 11:00
لم تكن حادثة المقطورة الشهيرة نهاية عام 1987 هي السبب الوحيد لتفجر “انتفاضة الحجارة”، التي جاءت على وتر مطالب الشعب الفلسطيني بالحرية والانعتاق من الاحتلال، لكن يُسجّل لها بأنها كانت “القشة التي قصت ظهر البعير”.
ويُحي الفلسطينيون اليوم الخميس الذكرى الـ35 لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى “انتفاضة الحجارة”، والتي اندلعت نهاية عام 1987 واستمرت سبع سنوات، قبل قدوم السلطة إلى قطاع غزة والضفة الغربية عام 1994.
وتعتبر “انتفاضة الحجارة” أكبر هبة جماهيرية يخوضها الشعب الفلسطيني بعد احتلال العصابات الصهيونية لفلسطين عام 1948، والتي أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية بعد نسيانها على مدار السنوات، وسلاحها الاستراتيجي “الحجر”.
وقد استشهد في الانتفاضة قرابة ألف و300 فلسطيني، وأصيب 90 ألفًا، في حين سجلت أكثر من 200 الف حالة اعتقال خلال أعوامها السبع.
واندلعت شرارة “انتفاضة الحجارة” بعد تشييع الفلسطينيين في ذلك اليوم، أربعة عمال من بلدة “جباليا” شمالي قطاع غزة، قضوا جراء حادث سير “متعمد” وقع بين سيارتهم ومقطورة إسرائيلية خلال عودتهم من العمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وعمّت المظاهرات بلدة “جباليا” ومخيمها، تخللها رشق الآلاف من الشبان جنود الاحتلال بالحجارة والزجاجات الفارغة والحارقة.
وامتدت إلى كل شارع وزقاق في المخيم حيث جابههم جنود الاحتلال بالرصاص الحي، واستشهد جراء ذلك الشاب حاتم السيسي (21 عامًا)؛ أول شهيد في هذه الانتفاضة.
واعتقد الاحتلال في حينه، أن هذه المواجهات عبارة عن ردّ عابر على جريمة حادث المقطورة، وأن الأمور ستهدأ في اليوم التالي، إلا أنها اشتعلت من جديد، وتصاعدت حتى امتدت إلى بقية مخيمات القطاع وأحياء مدينة غزة، ومن ثم الضفة الغربية.
ودخلت كلمة “انتفاضة” في القاموس العربي وقواميس اللغات الأخرى من حيث ترجمتها؛ لتأخذ والأحداث ضجة إعلامية كبيرة، لا سيما في الإعلام الغربي رغم محاولة الاحتلال التعتيم عليها.
وبتسارع الأحداث؛ أخذت الانتفاضة الطابع الشعبي، ووحدة الموقف، والتعاضد الاجتماعي، والتكافل الأسري، وشمولية المواجهة، واتساع ساحة الاشتباك المباشر مع الاحتلال في كافة مدن وقرى فلسطين.
وشارك فيها كافة الشرائح المجتمعية والفئات العمرية، فضلًا عن أن سلاحها كان في متناول الجميع (الحجر والمقلاع)، وفي بعض الأحيان السكين والزجاجات الحارقة، قبل أن يتطور لاحقًا إلى السلاح.
ومع استمرار المظاهرات والمواجهات اليومية مع قوات الاحتلال دون توقف، بدأ شبان الانتفاضة يكتسبون ثقة أكبر لاستمرارها، وجعلها منهج حياة؛ من خلال الدعوة للمواجهات والإضرابات التي كانت تعم كافة أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة، ليشكلوا لجاناً شعبية لقيادتها.
وفي المقابل؛ فإن سلطات الاحتلال شعرت باليأس والإحباط في إخماد جذوة الانتفاضة، لا سيما في ظل نقل الإعلام الغربي لهذه المظاهرات.
وجنّد الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 80 ألف جندي لوقف زخم الانتفاضة وقمع الفلسطينيين العزل، واستُخدمت الكثير من الوسائل لقمعها، إلا أنها فشلت في كبح جماح فلسطينيين الذين لم يعودوا يحتملون احتلالا يأكل أرضهم، ويقذف بأبنائهم في السجون، ويهدم منازلهم، ويقضي على حلمهم بالاستقلال والحرية والعودة.
وتعاقبت على هذه الانتفاضة عدة حكومات لليسار واليمين، وكذلك لكلا الجهتين معًا في “حكومة الوحدة” برئاسة إسحق شامير، وإسحق رابين الذي كان وزيرًا للجيش آنذاك، وقرر استخدام سياسة “تكسير العظام” بحق الفلسطينيين.
واستخدمت قوات الاحتلال شتى الوسائل لقمع الانتفاضة وإخمادها دون جدوى، وارتكبت سلسلة مجازر بحق الفلسطينيين كان أبرزها: مجزرة الحرم القدسي الشريف في 8 تشرين الأول/أكتوبر 1990، وأدت لاستشهاد 21 فلسطينيًا.
وكذلك مجزرة الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل (جنوب الضفة) في 20 شباط/فبراير 1994، والتي راح ضحيتها 34 شهيدًا قضوا خلال صلاة الفجر.
كما نفذت قوات الاحتلال عدة مجازر في “نحالين” ومخيم “النصيرات” وحي “الشيخ رضوان” و”الصبرة” و”الدرج” بمدينة غزة، وخانيونس.
وشرعت قوات الاحتلال فور اندلاع الانتفاضة بتنفيذ حملة اعتقالات كبيرة طالت الآلاف من الفلسطينيين، وافتتحت العديد من السجون والمعتقلات لاستيعاب المعتقلين الجدد. ومن بين تلك السجون: “أنصار 1″، غرب مدينة غزة، و”النقب الصحراوي” (أنصار 2)، وكذلك سجن “عوفر” و”مجدو” في الضفة الغربية المحتلة.
وحولت معظم المعتقلين إلى الاعتقال الإداري (دون محاكمة)، حيث قدر عدد المعتقلين خلال الانتفاضة بنحو 200 ألف، قضى منهم 42 معتقلا شهيدا بسبب التعذيب والإهمال الطبي والقتل المباشر بالرصاص.
ولم تؤثر هذه الاعتقالات على مسيرة الانتفاضة وديمومتها، أو على حجم المشاركة فيها، ولم تُثنِ الفلسطينيين عن مواصلة مقاومتهم المشروعة للاحتلال من أجل استرداد حقوقهم ونيل حريتهم.
واستخدم الاحتلال كذلك سياسة “تكسير العظام” الأمر الذي أثار المجتمع الدولي ضدها بعد نشر صور لجنودها وهم يعتدون على شبان فلسطينيين بشراسة، ويعمدون إلى تكسير أيديهم وأرجلهم، لا سيما في نابلس (شمال الضفة).
وحاولت الفصائل الفلسطينية تطوير الانتفاضة لمواجهة العنف الإسرائيلي، من خلال استخدام السلاح الأبيض والرصاص والمتفجرات.
وكانت أول عملية كبرى هي قتل ثلاثة جنود إسرائيليين طعنًا على أيدي أبناء عائلة الكردي في حي الصبرة بمدينة غزة، والتي استشهد منها ثلاثة أشقاء.
وظهرت خلال هذه الانتفاضة الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية بمسمياتها الجديدة، ونفذت سلسلة عمليات فدائية من خلال إطلاق الرصاص والكمائن، وكذلك عمليات التفجير التي أسفرت عن مقتل العشرات من جنود الاحتلال.
وحينما أدركت سلطات الاحتلال أن استخدام القوة لن يجدي نفعاً في إيقاف الانتفاضة، لجأت إلى “الحل السلمي” ففتحت خط مفاوضات مباشرة مع منظمة التحرير، مما تسبب بانقسام في المجتمع الفلسطيني.
وأسفرت المفاوضات عن توقيع اتفاق “أوسلو” بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية في 13 أيلول/سبتمبر 1993؛ والذي ينص على تأسيس السلطة الفلسطينية، التي تم تشكيلها بعد ستة أشهر، وبسط نفوذها في قطاع غزة ومدينة أريحا، وإدخال قوات الأمن الوطني الفلسطيني، وتشكيل الأجهزة الأمنية، وخروج قوات الاحتلال من داخل المدن وانتشارها على الحدود، وبقائها في المستوطنات، وتخمد بذلك الهبة الجماهيرية الكبيرة لتطوى صفحة “انتفاضة الحجارة”.
المصدر: قدس برس