تصادف غداً الذكرى الـ31 لاندلاع الانتفاضة الأولى، "انتفاضة الحجارة"، ففي الثامن من كانون الأول من العام 1987، دهست شاحنة عسكرية صهيونيَّة حافلة تقلّ عمالاً فلسطينيين كانوا عائدين من أماكن عملهم في أراضي 48 مساءً إلى قطاع غزة، ما أدّى إلى استشهاد أربعة عمال وجرح سبعة آخرين من سكّان مخيم جباليا، ولاذ سائق الشاحنة بالفرار على مرأى من الجنود على الحاجز العسكري.
في اليوم التالي، وخلال تشييع الشهداء الأربعة، اندلع بركان الغضب الشعبي من مخيم جباليا، حيث يقطن أهالي الضحايا، ليشمل قطاع غزة، قامت خلاله الحشود بإلقاء الحجارة على موقع لجيش الاحتلال في جباليا. وقد شاركت الطائرات المروحية للاحتلال في قذف القنابل المسيلة للدموع والدخانية لتفريق المتظاهرين، وقد استشهد وأصيب في ذلك اليوم عدد من المواطنين، وفرضت سلطات الاحتلال نظام منع التجول على بلدة ومخيم جباليا وبعض الأحياء في قطاع غزة.
واصل الغزيون انتفاضتهم ضد قمع الاحتلال لمسيرات تشييع الشهداء، ومن ثم ضدّ سياسته بشكل عام، وسط ارتفاع في عدد الشهداء الذين كانوا يرتقون يومياً، فضلاً عن الجرحى، وامتد الغضب الجماهيري إلى الضفة الغربية، معلناً الحجر سلاحه في مواجهة جيش الاحتلال والمسيرات السلمية وسيلته في سعيه للخلاص من الاحتلال.
في 10-12-1987، تجدَّدت التظاهرات والاشتباكات مع قوات الاحتلال، وعمَّت مختلف مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة، في أكبر تحدٍّ لسلطات الاحتلال وإجراءاتها التعسفية والقمعية ضد الفلسطينيين العزّل، الذين واجهوا في الضفة الغربية وقطاع غزة رصاص قوات الاحتلال، وأمطروا جنود الاحتلال الذين تمترسوا بسياراتهم المدرعة بالحجارة والزجاجات الفارغة وقنابل المولوتوف، ما أدى إلى استشهاد وإصابة العديد من المواطنين برصاص جيش الاحتلال.
في اليوم التالي، وجَّه الرئيس الفلسطيني الراحل أبو عمار رسالة عاجلة إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، مطالباً إياه بتحرك فرنسي دفاعاً عن حقوق الإنسان الفلسطيني في مواجهة الوحشية الصهيونية، تلاه عقد لدراسة الوضع الخطير والمتفجر في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، جراء قيام الحكم العسكري الصهيوني بإنزال قوات عسكرية تقوم بمهاجمة المخيمات الفلسطينية في الضفة والقطاع على مدى 5 أيام، ما أدى إلى سقوط 54 شهيداً و152 جريحاً في ذلك الوقت القصير من عمر الانتفاضة.
وتم توجيه برقيات عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، وإلى السوق الأوروبية المشتركة، وإلى الصَّليب الاحمر، وإلى لجنة حقوق الإنسان، والأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي، وقادة الدول الاشتراكية، تطالبهم بضرورة التحرك الفوري لوقف الجريمة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني الصامد في وطنه.
أبرز ما كان في المشهد الفلسطيني في ذلك الوقت، هو الطرق المسدودة بالمتاريس، والمدارس والجامعات المغلقة، والشوارع التي يملأها الحطام، والدخان الأسود المنبعث من الإطارات المحترقة، والأعلام الفلسطينية، وصور الشهداء.
واتّسمت انتفاضة الحجارة بالعصيان المدني الواسع، وبالشمولية، والسرية، والتنظيم الجيد، والمشاركة الفاعلة من كل شرائح المجتمع، كما أنّها حملت في طياتها بذور التجدّد، فدم كلّ شهيد كان كالوقود الذي يغذي الانتفاضة ويمدّها بالقوة لتستمر. وقد عزَّز تشديد الاحتلال وقمعه الانتفاضة الشعبية وصاعد من حدتها.
سعى الفلسطينيون عبر انتفاضة الحجارة إلى تحقيق عدة أهداف، من بينها إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، والسعي لتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم وعودة اللاجئين من دون قيد، وتقوية الاقتصاد الفلسطيني، وإخلاء سبيل الأسرى الفلسطينيين والعرب من السجون الصهيونية، وكذلك لمّ شمل العائلات الفلسطينية من الداخل والخارج، ووقف فرض الضرائب الباهظة على المواطنين والتجار الفلسطينيين من قِبَل الاحتلال.
تضاربت الأرقام والإحصائيات حول أعداد الشهداء والجرحى، فبعض الأرقام تحدَّثت عن استشهاد ما يزيد على 1500 مواطن، وبعضها تحدث عن استشهاد أكثر من ألفي مواطن، أما عدد الجرحى، فوصل إلى 120 ألفاً، وعدد المعتقلين إلى 120 ألف معتقل أيضاً، بينما شرّد 150 ألف مواطن من منازلهم.
ومع تصاعد العمل الشعبي والضغوط الدولية، اضطر الكيان الصهيوني إلى الرضوخ والجلوس إلى طاولة المفاوضات، والتوقيع على اتفاق أوسلو في العام 1993، الذي بموجبه أقيمت السلطة الوطنية على الأرض الفلسطينية، وعاد الرئيس الراحل ياسر عرفات والقيادة الفلسطينية وعشرات آلاف الفلسطينيين إلى أرض الوطن.